المحكمة العليا الأمريكية تقترب من حسم قانونية الرسوم التي أربكت العالم.. ماهي الأسهم الأكثر تأثراً؟

الاقتصاد العالمي | بقش
تترقب الأسواق المالية العالمية حكماً مفصلياً من المحكمة العليا الأمريكية بشأن قانونية الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل الماضي، وهي الرسوم التي أحدثت حينها صدمة قوية في أسواق الأسهم والتجارة الدولية، قبل أن تنحسر حدتها تدريجياً مع تراجع سقف التهديدات.
ومنذ فرض تلك الرسوم، شهدت الأسواق الأمريكية تعافياً لافتاً، إذ قفز مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” بنحو 39% وفق تتبُّع مرصد “بقش” مقارنةً بمستوياته المتدنية في أبريل، مسجلاً إغلاقاً قياسياً جديداً، مدعوماً بتراجع جزئي في حدة السياسات الحمائية، وبطفرة غير مسبوقة في الاستثمارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى متانة نسبية في أداء الاقتصاد الأمريكي.
غير أن هذا التعافي القوي لا يلغي حقيقة أن الحكم المرتقب للمحكمة العليا قد يشكل اختباراً جديداً للأسهم التي حققت مكاسب كبيرة خلال الأشهر الماضية، في ظل حساسية الأسواق لأي تحول مفاجئ في البيئة التجارية أو المالية.
ويأتي هذا الترقب وسط حالة عدم يقين قانوني وسياسي، إذ لا يقتصر تأثير الحكم المحتمل على مستقبل الرسوم الجمركية فحسب، بل يمتد إلى توقعات التضخم، أرباح الشركات، ثقة المستهلك، وحتى مسار السياسة النقدية الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
حكم مؤجل وسيناريوهات مفتوحة
تتزايد التوقعات بأن صدور الحكم خلال العام الجاري بات أقل احتمالاً، بعد أن عقدت المحكمة العليا آخر جلساتها العلنية المجدولة هذا العام، مع عدم توقع جلسة جديدة قبل التاسع من يناير المقبل، ما يعكس أن القرار قد يتأخر إلى مطلع العام القادم.
ووفقاً للإجراءات المعتادة، تصدر المحكمة آراءها في القضايا التي استمعت إليها شفوياً بعد فترة من الإعلان العلني عن قرب صدور القرار، وهو ما يعزز حالة الترقب الممتد في الأسواق، ويؤجل الحسم القانوني لملف بالغ الحساسية.
ورغم ذلك، يرى مشاركون في السوق أن لحظة صدور الحكم، متى ما جاءت، ستكون نقطة تحول حادة، سواء باتجاه دعم الأسهم في حال إلغاء الرسوم، أو بالضغط عليها إذا أُقرت شرعيتها واستمر العمل بها.
في حال قضت المحكمة بإلغاء الرسوم الجمركية، يرجّح أن يكون الأثر الأولي إيجابياً على أسواق الأسهم، إذ ستتخلص الشركات من ضريبة لم تتمكن في كثير من الحالات من تمريرها بالكامل إلى المستهلكين، ما شكّل ضغطاً مستمراً على هوامش أرباحها.
كما أن احتمال استرداد الرسوم المدفوعة سابقاً قد يمنح بعض الشركات مكاسب مالية مفاجئة، في وقت تشير فيه تقديرات ديمقراطيين في الكونغرس إلى أن الرسوم كلفت الأسرة الأمريكية المتوسطة نحو 1200 دولار خلال الأشهر العشرة الماضية حسب متابعات بقش، ما يعني أن إلغاءها قد ينعكس مباشرة على قوة الإنفاق الاستهلاكي.
ووفق تقدير أوهسونغ كوون، كبير استراتيجيي الأسهم في “ويلز فارغو أند كو”، فإن الحكم ضد الرسوم قد يرفع أرباح شركات مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” قبل خصم الفوائد والضرائب بنحو 2.4% في عام 2026 مقارنة بمستويات العام الجاري.
القطاعات الأكثر تأثراً.. بين الاستفادة والمكاسب والمخاطر
يُعد القطاع الاستهلاكي من أكثر القطاعات تأثراً بقرار المحكمة، لا سيما شركات الملابس والألعاب التي تعتمد بشكل كبير على الواردات من الصين ودول آسيوية أخرى استُهدفت بأعلى الرسوم الجمركية، وفق تقييمات اطلع عليها بقش من “بلومبيرغ إنتليجنس”.
وتبرز شركات مثل “نايكي” و“ماتيل” في مقدمة المستفيدين المحتملين، إلى جانب شركات أخرى مثل “ديكرز أوتدور”، و“أندر أرمور”، و“كروكس”، و“أميركان إيغل أوتفترز”، التي عانت من تقلبات وعدم يقين بسبب السياسات الجمركية.
كما شهدت أسهم شركات تجهيز المنازل مثل “وايفير” و“ويليامز سونوما” و“آر إتش” تقلبات ملحوظة، في حين لفت محللون إلى احتمال استفادة شركات ترفيه مثل “برونزويك”، و“فونكو”، و“توب غولف كالواي براندز” من أي تحسن في ثقة المستهلكين.
في القطاع الصناعي، تشير تقديرات “ويلز فارغو” إلى أن شركات كبرى مثل “كاتربيلر” و“دير أند كو” قد تكون من بين الأكثر استفادة من استرداد الرسوم، إلى جانب “ستانلي بلاك أند ديكر”، و“فورتيف”، و“لينوكس إنترناشونال”.
كما سجلت أسهم “جنرال موتورز” و“فورد موتور” ارتفاعات خلال جلسات سابقة للمحكمة، مع تنامي توقعات السوق بإلغاء الرسوم، رغم أن القضية لا تمس مباشرة الرسوم المفروضة على قطاع السيارات، إلا أن تحسن إنفاق المستهلكين قد ينعكس إيجاباً على المبيعات.
أما في القطاع المالي، فقد شهدت بنوك كبرى مثل “جيه بي مورغان تشيس” و“غولدمان ساكس”، إلى جانب شركات الملكية الخاصة مثل “بلاكستون”، تقلبات واضحة، وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب التجارية إلى إبطاء النشاط الاقتصادي، في حين يرى محللون أن خفض الرسوم قد يخفف الضغوط التضخمية ويدعم احتمالات خفض أسعار الفائدة.
يُظهر الجدل القانوني حول رسوم ترامب الجمركية أن تأثير السياسة التجارية لا يتوقف عند حدود التجارة الخارجية، بل يمتد بعمق إلى أسواق الأسهم، أرباح الشركات، وثقة المستهلكين، وحتى قرارات السياسة النقدية الأمريكية.
وفي الوقت الذي قد يُنظر فيه إلى إلغاء الرسوم كعامل داعم للأسواق على المدى القصير، فإن بقاء احتمال لجوء البيت الأبيض إلى أدوات قانونية بديلة لإعادة فرض رسوم جديدة يبقي حالة عدم اليقين قائمة، ويحد من قدرة المستثمرين على تسعير المخاطر بدقة.
وعليه، فإن حكم المحكمة العليا، متى ما صدر، لن يكون نهاية القصة، بل محطة مفصلية في مسار أطول من التوتر بين السياسة والاقتصاد، حيث ستظل الأسواق تراقب ليس فقط القرار القضائي، بل أيضاً ما سيليه من خيارات سياسية قد تعيد خلط أوراق التجارة العالمية من جديد.


