
في ظلِّ تصاعد حدة الارتباك الناجم عن السياسات الجديدة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأ تجار النفط العالميون في تبني استراتيجياتٍ متحفظة لتجنب المخاطر، عبر تقليل التعرض للمضاربات السعرية، وفقاً لتحليلات مصرف ستاندرد تشارترد وتقرير نشرة “أويل برايس” الصادر أمس الأربعاء.
أشار التقرير الذي اطلع عليه بقش إلى أن الإدارة الحالية تعتمد خطة وصَفها “ستيف بانون”، كبير الاستراتيجيين السابق بالبيت الأبيض، بـ”إغراق المنطقة”، والتي تقوم على إطلاق تصريحات وتدابير متضاربة بوتيرة سريعة، مما يُصعِّب على السوق توقع الاتجاهات أو صياغة ردود فعل منظمة.
هذه الاستراتيجية وفقاً للمحللين أدت إلى عزوف التجار عن المضاربات قصيرة الأجل خوفاً من خسائر مفاجئة، وسط صعوبة تحليل التطورات السياسية وتأثيرها المباشر على أسعار الخام.
وكشف بنك “ستاندرد تشارترد” البريطاني عن انخفاض غير مسبوق في تقلبات أسعار النفط، حيث سجَّلت تقلبات خام برنت السنوية لمدة 30 يوماً مستوى 16.5% فقط بحلول 17 فبراير، مقارنة بمتوسط تاريخي يتراوح بين 35% و45%. وأكد البنك أن هذه النسبة تُعد الأدنى منذ عقد، حيث تقع ضمن 2% فقط من توزيع التقلبات خلال السنوات العشر الماضية.
تحوُّل استراتيجيات التداول: من الأسعار الثابتة إلى الفروق
أضاف التقرير أن العديد من المتداولين بدأوا يتحولون من التركيز على الأسعار الثابتة إلى التداول بناءً على فروق الأسعار (الفرق بين العقود الآجلة والفورية) والفروق الزمنية (الاختلافات بين أسعار العقود ذات تواريخ الاستحقاق المختلفة)، كرد فعل على الجمود السعري وعدم القدرة على التنبؤ باتجاهات السوق.
انعكس هذا الحذر في تراجع المراكز المضاربة بشكل ملحوظ، حيث انخفض مؤشر مراكز إدارة الأموال في النفط الخام –وفقاً لستاندرد تشارترد– إلى أدنى مستوى له منذ بداية العام.
كما لاحظ المحللون تحركات سعرية ضيقة النطاق، حيث ظل سعر خام برنت لشهر الاستحقاق الأقرب يدور حول 75.10 دولار للبرميل خلال 11 من أصل 12 يوماً تداولياً في الأسابيع الأخيرة.
وفي سياق متصل، ساهم توقُّع استئناف الإمدادات النفطية من إقليم كردستان العراق في زيادة الضغوط الهبوطية على الأسعار، مما عزز اتجاه التجار نحو الحياد والحذر.
خبراء: سوق بلا بوصلة
محللو بنك ستاندرد تشارترد البريطاني وصفوا الوضع الحالي بأنه “سوق بلا بوصلة”، حيث يفضل المشاركون البقاء ضمن النطاقات السعرية المألوفة تجنباً للمخاطر.
وأكدوا أن استمرار السياسات المربكة للإدارة الأمريكية قد يطيل أمد الجمود، مع إمكانية تحوُّل مفاجئ في حالة صدور قرارات جيوسياسية أو اقتصادية واضحة.
تُسلط التطورات الأخيرة الضوء على التحديات التي تواجه أسواق الطاقة في ظلِّ البيئات السياسية غير المستقرة، حيث تدفع العوامل الجيوسياسية المتداخلة بالمتداولين إلى اعتماد استراتيجيات دفاعية، قد تؤثر بدورها على سيولة السوق وحركة الأسعار على المدى المتوسط.