تقارير
أخر الأخبار

الأمم المتحدة توسّع قائمتها السوداء: 68 شركة جديدة متورطة في دعم الاحتلال الإسرائيلي

تقارير | بقش

في خطوة تُعدّ من الأوسع منذ إنشاء القاعدة الأممية قبل خمس سنوات، أعلنت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يوم أمس الجمعة، 26 سبتمبر 2025، عن إضافة 68 شركة جديدة إلى قائمتها السوداء الخاصة بالشركات المتورطة في أنشطة داخل المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليرتفع العدد الإجمالي للشركات المدرجة إلى 158 شركة.

القرار يسلّط الضوء على تزايد التركيز الدولي على دور القطاع الخاص في دعم منظومة الاستيطان غير القانونية، ويأتي في سياق تصاعد الغضب الشعبي العالمي من ممارسات الاحتلال خلال الحرب الجارية على غزة منذ أكتوبر 2023، والتي ترافقت مع اتساع حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات من الشركات الداعمة لإسرائيل.

تستند القاعدة القانونية لهذه القائمة إلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رقم 31/36، الصادر في مارس 2016، الذي طالب بإعداد قاعدة بيانات للشركات المنخرطة في أنشطة اقتصادية داخل المستوطنات في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، باعتبار هذه المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي وخرقاً لاتفاقيات جنيف الرابعة وفق اطلاع مرصد بقش.

وفي عام 2020، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان القائمة الأولى التي شملت 112 شركة. ومنذ ذلك الحين، يُفترض أن يتم تحديثها سنوياً، غير أن نقص الموارد المالية والبشرية حال دون ذلك في بعض الأعوام، مما جعل تحديث 2025 من أكبر التحديثات حتى الآن. وقد شمل هذا التحديث التحقق من أوضاع مئات الشركات التي تلقت المفوضية بلاغات بشأنها.

القائمة لا تمثل إجراءً قضائياً، لكنها تشكل أداة توثيق ورقابة دولية مهمة، وتستخدمها منظمات حقوق الإنسان وحركات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) للضغط على الشركات والمؤسسات المالية للانسحاب من أنشطة مرتبطة بالاستيطان، الذي يُعد أحد أبرز عوائق عملية السلام.

الشركات المستهدفة ودلالاتها

القائمة الجديدة الصادرة عن المفوضية السامية ضمت شركات تعمل في مجالات متعددة، أبرزها شركات مواد البناء، الجرافات، الأمن، السياحة، والخدمات اللوجستية، وهي قطاعات حيوية في دعم البنية التحتية للمستوطنات.

ورغم أن الأمم المتحدة لم تنشر بعد تفاصيل جميع الشركات الـ68 الجديدة بشكل علني ومترجم، إلا أن قاعدة البيانات المحدثة بيّنت استمرار وجود شركات عالمية معروفة مثل: إير بي إن بي (Airbnb)، بوكينغ.كوم (Booking.com)، موتورولا سوليوشنز (Motorola Solutions)، تريب أدفايزر (Tripadvisor) وفق قراءة بقش، وفي المقابل، أُزيلت سبع شركات من القائمة، من بينها ألستوم (Alstom) الفرنسية، بعد أن أنهت أنشطتها المرتبطة بالمستوطنات.

أغلبية الشركات المدرجة في القائمة الجديدة إسرائيلية، بينما تتوزع الشركات الأخرى على كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، لوكسمبورغ، هولندا، البرتغال، إسبانيا، بريطانيا، والولايات المتحدة، ما يعكس الطابع الدولي لشبكة المصالح الاقتصادية المرتبطة بالاحتلال.

تعتبر الأمم المتحدة أن الشركات التي تمارس أنشطة في سياق النزاعات المسلحة ملزمة بموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، بعدم المساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان. وقال المفوّض السامي في بيانه إن “على الشركات التي تعمل في سياق الأزمات أن تتحمل مسؤولياتها وألا تساهم أنشطتها في انتهاك حقوق الإنسان”.

هذا المبدأ القانوني يلتقي مع البعد الأخلاقي لحملات المقاطعة العالمية، التي توسعت بشكل ملحوظ خلال العام الماضي مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة. فقد شهدت أوروبا وأمريكا الشمالية تعبئة شعبية غير مسبوقة ضد الشركات التي يُعتقد أنها تدعم الاحتلال أو توفر له غطاءً اقتصادياً. شركات السياحة الإلكترونية والفنادق وشركات البناء تحديداً تواجه ضغوطاً مالية وسمعية متزايدة بسبب علاقتها بالمستوطنات.

الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية؛ إذ أن إدراج الشركات في هذه القائمة يجعلها عرضة لخسائر استثمارية ضخمة، إذ سحبت عدة صناديق سيادية وصناديق تقاعد أوروبية استثماراتها من شركات مدرجة منذ عام 2020، كما تعرضت بعض الشركات إلى حملات قانونية في المحاكم الأوروبية بدعوى انتهاك القانون الدولي.

ربط القرار بالحرب على غزة والدعوات الشعبية

جاء تحديث القائمة هذا العام بينما لا تزال الحرب الإسرائيلية على غزة مستمرة منذ أكتوبر 2023، والتي أدت إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتدمير واسع للبنية التحتية. هذا الواقع جعل من مساءلة الشركات الدولية التي تتربح من الاحتلال جزءاً محورياً من الدعوات الشعبية والحقوقية للمحاسبة.

في عواصم عدة حول العالم، تنظم منذ شهور حملات مقاطعة واسعة تستهدف شركات التكنولوجيا والبناء والسياحة التي تعمل في المستوطنات أو توفر دعماً للجيش الإسرائيلي. وتلقى هذه الحملات دعماً متزايداً من النقابات، الجامعات، وصناديق الاستثمار.

منذ صدور القائمة الأولى عام 2020، واجهت الأمم المتحدة ضغوطاً شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة حسب تتبُّع بقش. فقد وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك القائمة بأنها “استسلام مخزٍ لضغوط منظمات معادية لإسرائيل”، في حين هددت واشنطن بتقليص دعمها للمفوضية السامية.

وفي السنوات التالية، واصلت الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية السعي لتقويض تأثير القائمة، سواء عبر الضغط السياسي أو عبر محاولات قانونية لحماية الشركات الأمريكية من المقاطعة. غير أن توسع الحملات الشعبية العالمية جعل من الصعب تجاهل تداعيات القرارات الأممية، خصوصاً مع تنامي البعد الأخلاقي للقضية الفلسطينية في الرأي العام العالمي.

المقاطعة كأداة ضغط فعالة

منذ بداية حركة المقاطعة BDS قبل نحو عقدين، أثبتت حملات المقاطعة الاقتصادية فاعليتها في الضغط على الاحتلال عبر ضرب شبكاته التجارية والمالية. وقد تبنت حكومات وهيئات محلية في أمريكا اللاتينية وأوروبا قرارات تقيد التعامل مع الشركات العاملة في المستوطنات، فيما سحبت كنائس واتحادات طلابية ومجالس محلية استثماراتها من هذه الشركات.

القرار الأخير من الأمم المتحدة يوفر سنداً قانونياً وأمماً قوياً لهذه التحركات، إذ يتيح للجهات الحكومية والخاصة تبرير انسحابها من شراكات اقتصادية مع الشركات المدرجة، تجنباً للتورط في انتهاكات حقوقية.

مع اتساع نطاق الحرب على غزة، وتزايد توثيق الجرائم الإسرائيلية، تشهد حركة المقاطعة زخماً غير مسبوق. منظمات المجتمع المدني في أوروبا، أمريكا، إفريقيا، وآسيا باتت تنسّق جهودها بشكل أكبر لفضح الشركات المتواطئة، وتوسيع المقاطعة لتشمل ليس فقط السلع والخدمات الإسرائيلية، بل أيضاً الشركات الدولية التي تشارك في ترسيخ الاحتلال.

العديد من هذه الحملات يركز اليوم على شركات السياحة الإلكترونية مثل بوكينغ.كوم وتريب أدفايزر، التي تروج لعروض سياحية في المستوطنات وتُسهم عملياً في دعم الاستيطان اقتصادياً، بالإضافة إلى شركات التكنولوجيا التي توفر أنظمة مراقبة للجيش الإسرائيلي.

مع هذا التحديث الكبير لقائمة الشركات السوداء، تصبح المسؤولية على عاتق الرأي العام العالمي والعربي أكبر من أي وقت مضى. فالمقاطعة الاقتصادية لم تعد مجرد أداة رمزية، بل أصبحت رافعة سياسية واقتصادية حقيقية يمكن أن تسهم في إضعاف منظومة الاحتلال.

توجيه الإنفاق الفردي والجماعي نحو خيارات أخلاقية، ومساءلة الشركات المتورطة في دعم الاحتلال، هو شكل من أشكال الضغط المدني الذي يمكن أن يوازي في تأثيره القرارات السياسية.

كما أن انخراط المؤسسات المالية والجامعات والنقابات في هذه الحملات يعزز من فعاليتها، ويخلق بيئة دولية تدفع الشركات لإعادة النظر في أنشطتها، بما ينسجم مع القانون الدولي وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش