
في خطوة أثارت تساؤلات حول شفافية الاحتياطيات الأمريكية، دعا “إيلون ماسك” – عبر منصة إكس (X) – إلى تدقيق احتياطيات الذهب المخزنة في قاعدة “فورت نوكس” العسكرية، التي تعد إحدى أكثر المنشآت سريةً في العالم، والتي تُقدَّر قيمتها السوقية بنحو 425 مليار دولار.
جاءت تصريحات ماسك، التي اطلع عليها بقش، بعد تفاعله مع مستخدم طرح سؤالاً استفزازياً: “هل يمكنك التأكد من وجود 4580 طناً من الذهب حقاً في فورت نوكس؟”.
رد “ماسك” مازحاً: “من المؤكد أن الاحتياطيات تُراجع سنوياً”، لكن تدخل السيناتور الجمهوري “راند بول” – نجل النائب السابق رون بول، المدافع الشهير عن معيار الذهب – حوّل النقاش إلى مطلب رسمي.
وقد كتب السيناتور بول: “فلنفعل ذلك.. نعم للتدقيق”، في إشارة إلى دعمه فتح تحقيق شامل في مخزون الذهب الذي تُديره وزارة الخزانة الأمريكية.
هذه ليست المرة الأولى التي تُطالب فيها أطراف سياسية بمراجعة احتياطيات فورت نوكس، ففي السبعينيات، قاد رون بول حملةً مماثلة، متشككاً في مصداقية الأرقام الرسمية، خاصة بعد إلغاء معيار الذهب عام 1971.
فورت نوكس: حصن الأسرار والذهب

تخزن القاعدة العسكرية في ولاية كنتاكي ما لا يقل عن 147.3 مليون أونصة من الذهب (حوالي نصف الاحتياطي الوطني)، وفقاً لدار السك الأمريكية.
لكن القيمة الدفترية لهذا الذهب – المُقدَّرة بـ42.22 دولاراً للأونصة – تتعارض مع قيمته السوقية الحالية، التي تصل إلى 2900 دولار للأونصة، مما يعني أن القيمة الفعلية تقترب من 425 مليار دولار، بينما تسجله الحكومة بـ6.2 مليار دولار فقط.
المنشأة، التي بُنيت عام 1936 كحصن ضد الكساد الكبير، تحيطها أساطير عن إجراءات أمنية “لا يعرفها سوى قلائل”، وفق الموقع الرسمي للحصن. فجدران الخزائن السميكة، وأنظمة المراقبة المتطورة، والموقع النائي، جعلتها رمزاً للمتانة الاقتصادية الأمريكية، لكن أيضاً لغموضٍ دفع البعض للتشكيك في محتوياتها.
تاريخ من الغموض والزيارات النادرة
خلال 87 عاماً، فُتحت خزائن فورت نوكس للجمهور مرتين فقط، الأولى في عام 1974، بعد شائعات عن اختفاء الذهب، حيث زار وفد من الكونغرس والصحفيين الموقع، وأكدوا وجوده، لكن التفاصيل بقيت سرية.
والزيارة الثانية كانت قبل 8 سنوات في العام 2017 خلال ولاية ترامب الأولى، عندما اطّلع وزير الخزانة آنذاك “ستيف منوشين” على المخزون، دون الإفصاح عن أي تفاصيل.
كما استُخدمت القاعدة خلال الحرب العالمية الثانية لحفظ الوثائق التأسيسية للولايات المتحدة، مثل إعلان الاستقلال، قبل إعادتها إلى واشنطن.
لماذا يشكك البعض في الاحتياطيات؟
تعود جذور الشكوك إلى سياسة الحكومة الأمريكية في تسجيل الذهب بالقيمة الدفترية (42 دولاراً للأونصة) بدلاً من قيمته السوقية، مما يخفي قيمته الحقيقية في الميزانيات الرسمية. كما أن غياب عمليات تدقيق مستقلة منذ عقود يغذي نظريات المؤامرة، خاصة مع تصاعد الحديث عن “إعادة تعزيز الذهب” كغطاء للدولار وسط التضخم العالمي.
ويدعو المؤيدون للتدقيق – مثل ماسك وبول – إلى شفافية تليق بدولة تُدير أكبر احتياطي ذهب رسمي في العالم (8,133 طناً). لكن المعارضين يحذرون من كشف تفاصيل قد تُهدد الأمن الاقتصادي، خاصة أن فورت نوكس ليست مجرد مخزن، بل جزء من استراتيجية أمريكية تاريخية لتعزيز الثقة بالدولار.
في المقابل، يشير محللون إلى أن نيويورك تضم أكبر قبو ذهب في العالم (تحت مبنى الاحتياطي الفيدرالي)، لكنه يخزن ذهباً لـ60 دولة وبنوكاً مركزية، مع عمليات تدقيق منتظمة، مما يطرح سؤالاً: لماذا تتعامل واشنطن بسرية مطلقة مع فورت نوكس؟
هل ينجح ماسك وبول في كسر الحصار؟
رغم الضجة الإعلامية، يبقى الوصول إلى فورت نوكس حلماً صعباً، فالقوانين الأمريكية تمنع أي تدخل خارجي في إدارة الاحتياطيات، إلا أن الدعوة قد تفتح نقاشاً أوسع حول ضرورة تحديث السياسات المالية، في ظل تحوّل الذهب إلى ملاذ آمن خلال الأزمات.