إدارة ترامب تواجه عاصفة داخلية: أكثر من 10 آلاف موظف فيدرالي مهددون بالتسريح وسط فوضى الإغلاق الحكومي

تقارير | بقش
تتصاعد تداعيات الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة مع دخول أسبوعه الثالث، بعدما كشف مدير مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، راسل فوجت، أن أكثر من 10 آلاف موظف فيدرالي قد يفقدون وظائفهم في الأسابيع المقبلة.
التصريح جاء بعد أيام فقط من تأكيد البيت الأبيض أن عدد المسرّحين لن يتجاوز 4100، ما يعكس حالة التخبط داخل الإدارة الأمريكية وتضارب أرقامها الرسمية.
وقال فوجت، في حديث لبرنامج أُذيع من البيت الأبيض، إن العدد “مرشح للارتفاع بشكل كبير”، مضيفاً أن الإدارة “تتجه نحو إعادة هيكلة جذرية للمؤسسات الفيدرالية”.
لكن النقابات العمالية اتهمت الإدارة باستغلال الإغلاق لتمرير خطة سياسية تهدف إلى تقليص الحكومة الفيدرالية ومعاقبة الموظفين الذين يُنظر إليهم على أنهم مقربون من الحزب الديمقراطي.
القضاء يدخل على الخط: أمر قضائي يجمّد التسريحات مؤقتاً
في تطور لافت، أصدرت القاضية الفيدرالية سوزان إيلستون في سان فرانسيسكو، أمس الأربعاء، أمراً تقييدياً مؤقتاً يمنع إدارة ترامب من تسريح الموظفين حتى إشعار آخر، بعد أن رفعت نقابات اتحادية دعاوى اعتبرت الإجراءات “انتهاكاً صارخاً للقانون الفيدرالي”.
وقالت القاضية خلال جلسة الاستماع: “لا يمكن لأي إدارة أن تتصرف وكأن القوانين لم تعد تنطبق عليها، حتى في ظل الإغلاق”.
واعتبرت أن ما تقوم به إدارة ترامب “تجاوز للصلاحيات وتعسف في السلطة”، مؤكدة أن المحكمة ستراجع قانونية هذه القرارات خلال الأيام المقبلة.
ورغم القرار القضائي، فإن مئات الموظفين تم بالفعل فصلهم أو دفعهم للاستقالة، ما رفع معدل البطالة في العاصمة واشنطن إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقدين، في وقت تحذر فيه النقابات من أن “الفوضى الإدارية قد تتحول إلى أزمة اقتصادية كاملة”.
اتهامات بـ“إساءة استخدام السلطة”
نقابات الموظفين الفيدراليين، وفي مقدمتها “الاتحاد الأمريكي لموظفي الحكومة”، اتهمت الإدارة الأمريكية بتعمد استخدام الإغلاق كوسيلة “للضغط على الكونغرس وإضعاف القطاع العام”.
وقالت النقابات في بيان مشترك إن “الإشعارات التي صدرت للموظفين غير قانونية، وتعتمد على فرضية خاطئة مفادها أن توقف التمويل المؤقت يُلغي التفويض التشريعي للبرامج الحكومية”.
وتُشير مصادر نقابية إلى أن وزارة العدل نفسها تشهد انقساماً حول شرعية التسريحات، بينما يصرّ راسل فوجت على أن “الوقت قد حان لإنهاء عهد البيروقراطية” — وهي عبارة يرى فيها منتقدوه شعاراً أيديولوجياً أكثر من كونها إصلاحاً مالياً.
مواجهة سياسية مفتوحة بين ترامب والديمقراطيين
في الكونغرس، يرفض الديمقراطيون الاستجابة لشروط الرئيس الأمريكي، مطالبين بربط أي اتفاق لإعادة فتح الحكومة بإلغاء تخفيضات الرعاية الصحية وبرنامج “ميديكيد” التي فرضها ترمب ضمن حزمة الإعفاءات الضريبية.
في المقابل، أكد رئيس مجلس النواب مايك جونسون أن الجمهوريين “لن يتفاوضوا قبل أن يعيد الديمقراطيون فتح الحكومة”، في موقف يزيد من احتمالية أن يتحول هذا الإغلاق إلى الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.
أما نائب الرئيس جي دي فانس، فصرّح الأحد بأن الإدارة “قد تتجه إلى تخفيضات أعمق في القوى العاملة الفيدرالية”، معتبراً أن “الإغلاق فرصة لإعادة بناء حكومة أكثر كفاءة وأقل تكلفة”.
لكن مراقبين يرون أن هذه التصريحات تعكس نية واضحة في تحويل الأزمة إلى اختبار سياسي للدستور الأمريكي نفسه، ومحاولة لترسيخ نموذج رئاسي أكثر سلطوية تحت ذريعة الإصلاح الإداري.
خطة ترمب “لمحاربة الدولة العميقة” تدخل مرحلة التنفيذ
يرى معارضو الإدارة أن ما يجري الآن ليس مجرد نتيجة عرضية للإغلاق، بل جزء من خطة منظمة تستلهم مشروع “2025” الجمهوري، الذي يدعو إلى تفكيك البنية البيروقراطية للدولة الفيدرالية وإحلال الولاء السياسي مكان الكفاءة المهنية.
وقالت سكاي بيريمان، المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية إلى الأمام”، إن “الرئيس ترامب يستغل الإغلاق الحكومي لتصفية حسابات سياسية تحت غطاء الإصلاح”، مضيفةً أن “استهداف عشرات آلاف الموظفين الفيدراليين يهدد استقرار الإدارة العامة في البلاد”.
وتحذر مراكز بحثية في واشنطن من أن تنفيذ هذه الخطط قد يؤدي إلى شلل إداري دائم، خصوصاً في الوكالات الحيوية مثل مكتب حماية المستهلك وإدارة الأمن الغذائي والدوائي، حيث تم بالفعل تعليق أنشطة الرقابة اليومية بسبب نقص الكادر البشري.
بين قرارات المحكمة، وضغوط النقابات، وتعنت البيت الأبيض، يبدو أن الإغلاق الحكومي تجاوز كونه أزمة تمويل إلى أزمة ثقة داخل الدولة الأمريكية نفسها.
فبينما يحاول ترامب الظهور بمظهر الرئيس القوي الذي “يقلص الدولة لاستعادة التوازن المالي”، يرى خصومه أنه يقود تجربة خطيرة لإعادة صياغة النظام الإداري على أسس الولاء السياسي.
ووسط غياب مؤشرات على قرب التوصل إلى تسوية، يخشى خبراء أن تتحول هذه الأزمة إلى سابقة دستورية تُغيّر مفهوم الحياد الوظيفي في المؤسسات الفيدرالية الأمريكية، وتفتح الباب أمام إدارة الحكم بمنطق الشركات لا الدولة.
في النهاية، قد لا يكون السؤال الأهم هو “كم موظفاً سيفقد عمله”، بل “أي نوع من الحكومة ستتبقى بعد انتهاء هذه الأزمة؟” — حكومة تُدار بالكفاءة، أم أخرى تُقاد بالولاء.