الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

أسماك سقطرى الفاخرة والنادرة تحت احتكار وسيطرة شركة إماراتية

الاقتصاد اليمني | بقش

في أرخبيل سقطرى اليمني، الواقع في قلب واحد من أهم المسارات البحرية العالمية، يعيش الصيادون المحليون مفارقة قاسية: وفرة في الثروة السمكية، مقابل كساد في الأسعار وانسداد في سبل العيش.

فبينما تعج شواطئ قلنسية وعبدالكوري بكميات هائلة من الأسماك النادرة، يجد الصيادون أنفسهم مضطرين لبيع الكيلوغرام الواحد من سمك التونة -أحد أثمن الأنواع- بسعر لا يتجاوز 500 ريال يمني (حوالي 0.33 دولار) وفق متابعة بقش، في مشهد يعكس اختلال ميزان القوة الاقتصادية في الجزيرة.

وقد أفادت مصادر محلية في مديرية قلنسية وعبدالكوري لـ”بقش” بأن شركة «برايم» الإماراتية، من خلال مصنع الإنزال السمكي التابع لها، باتت اللاعب الوحيد المسيطر على سوق الأسماك في سقطرى. الشركة، التي تعمل دون منافسة تُذكر، هي من تحدد الأسعار وتفرض شروط البيع على الصيادين، ما يجعلهم عملياً أمام احتكار مطلق لا يملكون حياله سوى القبول أو الخسارة.

تقوم «برايم» بشراء كميات الصيد بأسعار زهيدة، ثم تقوم بتعليبها ونقلها إلى الخارج حيث تُباع بأسعار مرتفعة في الأسواق الخليجية والدولية. هذه الفجوة بين سعر الشراء المحلي وسعر البيع الخارجي تُترجم إلى أرباح كبيرة للمستثمر الإماراتي، بينما يظل الصيادون عالقين في دائرة من العوائد المتدنية والظروف المعيشية المتدهورة.

تصف مصادر محلية الوضع بقولها: “الجميع يعمل، لكن المستفيد الوحيد هو الشركة. نحن نصطاد، نغامر، ونتحمل تكاليف الوقود والرحلات البحرية، وفي النهاية نبيع بثمن بخس لا يغطي حتى النفقات”.

تغييب المنافسين المحليين… وإغلاق المنافذ

لم تكن السوق في سقطرى بهذا الشكل دائماً. فقبل تمدد «برايم»، كان هناك مستثمرون محليون ينقلون الأسماك الطازجة من الجزيرة إلى المحافظات اليمنية الأخرى، ما كان يتيح للصيادين خيارات متعددة ويخلق منافسة ترفع الأسعار وتحسّن ظروف البيع.

لكن، بحسب السكان، فإن استحواذ الشركة الإماراتية وأذرعها على قطاع الأسماك ترافق مع عرقلة مقصودة لجهود المستثمرين المحليين، سواء عبر الإجراءات أو النفوذ، ما أدى إلى إقصائهم من المشهد الاقتصادي.

هذا الاحتكار لا يقتصر على تحديد الأسعار فقط، بل يمتد إلى السيطرة على عمليات الإنزال والتعبئة والنقل، وحتى التصدير، وهو ما جعل الجزيرة البحرية الغنية بالثروة السمكية تتحول إلى سوق مغلقة بيد جهة واحدة.

خيارات معدومة أمام الصيادين

في ظل هذا الواقع، يواجه الصيادون في سقطرى خيارات محدودة وصعبة: إما تسليم صيدهم للشركة بأسعار بائسة لا تعكس القيمة الحقيقية للمنتج، أو الاحتفاظ بالأسماك وتوزيعها مجاناً في المجتمع المحلي لتجنب تلفها بسبب نقص مرافق التخزين والتبريد.

ومع غياب بدائل تسويقية أو دعم حكومي فعّال، تتآكل قدرة الصيادين على الاستمرار في مهنتهم التقليدية التي تشكل مصدر رزق رئيسي لعشرات الأسر في الأرخبيل.

ولا تقتصر تداعيات هذا الوضع على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي والمعيشي، إذ إن تدني الأسعار ينعكس مباشرة على دخل الأسر المحلية، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والهجرة الداخلية نحو مناطق أخرى بحثاً عن مصادر دخل بديلة.

ثروة بحرية رهينة النفوذ الخارجي

تُعد سقطرى من أغنى المناطق اليمنية بالثروات البحرية، خصوصاً أنواع الأسماك النادرة والعالية القيمة مثل الثمد، والجمبري، والعديد من الأنواع المرجانية. هذه الثروات، التي يفترض أن تكون ركيزة للتنمية المحلية وفرص العمل، تحولت عملياً إلى رافد اقتصادي لصالح مستثمر أجنبي واحد، في ظل غياب تام للسلطات اليمنية عن تنظيم السوق أو حماية المنتجين المحليين.

ويرى مراقبون أن ما يحدث في قطاع الأسماك بسقطرى يعكس نموذجاً أوسع من التحكم الخارجي في الموارد المحلية، حيث يتم تحويل الثروة الطبيعية إلى أرباح تُجنى خارج الجزيرة، بينما تظل المجتمعات المحلية رهينة أسعار مفروضة وواقع معيشي متردٍ.

يثير هذا الوضع جملة من التساؤلات حول مستقبل السيادة الاقتصادية في سقطرى، ومدى قدرة الحكومة اليمنية على استعادة تنظيم القطاعات الحيوية في الجزيرة. فاستمرار احتكار «برايم» دون منافسة أو رقابة سيؤدي إلى ترسيخ تبعية اقتصادية طويلة المدى، يصعب تفكيكها مستقبلاً حتى لو تغيرت الظروف السياسية.

ومع تصاعد الشكاوى من الصيادين التي يتتبَّعها بقش، وتزايد الضغوط المعيشية، تتضح الحاجة إلى تدخل حكومي منظم يهدف إلى فتح المجال أمام مستثمرين محليين، وتطوير البنية التحتية السمكية، ووضع آليات تسعير عادلة تضمن حقوق المنتجين وتمنع استغلالهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش