
تقارير | بقش
لا تزال المجاعة متفاقمة في قطاع غزة المحاصر مع استمرار عمليات النزوح لمئات الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في مدينة غزة، ووفقاً لأحدث التقارير التي اطلع عليها مرصد “بقش”، شهدت الفترة من 31 أغسطس إلى 10 سبتمبر نزوح نحو 45 ألف شخص من مدينة غزة إلى مناطق مثل المواصي ومخيمات الوسطى، حيث يواجهون اكتظاظاً شديداً ونقصاً في المأوى والمياه والخدمات الصحية.
ويؤكد الفلسطينيون في غزة على صعوبة الوضع الإنساني بقولهم إنه لا يوجد أرض ولا خيام، وإنهم اضطروا للعودة إلى مدينة غزة رغم القصف لأنه لا مكان لديهم. ويواجه الكثيرون خيارات صعبة بين البقاء في مناطق النزوح المكتظة أو العودة إلى المدينة المعرضة للقصف، فيما تظل حركة التنقل بطيئة ومكلفة بسبب نقص البنزين وتدمير المركبات.
ويعاني القطاع من القيود والعقبات الهائلة أمام المساعدات الإنسانية، وتُظهر تقارير الأمم المتحدة الأخيرة أن إسرائيل أعلنت المواصي (تبعد عن مدينة غزة نحو 28 كيلومتراً) “منطقةً إنسانية”، إلا أن الفريق الإنساني للأمم المتحدة رفض هذا الوصف، مشيراً إلى أن الخدمات المتوفرة غير كافية ولا توفر الأمان للوافدين الجدد. وأكدت تيس إنجرام من منظمة اليونيسف أن “المساحة المتاحة ضئيلة جداً، والكثير من العائلات لا تتوافر لها حتى خزانات مياه”.
مفوض وكالة الأونروا فيليب لازاريني أشار إلى أن السبب الرئيس للمجاعة هو القيود الإسرائيلية على المساعدات، حيث تغلق إسرائيل جميع المعابر منذ مارس 2025، مانعة دخول المواد الغذائية والعلاجات والمساعدات الإنسانية، فيما يُسمح أحياناً بدخول كميات محدودة جداً لا تكفي لتلبية احتياجات السكان.
ونتيجة هذه الظروف، سجلت وزارة الصحة في غزة وفيات بسبب سوء التغذية، حيث بلغ عدد الضحايا 420، بينهم 145 طفلاً. ووفقاً لـ”لازاريني”، يشهد القطاع “إبادة جماعية” تشمل القتل والجوع والتدمير والتهجير والاعتقال، مؤكداً أن ما يزيد على 228 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، ومئات آلاف النازحين يعانون من آثار الكارثة الإنسانية.
صعوبة الوصول إلى المأوى والخيام
ارتفعت تكاليف الانتقال والخيام بشكل زاد من معاناة السكان، حيث يقدّر بعض النازحين تكلفة السفر بنحو 600-700 دولار، وسعر الخيمة الجديدة بنحو 1200 دولار، وفق اطلاع بقش.
هذه المبالغ تفوق قدرة معظم العائلات في غزة، التي تعاني بالأساس من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية والغذاء. كما يشير سكان المواصي إلى اكتظاظ شديد في المخيمات، وعدم وجود مساحات كافية لنصب الخيام أو لتأمين حد أدنى من الحياة اليومية.
ويفيد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” بأن سكان غزة محكومون فعلياً “بالاختيار بين المغادرة أو الموت”.
ويطالب بوقف العنف وفتح ممرات آمنة لتدفق المساعدات الإنسانية، مؤكداً على ضرورة اتخاذ قرارات عاجلة لحماية المدنيين، وضمان وصول الغذاء والمياه والخدمات الطبية إلى جميع السكان، خاصة كبار السن والمرضى والأطفال.
إسرائيل هدمت آلاف الأبراج السكنية وهجّرت 350 ألف شخص قسراً في شرق مدينة غزة إلى وسطها وغربها منذ بدء الهجوم البري في أغسطس. وحسب قراءة بقش، بلغ عدد الأبراج والبنايات متعددة الطوابق المدمرة أكثر من 1600 برج وبناية تم تدميرها بشكل كامل، إضافة إلى تدمير جزئي أو بليغ لأكثر من 2000 مبنى آخر، و13 ألف خيمة للنازحين.
ووفقاً لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، كانت هذه الأبراج والعمارات السكنية تضم أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية يقطنها أكثر من 50 ألف نسمة، وكانت الخيام تؤوي أكثر من 52 ألف نازح.
إبحار أسطول الصمود العالمي
بينما يتخاذل العالم العربي والإسلامي عن وضع حد لمأساة قطاع غزة، يُنتظر انطلاق “أسطول الصمود” من تونس لإيصال مساعدات إنسانية ومواد غذائية، بعد تأجيلات بسبب سوء الأحوال الجوية واستبعاد سفن غير جاهزة.
وفقاً لمتابعات بقش، يضم الأسطول نحو 50 سفينة، ويشارك فيه مئات الناشطين من حوالي 47 دولة معظمهم من أوروبا، بينهم سياسيون، برلمانيون، أطباء وفنانون.
مصدر أمني تونسي ذكر في تصريحات صحفية أن السلطات لم تمنع انطلاق الأسطول، وأن الإجراءات كانت لحماية طواقم السفن فقط، فيما أعرب منظمو الأسطول عن أن هدفهم الرئيسي إيصال المساعدات ورفض الحصار المفروض على السكان.
وفي خطوة بارزة نحو كسر الحصار المفروض على القطاع، انطلقت اليوم السبت أولى سفن أسطول الصمود العالمي من ميناء بنزرت شمالي تونس، متجهةً نحو سواحل غزة.
هذا التحرك يأتي بعد سلسلة من التأجيلات بسبب الأحوال الجوية وظروف فنية، حيث كانت السفن قد وصلت سابقاً إلى ميناء بنزرت قادمة من سيدي بوسعيد التونسي، بعد مواجهة تحديات بحرية.
وفي وقت سابق، تعرضت سفينتان على الأقل لهجمات بطائرات مسيرة حارقة دون أضرار بشرية، مما أثار قلقاً دولياً. وقد دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى فتح تحقيق مستقل في هذا الهجوم لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
ورغم هذه التحديات، يبدي المشاركون في الأسطول إصراراً قوياً على الوصول إلى قطاع غزة وكسر الحصار الإسرائيلي، مؤكدين أن هدفهم هو إيصال المساعدات الإنسانية والتعبير عن رفض الحصار.
وبدورها قالت السلطات التونسية إنها لم تعرقل انطلاق الأسطول، مشيرةً إلى أن التأجيلات كانت بسبب ظروف الطقس وصعوبات فنية، وأن السفن الآن جاهزة للإبحار.
ويُنتظر في الوقت الحالي أن تلتقي السفن في المياه الدولية مع قوافل أخرى حسب متابعات بقش.
بالنتيجة، تعكس مأساة غزة أزمات حالية متشابكة، ما بين النزوح القسري، ونقص الغذاء والمأوى، واستمرار القصف والهجمات الإسرائيلية، ورغم جهود الأمم المتحدة، تظل المعاناة واسعة، فيما يظهر التخاذل على المستوى العربي في تقديم دعم فعّال لإنقاذ المدنيين من المجاعة والإبادة، وهو ما يترك غزة تواجه أسوأ أزمة إنسانية في تاريخها الحديث.