الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

أوروبا والصين: مفترق طرق في علاقات تزداد توتراً

الاقتصاد العالمي | بقش

في قمة مشحونة بالتوترات السياسية والتجارية، أعلن قادة الاتحاد الأوروبي أن العلاقات مع الصين بلغت “نقطة مفصلية”، وسط مؤشرات متزايدة على تصاعد الخلافات بين الجانبين بعد فترة وجيزة من التوقعات المتفائلة بتحقيق تقارب.

وفي افتتاح القمة التي عُقدت يوم الخميس في العاصمة الصينية، قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، للرئيس الصيني شي جين بينغ، إن العلاقة بين الجانبين تمر بمرحلة حاسمة. وأضافت في كلمة أُلقيت خلال الجلسة الافتتاحية أن “الاختلالات تعمّقت مع توسّع التعاون”، مشددة على أن إعادة التوازن للعلاقة باتت ضرورة لضمان استمرارية المنفعة المتبادلة.

جاءت هذه التصريحات بينما احتفلت القمة بمرور خمسين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، لكن المناسبة اتخذت منحى أكثر توتراً في ظل ملفات شائكة، من الدعم الصيني لروسيا، إلى الخلافات التجارية المتنامية.

من شراكة واعدة إلى واقع مشحون

تُعد القمة الحالية أول اجتماع مباشر رفيع المستوى بين الصين والاتحاد الأوروبي منذ عام 2023، لكنها كُثّفت ليوم واحد فقط بناءً على طلب بكين، بعد أن رفض الرئيس الصيني زيارة بروكسل لعقد اللقاء.

في المقابل، سافر القادة الأوروبيون إلى بكين عقب مشاركتهم في قمة الاتحاد الأوروبي مع اليابان في طوكيو، وعُقد الاجتماع دون التوصل إلى بيان مشترك وفق اطلاع بقش، في خطوة تُظهر حجم الفجوة بين الطرفين. ومع ذلك، يعتزم الاتحاد الأوروبي إصدار وثيقة تلخيصية تنقل الرسائل الأساسية التي طُرحت في القمة، حسبما نقلته وكالة بلومبيرغ عن مصادر مطلعة.

وبينما استبعد المراقبون التوصل إلى نتائج نوعية، يُنتظر أن يُعلَن عن اتفاق مشترك حول قضايا المناخ، يتضمن التزامات بخفض الانبعاثات وتقديم الخطط البيئية للأمم المتحدة استعداداً لقمة المناخ “كوب 30” المقرر عقدها في البرازيل في وقت لاحق من هذا العام.

انفجار الخلافات من بوابة الاقتصاد والسياسة

الفجوة بين الصين وأوروبا لم تتسع بين عشية وضحاها، لكنها تفاقمت بفعل ملفات متراكمة. ففي أبريل الماضي، أعلنت بكين فرض قيود على تصدير مغناطيسات المعادن النادرة، وهي خطوة أصابت الصناعات الأوروبية الحساسة مثل السيارات والتكنولوجيا بضربة قاسية.

وفي المقابل، صعّدت بروكسل من إجراءاتها العقابية، إذ فرض الاتحاد الأوروبي في آخر حزمة عقوبات ضد روسيا قيوداً على مصرفين صينيين وخمس شركات مقرها الصين، متهمًا إياها بتقديم دعم غير مباشر لموسكو في حربها على أوكرانيا.

وتُعد التجارة المحور الأكثر حساسية في هذه العلاقة، حيث بلغ الفائض التجاري الصيني في تبادل السلع مع الاتحاد الأوروبي 143 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري حسب مراجعات بقش، وهو أعلى فائض يسجل خلال فترة مماثلة.

رداً على ذلك، فرضت بروكسل رسوماً جمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية، متهمة بكين بإغراق السوق الأوروبية بأسعار غير عادلة. من جانبها، فتحت الصين تحقيقات في منتجات أوروبية بينها اللحوم ومنتجات الألبان والمشروبات الروحية.

تحوّل المشهد مع عودة ترامب… والتوتر يعيد صياغة المعادلة

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، عاد النهج التجاري المتشدد إلى الواجهة، وهو ما أعاد خلط الأوراق في العلاقات الدولية. ففي فترة ولايته الأولى، وخاصة في ذروة حربه التجارية مع الصين، حاولت بكين تعزيز علاقتها بالاتحاد الأوروبي كشريك بديل في ظل عدائية واشنطن. أما الآن، وفي ظل إدارة ترامب الثانية، تتجدد المخاوف الأوروبية من تصاعد السياسات الحمائية والتدخلات التجارية في الأسواق العالمية.

وقال ينز إيسكيلوند، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، إن المشهد الحالي لا يوحي بوجود تفاؤل واسع، مشيراً إلى أن الذكرى الخمسين للعلاقات الثنائية “تمثل فرصة لمساءلة جدية: هل لا تزال هذه العلاقة تحقق منافع متبادلة للطرفين؟”.

وأضاف أن أوروبا تشعر بشكل متزايد أن ثمار هذه العلاقة باتت موزعة بشكل غير عادل، ما يعمّق الشعور بالحاجة إلى إعادة تقييم العلاقة من أساسها.

انعكاسات عالمية وسط مشهد جيوسياسي متقلّب

الخلاف الصيني الأوروبي لا ينعزل عن السياق الدولي الأشمل، فمع تصاعد المواجهات الاقتصادية بين القوى الكبرى، بدأت التحالفات التجارية التقليدية في التصدع، مما يُنذر بإعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي.

الولايات المتحدة، من جانبها، تمارس ضغوطًا متزايدة على حلفائها الأوروبيين لتبني موقف أكثر صرامة تجاه الصين، خصوصًا في ملفات مثل التكنولوجيا الفائقة وسلاسل الإمداد الاستراتيجية. وفي المقابل، تحاول بكين استغلال التناقضات الأوروبية الأمريكية لتعزيز موقعها كشريك عالمي بديل.

لكن هذه المناورة تواجه تحديات كبيرة، في ظل تصاعد القلق الأوروبي من ممارسات الصين التجارية والسياسية، وتزايد شعور النخب السياسية الأوروبية بأن العلاقة تحتاج إلى إعادة توازن صارمة وليس فقط بيانات دبلوماسية.

مستقبل غامض بانتظار علاقات ضبابية

بين المواقف الدبلوماسية الحذرة والتوترات التجارية المتصاعدة، يبدو أن العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والصين تتجه نحو مرحلة أكثر برودة، إن لم تكن صدامية. فالاتحاد الأوروبي لم يعد ينظر إلى بكين كشريك استراتيجي موثوق فقط، بل بات يُقيّم المخاطر المرتبطة بها على ضوء التحديات الجيوسياسية المعقدة.

وفي ظل غياب خطة واضحة لإعادة صياغة العلاقة، تبقى القمة الأخيرة بمثابة “جرس إنذار” لما قد تكون عليه العلاقة في المستقبل القريب: شراكة محكومة بالقلق، وتعاون هش، وتنافس مستتر على النفوذ العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش