
الاقتصاد اليمني | بقش
تواجه مدينة عدن والمحافظات المجاورة أزمة مياه متفاقمة وواسعة النطاق، نتيجة لعوامل متعددة تشمل النقص المادي في الإمداد، إلى جانب عوامل سياسية واقتصادية وبنيوية وبيئية.
وباطلاع بقش على أحدث المعلومات، يتضح أن انقطاع الكهرباء الناجم عن نقص الوقود أدى إلى توقف ضخ المياه إلى المنازل في عدن، فتعطل تشغيل محطات الضخ والخزانات المنزلية، مما وضع الأسر في وضع مأزوم.
ومع انعدام المياه في العديد من المنازل بعدن، كانت مؤسسة المياه والصرف الصحي أشارت في بيان سابق اطلع عليه بقش إلى أن العد التنازلي نحو انهيار تام لخدمات المياه والصرف الصحي في عدن بدأ، بسبب انقطاع تام لتوليد الكهرباء جراء نفاد الوقود.
وتؤكد المؤسسة أن الانقطاع الكامل لمنظومة الكهرباء قد يؤدي إلى توقف خدمة المياه والصرف المياه، حيث ستتوقف عملية إنتاج المياه في الحقول وتموين المديريات، إضافةً إلى توقف محطات ضخ مياه الصرف الصحي.
ويأتي ذلك في حين قالت مؤسسة الكهرباء إنه تم تشغيل المحطة الشمسية وإدخالها إلى الخدمة بعد استقرار مركز الأحمال واستكمال الإجراءات الفنية اللازمة.
شبكة مياه مهترئة
وتعاني عدن من شبكة مياه مهترئة، إذ تشهد الشبكة تلفاً كبيراً، وتُفقد أكثر من 40% من المياه المزوّدة بسبب التسرّبات والبنية التحتية المتقادمة.
كما تشهد عدن إدارة ضعيفة وقصوراً في التمويل وانعداماً في الاستثمارات في ما يخص مجال المياه، وحسب تتبُّع بقش لتقارير الأمم المتحدة فإنه لم يتم تحديث استراتيجية المياه منذ عام 2005 تقريباً، وهو ما ساهم في الأزمات المتراكمة.
وحول ذلك يقول الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي، في تعليق لـ”بقش”، إن محطات التحلية وشبكات التوزيع تتهالك وسط الإهمال الحكومي المستمر للصيانة والتحديث، مما جعل الاعتماد شبه كلي على المياه الجوفية غير المستدامة.
وأضاف أن القوانين والسياسات المُعتمدة لمنع الاستنزاف الجوفي أو تنظيم الحفر غير القانونية أو تحلية المياه لا تزال ضعيفة، ما يجعل عدن مثالاً على مدينة تعاني أزمة عمرانية مائية تتجاوز الانقطاع العَرَضي.
كما أن الوضع الاقتصادي المتدهور، وتراجع الإيرادات، وارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة، كلها عوامل تسهّل انهيار الخدمات، حسب الحمادي، مضيفاً أن توقف ضخ المياه يعني أن الأسر تحتاج إلى شراء المياه عبر الوايتات، أو اللجوء إلى خزانات جانبية في منازل الجيران أو خزانات عامة في الأحياء، وتابع: “كما أن الصراعات السياسية بين القوى في أوساط حكومة عدن تؤثر على استقرار الخدمات”.
ويُشار إلى ارتفاع أسعار المياه، إذ يؤكد مواطنون أن تكلفة المياه المنزلية ارتفعت بنحو 50% وفق معلومات بقش، مع حاجة الأسرة الواحدة إلى نحو 5,000 ريال يومياً لشراء المياه.
ويتحمل الأطفال والنساء عبء البحث عن المياه، بشكل ينطوي على مخاطر صحية وأمنية.
آثار اقتصادية قاسية
ويضرب توقف المياه الإنتاج الزراعي والمشاريع الصغيرة في عدن والمحافظات المجاورة، حيث يتمّ الاعتماد جزئياً على المياه لنشاطات اقتصادية.
كما تزيد تكلفة تشغيل البدائل الفردية (مولدات كهرباء، خزانات خاصة، شراء مياه) الأعباء المالية على الأسر والفُرَص الاقتصادية.
وينجم عن توقف ضخ المياه أيضاً ضعف الإيرادات الحكومية والموارد المحلية التي تشكو الحكومة من قلّتها. ويزيد الانقطاع المستمر للمياه والخدمات الأساسية من الاستياء الشعبي الواسع، كما تتدهور ثقة المواطنين في المؤسسات المحلية.
وتتطلب أزمة توقف المياه تأمين الوقود والطاقة البديلة، إذ لن تستطيع محطات الضخ العمل بدون كهرباء مستدامة، وهو ما يستدعي من حكومة عدن ضمان احتياطي من الوقود أو الانتقال إلى بدائل الطاقة، مثل الطاقة الشمسية، وكذلك إصلاح شبكات التوزيع واستبدال البنية التحتية المهترئة، والاستثمار في تجديد الأنابيب، وتقليل الفاقد، وتركيب عدّادات دقيقة، إضافة إلى صيانة المحطات.
وتُعد أزمة المياه انعكاساً لهيكل معيشي وبيئي واقتصادي منهار، وقد تراكمت عواملها على مدى سنوات، وبلغت الذروة في الأشهر الأخيرة بسبب أزمة الكهرباء التي أدخلت عدن في ظلام مطبق، وفي حال عدم تحرك السلطات فإن اقتصاديين يحذرون من أن عدن ستشهد كارثة مياه حضرية يصعب تجنب تداعياتها مستقبلاً.


