
في خطوةٍ تهدف إلى استعادة الاستقرار النقدي، أعلن مصرف سورية المركزي رفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار بنسبة 9%، ليصل إلى 12 ألف ليرة للشراء و12.12 ألف ليرة للبيع، مع تحديد هامش تذبذب يومي لا يتجاوز 5%.
يأتي ذلك ضمن حزمة إصلاحات تشمل توحيد نشرة أسعار الصرف الرسمية، لوقف التلاعب في السوق الموازية، بعد أن بلغ سعر الدولار أمس 13.2 ألف ليرة.
سياسة نقدية جديدة بقيادة أول محافظة للمركزي
تُعد هذه الإجراءات الأولى التي تتخذها “ميساء صابرين”، أول امرأة تتولى منصب محافظ المصرف المركزي، والتي باشرت مهامها قبل شهر مع تشكيل الإدارة الحكومية الجديدة وفق متابعات بقش.
وشملت قراراتها تجميد حسابات كيانات مرتبطة بالنظام السابق، وإعادة هيكلة سياسة العملة الأجنبية. وكان المصرف قد رفع سعر الصرف في يناير الماضي إلى 13 ألف ليرة للشراء، لكن التدهور الاقتصادي الحاصل دفعه إلى مراجعة السياسات النقدية.
المصرف المركزي أقر توحيد كافة نشرات الصرف (الرسمية، المصرفية، والجمركية) في نشرة واحدة تحت اسم “النشرة الرسمية”، تُحدِّد أسعاراً موحدة لجميع المعاملات، بما فيها تقييم الواردات.
تهدف الخطوة إلى تقليص الفجوة بين السوق الرسمي والموازي، والتي تسببت في فوضى أسعار مستمرة، خاصة مع تداول ثلاث عملات (الليرة السورية، الدولار، والليرة التركية) في المعاملات اليومية بسوريا.
بوادر تفاؤل حذرة وقلق ينتاب المواطنين
تزامنت الإجراءات مع تخفيف جزئي للعقوبات الدولية، حيث أزالت المملكة المتحدة مصرف سوريا المركزي من قوائم العقوبات مطلع مارس الجاري، بينما سمحت واشنطن بمعاملات محدودة مع مؤسسات الدولة عبر تصريح مؤقت حسب اطلاع بقش. كما علق الاتحاد الأوروبي جزئياً عقوبات على قطاعات الطاقة والبنوك، لكن الحظر الشامل ما يزال قائماً.
ورغم التحسن الرسمي، تشير تقارير محلية إلى أن أسعار السلع الأساسية لم تشهد انخفاضاً ملحوظاً، حيث يستمر تسعير معظم البضائع وفقاً لسوق الصرف الموازي. على سبيل المثال، ارتفع سعر صفيحة الزيت (20 لتراً) من 240 ألف ليرة إلى 265 ألفاً خلال أسبوع وفق مراجعات بقش، مما يطرح تساؤلات عن فاعلية الإجراءات وسط غياب سيولة دولارية كافية.
وشهدت الليرة السورية انهياراً بنسبة 99.7% منذ عام 2011، إذ هبط سعرها من 47 ليرة للدولار قبل الأزمة إلى 13 ألف ليرة حالياً. وتعتمد خطة التعافي على زيادة التحويلات المالية للسوريين بالخارج، التي تُقدَّر بـ1.2 مليار دولار سنوياً، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.
مخاطر التضخم المستورد وتعدد العملات
مع تحسن سعر الصرف الرسمي، قد تواجه البلاد موجة تضخم جديدة بسبب ارتفاع تكلفة الواردات، خاصة أن 70% من السلع في السوق مستوردة، وفقاً لغرفة تجارة دمشق، فيما تُحذر منظمة “الاقتصاديون السوريون” من أن أي زيادة في أسعار الطاقة عالمياً قد تُعيد الليرة إلى الانحدار مجدداً.
وتشهد سوريا تحدياً مشابهاً لتركيا في التعامل مع تعدد العملات. فاستقرار الليرة التركية نسبياً (حول 320 ليرة سورية لليرة التركية) يعتمد على دعم مركزي قوي، لكن الخبراء يحذرون من أن الحل السوري قد يحتاج إلى رفع الفائدة، وهو إجراء ترفضه الحكومة حالياً لأن ذلك سيتسبب في إرهاق المدينين.
ورغم التسهيلات الأوروبية والأمريكية، تبقى إعادة إدماج سوريا في النظام المالي العالمي مرهونة بحل سياسي. فرفع العقوبات الكلي يتطلب اتفاقاً حول الملفات العالقة والخضوع لاشتراطات أمريكية تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل والتخلي عن أي مسار عدائي تجاهها، وفق محللين في مركز “كارنيغي للشرق الأوسط”.
وتُشكل الإصلاحات الجديدة اختباراً لقدرة الإدارة النقدية على استعادة الثقة، وسط شكوك حول جدوى الخطوات دون إصلاحات سياسية موازية، فالتعافي النقدي الحقيقي، كما يرى خبراء، لن يتحقق إلا بوقف الحرب، ورفع العقوبات الشاملة، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.