أكبر صندوق سيادي في العالم يُقصي شركة “كات” بسبب دورها في غزة: ضربة مالية وأخلاقية للشركات المتورطة في حرب الإبادة

تقارير | بقش
في خطوة تعكس التحول المتسارع في الرقابة الأخلاقية على الاستثمارات العالمية، أعلن الصندوق السيادي النرويجي – الأكبر في العالم بحجم أصول يتجاوز تريليوني دولار – استبعاد شركة “كاتربيلر” الأمريكية العملاقة لصناعة المعدات الثقيلة من محفظته الاستثمارية، بسبب استخدام إسرائيل لجرافاتها في تدمير منازل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
القرار يجعل “كاتربيلر” أول شركة أمريكية كبرى تُضاف إلى القائمة السوداء، بعدما كان الصندوق قد استبعد خلال الصيف الجاري أكثر من 20 شركة إسرائيلية مرتبطة بشكل مباشر بالاستيطان والحرب في غزة.
وفق بيانات الصندوق التي طالعها مرصد بقش حتى 30 يونيو، كان الصندوق يمتلك نحو 2.1 مليار دولار من أسهم “كاتربيلر”، أي ما يعادل نحو 1.2% من إجمالي أسهم الشركة، ما يجعل التخارج ضربة مالية ومعنوية ثقيلة.
وقال مجلس الأخلاقيات المستقل التابع للصندوق في بيانه: “لا شك في أن منتجات كاتربيلر تُستخدم في ارتكاب انتهاكات منهجية وواسعة النطاق للقانون الإنساني الدولي”.
ورغم أن “نورجس بنك إنفستمنت مانجمنت”، الجهة المديرة للصندوق، لم تُقيّم جميع الجوانب بشكل منفصل، إلا أنها أكدت أن الأدلة كانت كافية لاتخاذ قرار الاستبعاد.
تصاعد الضغوط على الشركات
القرار جاء نتيجة ضغوط متزايدة من حملات حقوقية وأكاديمية طالبت الصندوق بوضع الشركات المتورطة في حرب إسرائيل على غزة ضمن القائمة السوداء. وسبق أن استبعد الصندوق خمسة بنوك إسرائيلية بارزة، بينها بنك لئومي وبنك هبوعليم، بسبب تمويلها لمشاريع استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية.
ويُظهر هذا التوجه أن المؤسسات المالية الكبرى لم تعد تفصل بين العوائد الاقتصادية والاعتبارات الأخلاقية والسياسية، في ظل تزايد المخاوف من التورط في جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
استبعاد “كاتربيلر” يمثل إنذاراً واضحاً لشركات أخرى أمريكية وأوروبية مرتبطة بسلاسل التوريد الإسرائيلية، إذ يُتوقع حسب اطلاع بقش أن تواجه ضغوطاً مشابهة من الصناديق السيادية وصناديق التقاعد حول العالم.
فالصندوق النرويجي الذي يمتلك نحو 1.5% من الأسهم المدرجة عالمياً، يُعتبر مؤشراً مهماً لاتجاهات الاستثمار الأخلاقي. وبذلك، يمكن أن يقود قراره إلى تأثير الدومينو، حيث تتخذ صناديق أخرى قرارات مماثلة، بما يُفاقم عزلة إسرائيل الاقتصادية على المدى المتوسط.
إلى جانب “كاتربيلر”، قالت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير اطلع عليه مرصد بقش، أن الصندوق السيادي النرويجي مدد قائمة الاستبعاد هذا الصيف لتشمل خمسة بنوك إسرائيلية هي: بنك لئومي، بنك هبوعليم، مزراحي طفاحوت، فيبي هولدينغز، وبنك فيرست إنترناشونال أوف إسرائيل، بدعوى تمويل أنشطة تُسهم في توسيع المستوطنات المخالفة للقانون الدولي، ما يجعل التعامل معها “مخاطرة أخلاقية غير مقبولة” وفق مجلس الأخلاقيات التابع للصندوق.
على الصعيد الأكاديمي، قطعت جامعة غينت البلجيكية جميع علاقاتها المؤسسية مع الجامعات ومراكز البحث الإسرائيلية لعدم توافقها مع سياسة حقوق الإنسان الخاصة بها، في سابقة أوروبية بارزة تُوسع أثر المقاطعة من السوق إلى البحث العلمي والشراكات الجامعية.
تجارياً ولوجستياً، شددت تركيا قيودها على التجارة والبحرية مع إسرائيل، من حظر رسو السفن الإسرائيلية إلى منع المرور غير المباشر لبضائعها، ما دفع شركات شحن، بينها “زيم”، إلى إعادة توجيه السفن وتحمّل تكاليف إضافية وتأخيرات زمنية على سلاسل الإمداد.
تداعيات هذه القرارات مرشحة للتضاعف بسبب “أثر الإشارة” الذي تُحدثه النرويج: فالصندوق السيادي هناك يملك في المتوسط نحو 1.5% من الأسهم المدرجة عالمياً، وأي استبعاد يصدر عنه غالباً ما يصبح مرجعاً لصناديق تقاعد ومديري أصول آخرين عند تحديث قوائم المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة.
استثمارياً، تتزامن موجة الاستبعادات مع بيئة تمويل أكثر كلفة لإسرائيل: فقد خفّضت “موديز” التصنيف الائتماني السيادي إلى “Baa1” مع نظرة مستقبلية سلبية حسب متابعة بقش، محذّرة من مخاطر جيوسياسية ومالية ممتدة – وهو ما يرفع علاوة المخاطر ويضغط على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في اقتصاد يعتمد على رأس المال والتقنية. كما يُظهر “تقرير الاستثمار العالمي 2025″ لـ”أونكتاد” أن الهزّات الجيوسياسية تُضعف شهية المستثمرين عالمياً، وهو سياق لا يخدم إسرائيل.
ويتعمّق ضغط المخاطر التشغيلية في إسرائيل مع استمرار الحظر في البحر الأحمر وتحوّل السفن بعيداً عن قناة السويس، ما يضيف أياماً وتكاليف تأمين وشحن أعلى؛ وقد كلّفت التحويلات مصر نحو 7 مليارات دولار من إيرادات القناة في 2024، وأصاب الشلل ميناء إيلات بهبوط نشاطه بنحو 99%، وهي إشارات سلبية للمستثمر الأجنبي الذي يقيس استدامة سلاسل الإمداد قبل ضخ رؤوس أموال جديدة أو دخول شراكات مع شركات أمريكية متورطة في السوق الإسرائيلية.