الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

“أموال الدولة خارج السيطرة”.. خبيران: بنك عدن “مصيدة نقود” و75% من الإيرادات تتسرب خارجه

الاقتصاد اليمني | بقش

في مؤشر جديد على هشاشة البنية المالية للدولة، شكّك خبراء اقتصاديون في واقعية دعوات الحكومة بإلزام المؤسسات الإيرادية بتوريد عائداتها إلى البنك المركزي في عدن، محذرين من أن غياب الثقة في الجهاز المصرفي الرسمي يحوّل المالية العامة إلى “هدرٍ منظم” يُسهم في تعميق الانهيار النقدي وتسريع وتيرة تدهور العملة المحلية.

الخبير النفطي والاقتصادي د. علي المسبحي قال إن الدعوات الأخيرة لتوريد إيرادات المؤسسات العامة إلى البنك المركزي بعدن ليست جديدة، وغالباً ما تُطرح ثم تختفي دون معالجة جذور المشكلة، مؤكداً أن الحكومة فشلت مراراً في إلزام المؤسسات الإيرادية بذلك.

وأوضح المسبحي، في منشور رصده “بقش”، أن عدد المؤسسات الحكومية التي تمتنع عن التوريد بلغ 147 جهة، مضيفاً أن “محاولات سابقة لإجبارها على التوريد جوبهت برفض واسع من قبل النقابات العمالية، التي تدرك أن توريد الأموال إلى البنك يعني تعقيدات في السحب وربما توقف في صرف الرواتب والمستحقات”.

وأشار إلى أن البنك المركزي يستخدم إيرادات هذه المؤسسات في بنود إنفاق متعددة، منها دعم الكهرباء والقطاعات الخدمية، وهو ما يجعلها عرضة لأزمات سيولة متكررة. ولفت إلى أن الكثير من تلك المؤسسات باتت تفضّل الاحتفاظ بأموالها في حسابات خاصة أو عبر شركات صرافة خارج الإطار الرسمي.

الحمادي: فشل ذريع للبنك المركزي بعدن

وفي تعليق لـ”بقش”، قال الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي إن “ما كشفه المسبحي يعبّر عن فشل ذريع للبنك المركزي بعدن في أداء دوره الأساسي كمركز مالي للدولة”.

وأضاف الحمادي: “إذا كانت معظم المؤسسات العامة تمتنع عن التوريد، فهذا يعني أن البنك فقد الثقة كمؤسسة ضامنة، وتحول من جهة منظمة إلى مجرد وعاء عاجز عن إدارة أموال الدولة. هذا الوضع يضرب جوهر السيادة المالية”.

وأشار إلى أن الانفلات المالي الراهن يُقوّض أدوات الحكومة في كبح انهيار الريال أو وضع سياسة نقدية فاعلة، مؤكداً أن الإصلاح يبدأ من إعادة بناء الثقة بين البنك المركزي والمؤسسات العامة، وتقديم ضمانات صرف وسرعة استجابة حقيقية.

75% من الإيرادات خارج المنظومة الرسمية

وبحسب تقرير سابق نشره “بقش”، فإن أكثر من 75% من إيرادات الدولة لا تُورّد إلى البنك المركزي، ما يمثل هدراً هيكلياً للمالية العامة، ويقوّض قدرة الدولة على التحكم بعجز الموازنة، ويُسرّع من انهيار سعر صرف الريال، الذي سجّل مستويات تاريخية غير مسبوقة خلال النصف الأول من 2025.

وأكد التقرير أن اللامركزية العشوائية في التحصيل والإنفاق فتحت المجال أمام عشرات الجهات الحكومية للعمل خارج مظلة وزارة المالية، ما أضعف فاعلية السياسة النقدية وكرّس واقعاً مالياً موازياً للدولة.

مأرب: أكبر الكيانات المتمردة على البنك

أشار المسبحي إلى أن المؤسسات العامة في محافظة مأرب، وعلى رأسها شركة صافر النفطية، والشركة اليمنية للغاز، وشركة النفط فرع مأرب، تُعد من أكبر الجهات التي ترفض التوريد للبنك المركزي رغم تحقيقها أرباحاً طائلة، معتبراً أن هذه الإيرادات لو أُدرجت ضمن موازنة الدولة، لأسهمت في تخفيض العجز المالي والحد من الاعتماد على أدوات تمويلية تضخمية.

وانتقد الخبيران غياب حلول عملية تُعيد دمج المؤسسات الخارجة عن المنظومة المالية ضمن الإطار الرسمي، في ظل ما وصفاه بـ”انعدام الثقة” في كفاءة وعدالة إدارة البنك المركزي للإيرادات العامة.

وقال الحمادي إن “المركزي في عدن لا يقدم أي ضمانات لصرف الرواتب أو التزامات المؤسسات في الوقت المناسب، بل تحوّل إلى جهاز بيروقراطي متأخر في الاستجابة، عاجز عن مواكبة الاحتياجات الفعلية للمؤسسات”، وهو ما دفع تلك الجهات إلى “الهروب نحو حسابات بديلة خارج النظام البنكي”.

توصيات لإنقاذ المالية العامة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي

في ختام حديثه، شدد “المسبحي” على ضرورة أن تتجه الحكومة نحو معالجات واقعية وعملية للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، من خلال تفعيل أدوات الدولة السيادية، وعلى رأسها قطاعي النفط والغاز، باعتبارهما الركيزة الأساسية لأي خطة تعافٍ اقتصادي في اليمن.

وأشار المسبحي إلى أن استئناف تصدير النفط الخام يجب أن يمثل أولوية قصوى للحكومة، نظراً إلى ما يوفره من موارد مالية مباشرة ترفد الخزينة العامة بالعملة الصعبة، وتخفف الضغط عن السوق المحلية.

كما دعا إلى تشغيل منشأتي بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ومصفاة عدن لتكرير المشتقات النفطية، لما لهما من دور حيوي في دعم الإنتاج المحلي وتقليص فاتورة الاستيراد.

وأكد الخبير الاقتصادي أن تحفيز الشركات النفطية العاملة في البلاد على زيادة الإنتاج، سيسهم في تنشيط العجلة الاقتصادية وخلق بيئة استثمارية مستقرة، شريطة أن ترافق ذلك إصلاحات تشريعية وتسهيلات إدارية وأمنية تضمن تدفق الاستثمارات من جديد.

وفي جانب آخر، شدد المسبحي على أهمية مكافحة الفساد المالي والإداري الذي ينخر مؤسسات الدولة الإيرادية، مشيراً إلى أن غياب الشفافية في إدارة الموارد العامة يكرّس حالة الهدر، ويقوّض فرص بناء موازنة عامة متماسكة.

كما دعا حكومة عدن إلى إطلاق حزمة إصلاحات هيكلية عاجلة تشمل تصحيح العلاقة بين وزارة المالية والبنك المركزي، وإعادة تفعيل أجهزة الرقابة المحاسبية والمالية، بما يعيد للدولة دورها في إدارة الإنفاق العام حسب اطلاع بقش، ويحمي ما تبقى من ركائز السياسة النقدية في البلاد.

وختم بالقول إن استمرار الفوضى المالية وتعدد مراكز الجباية خارج سلطة البنك المركزي سيقود البلاد إلى مزيد من التدهور، ما لم تتخذ قرارات سياسية واقتصادية شجاعة تضع حداً لهذا الانهيار وتستعيد سيطرة الدولة على مواردها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش