إسرائيل بصدد المصادقة على أكبر صفقة غاز في تاريخها مع مصر بقيمة 35 مليار دولار

الاقتصاد العربي | بقش
في تطور يعكس حجم التحولات في سوق الطاقة بشرق المتوسط، تتجه الحكومة الإسرائيلية خلال الأسبوعين المقبلين إلى المصادقة على اتفاقية كبرى لتوريد الغاز الطبيعي إلى مصر، وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ صادراتها، بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار وتمتد حتى عام 2040.
الاتفاقية، التي أعلنتها شركة نيوميد إنرجي، أحد الشركاء الرئيسيين في حقل “ليفياثان”، تنص على تصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 22% من إجمالي الحقل وقرابة 13% من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، على مرحلتين تبدأ مطلع 2026 بكمية 20 مليار متر مكعب عبر شركة بلو أوشن إنرجي، وفق اطلاع بقش، ثم الكميات المتبقية بعد اكتمال توسعة الحقل وبناء خطوط أنابيب إضافية عبر معبر نيتسانا.
تعديل جذري للاتفاق السابق ورهانات مصرية على استقرار الإمدادات
تشكل هذه الصفقة نسخة معدّلة وموسعة من اتفاقية 2019 التي وقعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي كانت تنص على توريد 60 مليار متر مكعب فقط. أما اليوم، فقد تضاعف حجم التوريد أكثر من الضعف، بما يعكس طموح تل أبيب في أن تتحول إلى لاعب رئيسي في سوق الغاز الإقليمي والدولي.
تأتي الصفقة في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة لمصر، التي تواجه منذ 2022 أزمة طاقة متفاقمة نتيجة تراجع إنتاجها المحلي بأكثر من 40٪ خلال خمس سنوات، حسب مراجعة بقش بيانات مبادرة JODI. هذا التراجع أجبر القاهرة على خفض صادرات الغاز المسال والاعتماد المتزايد على الواردات لتأمين احتياجات السوق المحلي، خصوصاً في فصل الصيف.
وبحسب محللين، فإن الصفقة الجديدة ستوفر لمصر إمدادات مستقرة لمحطات الكهرباء، كما ستدعم بنيتها التحتية للغاز المسال (LNG) الذي يشكل إحدى الركائز الرئيسة لاقتصادها الطاقي.
توسعة حقل “ليفياثان” لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية
الصفقة تتزامن مع خطة إسرائيلية طموحة لتوسعة حقل ليفياثان، بكلفة تقدَّر بـ 2.4 مليار دولار، بما يرفع طاقته الإنتاجية من 21 إلى 23 مليار متر مكعب سنوياً، ويتيح استمرار الإنتاج حتى 2064. ووفق شركة نيوميد، فإن إسرائيل ستخصص بحلول 2035 نحو 60٪ من إنتاج الحقل للتصدير، بينما يُوجَّه 40٪ فقط للسوق المحلي.
عام 2024 وحده، أنتج الحقل 11 مليار متر مكعب حسب متابعة بقش، ذهب نصفها تقريباً إلى مصر، في حين تقاسمت السوق المحلية الأردنية والبنية الإسرائيلية النصف الآخر.
رغم المكاسب الاقتصادية لمصر، يرى مراقبون أن هذه الصفقة تُرسّخ اعتمادها على الغاز الإسرائيلي، ما يضع القاهرة في موقع هش أمام أي تقلبات سياسية أو أمنية في المنطقة، خاصة بعد أن توقفت صادرات الحقل لفترة وجيزة أثناء الحرب الإيرانية–الإسرائيلية في يونيو الماضي.
أبعاد جيوسياسية أوسع
وفقاً لقراءة بقش، فإن هذه التبعية قد تتحول إلى ورقة ضغط سياسية في ملفات إقليمية أوسع، خصوصاً مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وتعثر مسار التطبيع في المنطقة.
تتجاوز الصفقة البُعد الثنائي بين القاهرة وتل أبيب، إذ تُعزز موقع إسرائيل كمورد محوري للطاقة في شرق المتوسط، بما يمهد الطريق لربط مستقبل عبر مشاريع تصدير نحو أوروبا وآسيا.
ومن شأن ذلك إعادة رسم خريطة النفوذ في سوق الغاز العالمي، في ظل احتدام التنافس بين روسيا، الولايات المتحدة، وقطر على أسواق الطاقة.
رهانات مكلفة على أمن الطاقة
وبالنظر إلى مجمل التطورات، يظهر أن القاهرة قد رهنت أمنها الطاقي باتفاقيات مع إسرائيل وُصفت من قبل خبراء بأنها قصيرة النظر ومكلفة استراتيجياً. فبدلاً من تنويع مصادر الغاز وضمان استقلالية القرار في قطاع الطاقة، باتت مصر معتمدة بشكل متزايد على حقل “ليفياثان” الذي تديره شركات إسرائيلية وأمريكية.
هذا الارتهان لا يقتصر على البعد الاقتصادي فحسب، بل يتجاوز إلى أبعاد سياسية وأمنية حساسة، إذ يمنح تل أبيب ورقة ضغط مباشرة يمكن استخدامها في ملفات إقليمية متشابكة، في ظل حرب الإبادة المستمرة على غزة وتزايد التوترات في المنطقة.
وهذه الاتفاقيات “الاستراتيجية” حسب قراءة بقش قد تتحول إلى عبء ثقيل على القاهرة مستقبلاً، مع تقليص هامش المناورة لديها، وتقييد قدرتها على صياغة سياسة طاقية مستقلة. وفي حال تعرض الحقول الإسرائيلية لأي اضطراب أمني أو سياسي، فإن مصر ستكون الطرف الأكثر عرضة للأزمة، ما يثير تساؤلات حول كلفة هذه “التبعية الطاقية” ونتائجها بعيدة المدى.