
الاقتصاد العربي | بقش
في تطور جديد وافق الكونغرس الأمريكي على إلغاء قانون “قيصر” الذي فرض عقوبات صارمة على سوريا منذ عام 2019، وجاء الإلغاء ضمن تعديل ملحق بقانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) الذي أُقرّ نهائياً، وسط احتفال رسمي وإعلامي في دمشق.
وتضمّن التعديل الذي أقرّه الكونغرس مادة واضحة وصريحة حملت رقم 8369، تنص على إلغاء قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 بالكامل. كما ألزم التعديل الرئيس الأمريكي بتقديم تقارير نصف سنوية لمدة أربع سنوات حول أداء الحكومة السورية في ما يخص مكافحة الإرهاب وإزاحة المقاتلين الأجانب من المناصب العليا.
وحسب اطلاع “بقش” على الصيغة النهائية، فإن الإلغاء غير مشروط، ومحمي داخل موازنة الدفاع ما يجعل إعادة تعطيله أمراً شبه مستحيل، وأزال الآلية التلقائية لإعادة فرض العقوبات، وحوّل الشروط السابقة إلى توصيات غير ملزمة.
المجلس السوري الأمريكي اعتبر الإلغاء انتصاراً كبيراً للشعب والاقتصاد السوري، مؤكداً أن تمرير النص أصبح أمراً حتمياً بعد توافق المجلسين عليه.
حاكم مصرف سوريا المركزي قال إن قانون قيصر أهم وآخر محطة في رفع العقوبات لأنه أثر كثيراً على القدرة على إدارة السياسة النقدية وتوفير السيولة، متوقعاً دمج القطاع المالي السوري في النظام المالي العالمي بموجب إلغاء قيصر.
ومنذ سقوط نظام الأسد في 08 ديسمبر 2024، شرعت الإدارة السورية الجديدة في إقامة علاقات دولية واسعة على رأسها علاقات مع دول الخلجي وواشنطن، وبقيت العقوبات، وعلى رأسها العقوبات المرتبطة بقانون قيصر، العقبة الأكبر أمام جذب الاستثمارات إلى سوريا.
وساهم قانون قيصر في خنق الاقتصاد الاقتصاد السوري عبر تجميد أصول وحظر تجارة موسع ومعاقبة أي كيان يتعامل مع دمشق خلال عهد الأسد.
وقد فُرض القانون بعد مشاهد مؤلمة لصور ضحايا التعذيب التي سرّبها الضابط المنشق “قيصر” (أسامة عثمان)، ما دفع الكونغرس إلى صياغة قانون “صُمّم أصلاً كي ينتهي بإسقاط النظام”.
وبعد سقوط الأسد، رفعت واشنطن وأوروبا معظم العقوبات المباشرة، لكن بقي قانون قيصر مجمّداً، إلى أن وصل إلى مرحلة الإلغاء الكامل.
الرهان السوري على الاقتصاد
ترى حكومة أحمد الشرع في دمشق أن رفع قيصر سيثبت سعر الصرف ويسمح ببدء ربط البنوك السورية بنظام SWIFT، ويرفع التدفقات المالية ويخلق فرص عمل ويزيد الرواتب، ويعيد سوريا إلى الخريطة الاقتصادية الإقليمية.
وقد بدأت وفود أوروبية وغربية وعربية زيارة دمشق بحثاً في المشاريع الاستثمارية، وسط ترقب لتسارع الاستثمارات فور الانتهاء من إلغاء قيصر بشكل نهائي.
ويعكس التركيز الحكومي السوري على رفع عقوبات قيصر، حجم الاختناق النقدي الذي واجهته دمشق، خصوصاً في حركة التحويلات وتأمين العملات الصعبة وقدرة القطاع المصرفي على تمويل التجارة والاستثمار.
ويفتح إلغاء قيصر الباب أمام انتقال سوريا من مرحلة النجاة إلى مرحلة البناء كما تقول التحليلات التي تابعها بقش، فالقانون كان يشكل الحاجز الأكبر أمام المصارف الأجنبية، والعقبة المركزية أمام الشركات الراغبة في دخول السوق السورية، ونقطة صدّ أمام دول عربية كانت تخشى من الرد الأمريكي. ورفع هذا الحاجز يعطي إشارة للمجتمع الدولي بالتحرك نحو الاستثمار في الداخل السوري.
فرصة واختبار
رغم التفاؤل الحاصل، تواجه دمشق تحديات ضخمة مثل البنية التحتية المنهارة والبطالة الهائلة وتهالك العملة الحاصل (التراجع الحاد في القوة الشرائية).
كما أن هناك ضرورة ملحّة لإصلاح النظام المصرفي لكسب ثقة الأسواق.
لكن في المقابل، يرى السوريون أن بلادهم تمتلك سوقاً استثمارية كبيرة وحاجة هائلة لإعادة الإعمار وموقعاً استراتيجياً يعزز فرص الربط الاقتصادي الإقليمي، لذا فإن إلغاء قانون قيصر يمثل نقطة تحول في المسار الاقتصادي والسياسي.
وبينما تستعد دمشق لاستقبال موجة استثمارات عربية وغربية، فإن المرحلة المقبلة ستشكل امتحاناً حقيقياً لقدرة الحكومة السورية على تحويل رفع العقوبات إلى نهوض اقتصادي فعلي يعيد بناء البلاد ويستجيب لتطلعات السوريين بعد سنوات من الحرب والدمار.


