الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

إثيوبيا تفتتح “سد النهضة” رسمياً.. القارة السمراء مقبلة على توترات غير مسبوقة

الاقتصاد العربي | بقش

بعد 14 عاماً من بدء بنائه، أعلنت إثيوبيا عن افتتاح سد النهضة الأكبر في القارة الأفريقية لتوليد الطاقة الكهرومائية، وهو مشروع من شأنه تزويد ملايين الإثيوبيين بالكهرباء، لكنه يفاقم الخلاف مع كل من مصر والسودان في اتجاه مجرى النهر، مما يزيد من تعقيدات الأوضاع وتوترها في المنطقة.

إثيوبيا، التي تُعد ثاني أكبر دولة في القارة من حيث عدد السكان البالغ 120 مليون نسمة، ركزت على “سد النهضة الإثيوبي الكبير” البالغة تكلفته أكثر من 4 مليارات دولار، والمُقام على أحد روافد نهر النيل، واعتبرته حجر الأساس في طموحاتها لتحقيق التنمية الاقتصادية. وبدأت العمل عليه عام 2011، ويُتوقع أن ترتفع قدرته الإنتاجية من 750 ميغاواط حالياً وفق اطلاع مرصد بقش، وهي التي تولدها التوربينتان العاملتان بالفعل، إلى 5150 ميغاواط عند اكتماله.

وفي أجواء احتفالية بإقليم بني شنقول، حضر عدد من القادة الأفارقة إلى جانب رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الذي شدد على أن السد جاء لإنارة ملايين المنازل ودعم التنمية، وأنه لا يهدف إلى الإضرار بمصر أو السودان، كما دعا إلى استئناف الحوار والتعاون الشامل بين دول الحوض.

غضب مصري وسوداني من “التهديد الوجودي”.. وتصعيد قادم

تخشى مصر أن يؤدي سد النهضة إلى تقليص حصتها من المياه خلال فترات الجفاف، وأن يشجع على بناء سدود أخرى في المنابع، وقد عبرت عن معارضتها الشديدة للمشروع منذ انطلاقه، واعتبرته انتهاكاً للاتفاقيات المائية الموروثة من الحقبة الاستعمارية البريطانية، ويشكّل تهديداً وجودياً لها، إذ إن مصر، التي يبلغ عدد سكانها نحو 108 ملايين نسمة، تعتمد على نهر النيل لتأمين نحو 90% من احتياجاتها من المياه العذبة. ويعني امتلاء بحيرة سد النهضة استقطاع 15 مليار متر مكعب من حصة مصر والسودان سنوياً.

الخارجية المصرية أكدت أن مصر ستواصل متابعة التطورات على النيل الأزرق عن كثب، وستمارس حقها في اتخاذ كل الإجراءات المناسبة للدفاع عن مصالح الشعب المصري وحمايتها. كما أن الخارجية المصرية عندما تلقت دعوة إثيوبية رسمية لحضور حفل افتتاح سد النهضة، وصفت هذه الدعوة بـ”العبث”.

قالت مصر لمجلس الأمن إنها تحتفظ بحق الدفاع عن المصالح الوجودية لشعبها، واصفةً التصرفات الإثيوبية بأنها “خرق جديد” يُضاف إلى قائمة طويلة من الانتهاكات الإثيوبية للقانون الدولي، من وجهة النظر المصرية، وشددت على تمسكها بإعمال القانون الدولي في نهر النيل، وأنها لن تسمح للمساعي الإثيوبية للهيمنة على إدارة الموارد المائية بصورة أحادية.

موقف القاهرة كان قد حظي بدعم من إدارة ترامب خلال ولايته الأولى، حيث وصف الوضع آنذاك بأنّه “خطير”، وحذّر من احتمال أن تقدم القاهرة على “تفجير السد”، لكن إدارته فشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن المشروع، رغم سنوات من المفاوضات التي لم تفضِ إلى أي نتيجة.

وتعاني مصر من أزمة شح مائي وندرة مياه، تفاقمت إثر انتهاء إثيوبيا من عمليات ملء السد النهضة، إذ لا تتجاوز مواردها المائية حالياً 60 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يصل إجمالي الاحتياجات المائية في مصر إلى حوالي 114 مليار متر مكعب سنوياً. وقد حظرت الحكومة المصرية زراعة المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، وفرضت غرامات مالية كبيرة على المزارعين مقابل منح تراخيص استخدام ماكينات رفع المياه، وتحميلهم نسبة 10% من قيمة تكاليف إنشاء شبكات المصارف المغطاة وإحلالها وتجديدها، أو المصارف الحقلية المكشوفة والمساقي المطورة.

السودان أيضاً تنظر بقلق إلى التشغيل الأحادي للسد، خصوصاً فيما يتعلق بفتح البوابات وإدارة منسوب المياه بما قد يؤثر على السدود السودانية ومشاريع الري وإنتاج الكهرباء، وجددت المطالبة باتفاق قانوني ملزم. وانضمت الخرطوم إلى دعوات القاهرة المطالِبة بالتوصل إلى اتفاقات ملزمة قانونياً بشأن ملء وتشغيل السد، غير أنّها قد تستفيد في الوقت نفسه من تحسين إدارة الفيضانات والحصول على طاقة رخيصة.

تنسيق مصري سوداني

وتناقلت وسائل الإعلام تصريح مسؤول سوداني لم تُكشف هويته، بأن أديس أبابا ظلت تسعى لضرب التنسيق بين الخرطوم والقاهرة، وكان آخرها مزاعم عن تسريب وثيقة اتفاق مع السودان بشأن تشغيل السد وقعت في العام 2022.

وبينما تنظر مصر إلى القضية كتهديد وجودي لاعتمادها على نهر النيل في توفير نحو 90% من حاجتها المائية، تهتم السودان بسلامة سدودها (مثل الروصيرص) وتأثر الفيضان والري.

وتشدد مصر والسودان على ارتباط الأمن المائي السوداني والمصري والعمل بشكل مشترك للحفاظ على حقوق واستخدامات البلدين المائية كاملة، وفقاً للنظام القانوني الحاكم لنهر النيل، وطبقاً للقانون الدولي، واتفاقية عام 1959 المُبرمة بين البلدين.

لكن إثيوبيا ترى أن تطوير المشروع هو حق سيادي لها، لذا فقد واصلت المضي قدماً في تنفيذه. ففي عام 2020 بدأت ملء الخزان على مراحل، وشددت أيضاً على أن السد لن يلحق ضرراً كبيراً بدول المصب. ويقول البنك الدولي، في تقرير اطلع عليه بقش في يناير 2025، إن قرابة 60 مليون إثيوبي محرومون من التيار الكهربائي، بسبب نقص الشبكات.

وتُظهر أبحاث مستقلة اطلع عليها بقش أنه لم يتم تسجيل أي اضطرابات كبيرة في تدفق المياه إلى دول المصب، ويعود ذلك جزئياً إلى غزارة الأمطار واعتماد سياسة حذرة في ملء الخزان خلال مواسم الأمطار على مدى خمس سنوات.

وتنطلق رؤية إثيوبيا بشأن أحقيتها في السد، من أنه لابد أن يكون لديها وسيلة لسد شح الكهرباء في الداخل الإثيوبي، وتوليد فائض للتصدير وتحريك الاقتصاد. فهناك إيرادات متوقعة من وراء تشغيل السد تصل إلى مليار دولار سنوياً.

وفي سياق متصل، يُنظر إلى أن العملات المشفرة قد تكون المستفيد الأكبر من كهرباء سد النهضة، فمن المنتظر أن يستحوذ معدّنو العملات المشفرة على نحو 30% من الكهرباء التي يولدها المشروع، بحسب اطلاع بقش على ما نشرته وكالة بلومبيرغ، وتتجه إثيوبيا لبيع الطاقة لمراكز بيانات العملات المشفرة لارتفاع العائد منها مقارنة بتوصيل الكهرباء إلى المنازل.

وتستهدف أديس أبابا تحقيق 290 مليون دولار إيرادات من بيع الكهرباء لشركات تعدين البيانات، تعادل 69% من إجمالي الإيرادات المتوقعة لبيع وتصدير الكهرباء المولدة من السد بقيمة 427 مليون دولار، خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي في يوليو 2026.

هذا ومضى تشغيل السد رغم المسألة تداخلت مع تحالفات إقليمية ودولية، ورفعت حضور الوساطات الدولية والإقليمية (الاتحاد الأفريقي، الولايات المتحدة سابقاً). لكن بعد تشغيل السد بشكل رسمي، يمكن القول إن ما يحدث بين إثيوبيا ومصر والسودان يتجاوز كونه خلافاً فنياً على إدارة مياه نهرٍ عابر للحدود، ليعكس في جوهره معركة حول الحق في الوجود والتنمية والسيادة.

فمصر ترى في النيل شريان حياتها الذي لا بديل له، والسودان يخشى على أمنه المائي وسلامة سدوده، فيما تعتبره إثيوبيا مشروعاً قومياً ورمزاً لنهضتها الحديثة. ورغم سنوات من التفاوض والوساطات، ما يزال غياب الثقة ورفض الالتزامات القانونية حجر العثرة الأكبر أمام الحل، وإما أن يتمكن الأطراف من تحويل السد من مصدر تهديد إلى منبع منفعة مشتركة، أو يتواصل العناد السياسي وتغليب الاعتبارات الداخلية على الحسابات الإقليمية، وهو ما يفتح باباً لتصعيد قادم وبالتالي توتر محتمل غير مسبوق.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش