إيلون ماسك يريد تريليون دولار مكافأة من شركة “تسلا”: تفاصيل صدام ناري بين أكبر صندوق سيادي وأغنى رجل في العالم

منوعات | بقش
في مشهد غير مألوف في وول ستريت، أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي، الذي يدير أضخم ثروة حكومية في العالم بقيمة تتجاوز تريليوني دولار، رفضه لخطة تعويض غير مسبوقة تتجه شركة “تسلا” إلى منحها لـ”إيلون ماسك” بقيمة تقارب تريليون دولار.
وهذه ليست مجرد معارضة مالية؛ بل مواجهة مباشرة مع الرجل الذي صار رمزاً لعصر رؤساء التكنولوجيا غير التقليديين الذين يقودون شركاتهم بأسلوب “العبقري الأوحد”.
تأتي الخطوة في لحظة فارقة لتسلا، التي تقف على مفترق طرق استراتيجي بين استمرار مسيرة التوسع والابتكار وبين نقاش عالمي حول حدود السلطة التنفيذية. فبينما تعتقد شريحة من المستثمرين أن ماسك هو عنصر لا يمكن استبداله، يرى آخرون أن ربط مصير شركة بهذا الحجم بشخص واحد هو مخاطرة تُهدد مستقبلها واستقرارها.
قرارات كهذه لا تُبنى على العواطف، خصوصاً عندما تأتي من كيان بحجم الصندوق النرويجي الذي يساهم في تقريباً كل الشركات الكبرى حول العالم. الصندوق رأى أن حجم حزمة التعويض المقترحة هو “خطر على المساهمين وعلى حوكمة الشركة”، وأنه لا ينسجم مع مبادئ الشفافية والتوازن التي تعتمدها المؤسسات المالية الحديثة.
ومع إعلان الصندوق عن موقفه، شهد سهم تسلا انخفاضاً فورياً قبل افتتاح السوق، وهو مؤشر أولي على توتر المستثمرين. لأن في أعماق هذه المعركة، هناك سؤال أكبر يلوح في الأفق: هل انتهى عصر التقديس الأعمى لنجوم وادي السيليكون؟ أم أن ماسك سيخرج منتصراً مرة أخرى ويعيد كتابة قواعد القوة في الشركات العالمية؟
الصندوق النرويجي يقلب الطاولة على ماسك
الصندوق السيادي النرويجي، المعروف بنهجه المحافظ وعدم انجرافه وراء نجومية الأسواق، لم يكتفِ بإبداء تحفظات عامة، بل اتخذ خطوة صريحة: التصويت بـ”لا”. والـ”لا” هنا ليست مجرد صوت، بل رسالة من أكبر مستثمر حكومي في العالم تقول إن زمن المكافآت الفلكية دون قيود ربما بدأ ينتهي.
ركّز الصندوق في بيانه الذي اطلع عليه بقش على ثلاثة مخاطر أساسية: الأول هو التضخم غير المنطقي لقيمة المكافأة مقارنة بالسوابق التاريخية، والثاني هو أنها مكافأة تهدد بتقليص حصة المستثمرين الآخرين نتيجة إصدار أسهم ضخمة، والثالث، وربما الأهم، هو الاعتماد المفرط على “شخص واحد” لقيادة شركة بحجم تسلا، ما يلغي فكرة مؤسساتية الإدارة ويحوّل الشركة إلى “كيان شخصي”.
وبدا أن الاعتراضات ليست فنية فقط، بل مطالبة بإعادة توازن القوة داخل الشركة. فالصندوق يرى أن صناعة السيارات الكهربائية، وهي قطاع حساس ومتقلب، تحتاج لإدارة عقلانية لا تعتمد على رجل واحد مهما بلغت عبقريته.
تحالف عالمي يتحرّك ضد “ظاهرة ماسك”
الرفض النرويجي أعطى دفعة قوية لموجة اعتراض دولية. فقبل أيام فقط، دعت حملة “استعادة تسلا”، وهي تجمع يضم نقابات ومؤسسات رقابية ومستثمرين مؤثرين، المساهمين إلى التصويت ضد الصفقة التي يرون أنها تهدد مصالحهم وتخلق سابقة خطيرة في عالم التعويضات التنفيذية.
كما انضمت أكبر شركتي استشارات تصويتية في العالم ISS وGlass Lewis إلى الجبهة المعارضة، مؤكدةً حسب اطلاع بقش أن منح مكافأة بتريليون دولار لشخص واحد حتى لو كان إيلون ماسك، يمثل خطرًا على مبدأ الحوكمة الرشيدة وقدرة الشركات على اتخاذ القرارات بعيداً عن ضغوط شخصية أو عاطفية.
في الواقع، هذه الحملة ليست فقط عن المال. إنها حركة دولية تهدف لاستعادة مفهوم التوازن داخل الشركات الكبرى ومنع تحوّل الرؤساء التنفيذيين إلى قادة مطلقي الصلاحيات فوق القانون والمؤسسات.
رد ماسك: “بدوني تسلا مجرد شعار فارغ”
كالعادة، لم يسكت إيلون ماسك. بل رد بأسلوبه المعروف، مهاجماً المعارضين ومتهماً إياهم بمحاولة تقويض نجاح الشركة. خلال مكالمة مع محللين وصف ISS وGlass Lewis بأنهما “إرهابيو الشركات”، مؤكداً أنه ليس مجرد مدير بل هو “العقل الذي صنع تسلا”.
وأضاف في منشور سابق على منصته X أن تسلا ستبقى أعظم شركة في العالم طالما هو على رأسها، قائلاً: “لو لم أكن أنا، فلن يكون هناك بديل”. هذه الجملة وحدها تلخص ذهنية رجل يعتقد أن شركته امتداد لشخصيته لا مؤسسة قائمة بحد ذاتها.
وبينما يرى محبوه فيه قائداً خارقاً ورجلاً حوّل أحلام السيارات الكهربائية إلى واقع، يرى خصومه أنه يقود الشركة بمنطق “أنا أو لا أحد”، وهو ما يشكل خطراً على استقرار كيان تجاري بهذا الحجم.
ليست أول مواجهة.. ولكن الأعنف
الخلاف بين الطرفين ليس وليد اللحظة. العام الماضي، كان الصندوق نفسه قد صوت ضد مكافأة قيمتها 56 مليار دولار، قبل أن ينجح ماسك في تمريرها لاحقاً عبر مؤيديه. لكن ما يجري هذه المرة مختلف تماماً، فالقيمة بلغت مستوى لا يمكن تجاهله، والدعم الدولي للرفض أقوى من أي وقت مضى.
كما كشفت الصحافة مؤخراً حسب متابعات بقش رسائل نصية بين ماسك ورئيس الصندوق، تُظهر توتراً شخصياً، حيث قال ماسك له: “عندما لا ترد الجميل، لا تطلب خدمات في المقابل”. رسائل تحمل الكثير من دلالات ego القوة وتأثير العلاقات الشخصية في قرارات بحجم مليارات الدولارات.
ويبدو أن هذه ليست مجرد خلافات عمل، بل حرب باردة بين فلسفتين: عبقرية الفرد مقابل مؤسساتية الحوكمة. ومن سيربح؟ ربما لا يزال الوقت مبكراً للحكم.
المواجهة بين إيلون ماسك والصندوق السيادي النرويجي ليست حدثاً عابراً في سوق الأسهم، إنما نقطة تحول في طريقة فهم قيادة الشركات. فهي معركة حول من يجب أن يمتلك القرار: المؤسسات أم الفرد الاستثنائي؟ هل تعتمد الشركات الحديثة على نظام إداري قوي أم على شخصية كاريزمية خارقة؟
وسواء فاز ماسك بالتصويت أو خسر، فإن هذه الأزمة أطلقت نقاشاً عالمياً لن يتوقف قريباً. عالم المال بدأ يطالب بوضع حدود لسلطة المدراء النجوم، ومساهمون كبار بدأوا يرفضون أن تُدار شركاتهم بأسلوب “القائد الإله”.
الرسالة الأخيرة التي يتركها هذا الصراع واضحة: من الآن فصاعداً، لن يكون الطريق مفروشاً بالورود أمام رؤساء الشركات مهما علا شأنهم. عصر جديد يقترب، شركات التكنولوجيا العملاقة ستحتاج لإقناع العالم بأنها مؤسسات لا إمبراطوريات شخصية. ومن يكتب قواعد هذا العصر؟ قد يكون ماسك نفسه… أو خصومه.


