إيكونوميست : الأمريكيون هم من سيتحمل عبء التعريفات الجمركية التي يستخدمها ترامب

الاقتصاد العالمي | بقش
بينما يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملته لتسويق سياساته التجارية بوصفها “استعادة للهيبة الاقتصادية”، تُظهر المؤشرات الميدانية أن المواطن الأمريكي العادي هو من يدفع الثمن الحقيقي لتلك السياسات، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي فُرضت على نطاق واسع خلال السنوات الأخيرة، لتسجّل أعلى مستوياتها منذ قانون “سمووت-هاولي” عام 1930.
وبرغم تعهّد ترامب في خطاباته المتكررة بأن العائدات الجمركية ستعود كأرباح تُستخدم في خفض الضرائب أو تمويل خدمات اجتماعية، إلا أن تحليلاً أعدّته مجلة إيكونوميست البريطانية ونشر هذا الأسبوع، يؤكد أن الواقع مختلف جذرياً: فتكاليف الرسوم تُنقل بصورة مباشرة إلى المستهلك، مما يُسهم في زيادة الأسعار داخل السوق الأمريكية دون أن يُحدث أثراً ملموساً على الصناعات المحلية أو الوظائف كما وعد ترامب.
وبحسب مطالعة بقش، تشير تحليلات مركز “واشنطن للنمو العادل” إلى أن تكاليف الإنتاج في المصانع الأمريكية ارتفعت بنسبة تتراوح بين 2% و4.5% نتيجة الرسوم، ما يُهدد استمرارية العمليات في قطاعات تعتمد على هوامش ربح ضئيلة. وتوقعت المؤسسة أن تؤدي هذه التكاليف إلى تجميد الأجور أو حتى تسريح العمال في بعض القطاعات الصناعية.
في السياق ذاته، أكد تقرير لبنك “جي بي مورغان” أن الرسوم الجمركية أثرت بشكل مباشر على حركة السوق، حيث يتحمّل المستهلكون الأمريكيون نحو ثلث تكاليفها، بينما تتوزع النسبة المتبقية على الشركات الأمريكية والمصدّرين الأجانب. وتبقى النتيجة واحدة: تقليص القوة الشرائية وزيادة الضغوط على ميزانيات الأسر الأمريكية.
شركات عالمية ترفع أسعارها: لا أحد يريد تحمّل الفاتورة
مع غياب آلية عادلة لتوزيع العبء الضريبي، بدأت الشركات الأجنبية في تعديل أسعارها للمستهلك الأمريكي. حيث رفعت شركة “فيراري” الإيطالية أسعار سياراتها، فيما أعلنت شركة “إينيوس” البريطانية نيتها زيادة أسعار سياراتها المخصصة للطرق الوعرة. وبدورها، حذّرت شركة “كانون” اليابانية من زيادات مرتقبة.
أما شركة “أديداس” الألمانية، فقد أكدت أنها ستُحمّل المستهلك الأمريكي نفقات تصنيعية إضافية تقدّر بـ200 مليون دولار، ناتجة عن الرسوم الجمركية الجديدة.
تُعد تداعيات هذه السياسات إحدى أبرز العراقيل أمام خفض أسعار الفائدة، بحسب مراقبين. فرغم تباطؤ معدل التضخم نسبياً في يونيو، لا يزال مجلس الاحتياط الفيدرالي متردداً في اتخاذ خطوات جريئة، بسبب مخاوف من موجات تضخمية مرتبطة بالتعريفات. وتُرجّح التقديرات أن يُرجئ المجلس أي تخفيضات للفائدة حتى سبتمبر، في انتظار وضوح المسار الاقتصادي العام.
صفقات تجارية مثيرة للشكوك: أرقام كبرى بلا ضمانات تنفيذية
ورغم حرص إدارة ترامب على إبراز الاتفاقات التجارية مع اليابان والاتحاد الأوروبي على أنها إنجازات كبرى، فإن جهات رقابية واقتصادية عديدة تشكّك في مصداقية هذه الاتفاقات.
فلا توجد وثائق تنفيذية تُثبت تعهّد اليابان بضخ 550 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، أو التزام أوروبا بـ600 مليار، بحسب تقرير لـ “بلومبيرغ”.
ويذهب بعض المحللين إلى اعتبار هذه الصفقات جزءاً من حملة انتخابية مستمرة تستند إلى الأرقام الضخمة والتصريحات الإعلامية، دون وجود واقعي لها على الأرض، في وقت تعاني فيه كبرى الشركات الأمريكية مثل “تسلا” و”جنرال موتورز” من تباطؤ أرباحها، وسط تصاعد القلق داخل أوساط رجال الأعمال والمستثمرين.
في ضوء المعطيات الاقتصادية المتوفرة، يتّضح أن الرسوم الجمركية التي يواصل ترامب الترويج لها، تُشكّل عبئاً مزدوجاً على الاقتصاد المحلي: من جهة، تُضعف القدرة الشرائية للمواطنين، ومن جهة أخرى تُربك البيئة الاستثمارية وتدفع الشركات العالمية والمحلية إلى إعادة حساباتها. ورغم محاولات الإدارة الأمريكية تصويرها كأداة ردع أو ورقة تفاوض استراتيجية، فإن الأثر الفعلي على الأرض يعكس تصاعد التكاليف وتراجع الثقة في استدامة النمو.
وفيما يراهن ترامب على الخطاب الشعبوي والتعبئة القومية الاقتصادية لتعزيز مواقعه السياسية، يبقى الاقتصاد الأمريكي في حالة ترقب، وسط مخاوف من اتساع الفجوة بين الواقع المالي للمواطنين وسرديات البيت الأبيض.
وإذا استمرت هذه السياسات دون مراجعة، فإنها قد تؤسس لموجة جديدة من التباطؤ الاقتصادي وتُفضي إلى انكماش استهلاكي واسع النطاق، في وقت تُعد فيه الثقة الشعبية عاملاً حاسماً في الاستقرار السياسي والاقتصادي على حد سواء.