الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الإغلاق الحكومي في أمريكا.. ضربة اقتصادية داخلية وخارجية

الاقتصاد العالمي | بقش

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم الأربعاء في إغلاق حكومي لمعظم المكاتب والعمليات، بعدما حالت الانقسامات الحزبية العميقة دون توصل الكونجرس والبيت الأبيض إلى اتفاق تمويل، مما أشعل فتيل أزمة قد تكون طويلة وشاقة وربما تؤدي إلى فقدان آلاف الوظائف.

ووفق اطلاع مرصد “بقش” على “رويترز”، فإنه لا يوجد مخرج واضح من المأزق، في وقت تحذر فيه الوكالات من أن الإغلاق الحكومي الخامس عشر منذ عام 1981 سيعيق إصدار تقرير الوظائف لشهر سبتمبر 2025 الذي يحظى بمتابعة دقيقة، وسيبطئ حركة السفر الجوي، ويعلق البحث العلمي، ويحجب رواتب القوات الأمريكية، وسيؤدي إلى تعليق عمل 750 ألف موظف اتحادي بتكلفة يومية قدرها 400 مليون دولار.

ويأتي هذا بينما تمضي حملة ترامب لإحداث تغيير جذري في الحكومة الفيدرالية قدماً لتسريح حوالي 300 ألف موظف بحلول ديسمبر 2025، وحذر ترامب الديمقراطيين في الكونجرس من أن إغلاق الحكومة سيسمح لإدارته باتخاذ إجراءات “لا رجعة فيها” تتضمن إنهاء برامج ووظائف مهمة لهم.

الإغلاق الحكومي بدأ بعد ساعات من رفض مجلس الشيوخ إجراء متعلقاً بإنفاق قصير الأجل كان من شأنه أن يبقي عمليات الحكومة مستمرة حتى 21 نوفمبر المقبل، وعارض الديمقراطيون التشريع بسبب رفض الجمهوريين تمديد فترة استحقاقات الرعاية الصحية لملايين الأمريكيين، التي من المقرر أن تنتهي بنهاية هذا العام، بينما يرى الجمهوريون أنه يجب التعامل مع هذه المسألة بشكل منفصل.

ويتعلق خلاف التمويل الحكومي بتخصيص 1.7 تريليون دولار لعمليات الهيئات الحكومية، وهو ما يعادل تقريباً ربع إجمالي ميزانية الحكومة البالغة سبعة تريليونات دولار. ويخصص جزء كبير من المبلغ المتبقي لبرامج الرعاية الصحية والتقاعد ولمدفوعات فوائد الدين المتزايد البالغ 37.5 تريليون دولار وفق متابعة بقش.

وتراجع الدولار اليوم إلى أدنى مستوياته في أسبوع، بنسبة 0.2% مقابل ست عملات رئيسية من بينها اليورو والين.

ضربات الإغلاق

يحذر محللون لـ”رويترز” من أن الإغلاق الحكومي يمكن أن يستمر لفترة أطول من الإغلاقات السابقة المتعلقة بالميزانية، بعدما هدد ترامب ومسؤولو البيت الأبيض بمعاقبة الديمقراطيين بتخفيضات في البرامج الحكومية ورواتب الحكومة.

ووفق قراءة “بقش” فإن الإغلاق الحكومي يمس الخدمات العامة والاقتصاد الأمريكي الأوسع، وكثير من الوكالات الفيدرالية التي تعتمد على تمويل سنوي ستتوقف أو تقلل نشاطها، كما سيؤدي الإغلاق إلى تأخير المعاملات والإجراءات الحكومية، بما في ذلك منح التصاريح، ومراجعة المستندات، والمعاملات التي تعتمد على وكالات فيدرالية.

جينجر تشابمان، عضو الحزب الجمهوري، قالت إن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت في أزمة حقيقية بعد بدء تنفيذ الإغلاق الحكومي رسمياً عقب فشل تمرير مشروع قانون التمويل في مجلس الشيوخ، وأشارت إلى أن الوضع هذه المرة أكثر تعقيداً من أي إغلاق سابق، إذ يسعى ترامب إلى تصعيد الموقف وإطالة أمد الإغلاق إذا لم يتم التوصل إلى تسوية عاجلة بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وأكدت أن القانون الحالي يسمح بتمويل الأنشطة الحكومية حتى نوفمبر فقط، أي لمدة 6 أسابيع، بينما يسعى الديمقراطيون إلى تمرير إنفاق يقدر بتريليون دولار خلال هذه الفترة، وهو ما يرفضه الجمهوريون بشدة، خصوصاً أن جزءاً من هذا الإنفاق يتعلق بملفات خلافية مثل الرعاية الصحية والهجرة.

هذا الموقف يضع ضغوطاً مضاعفة على دافعي الضرائب الأمريكيين الذين يزداد غضبهم من حرمانهم من بعض الخدمات الاجتماعية، وتهدد الخلافات بفقدان أكثر من 200 ألف شخص لوظائفهم في حال استمرار حالة الجمود داخل الكونجرس.

وتشير وكالة “أسوشيتد برس” إلى أن إجازات الموظفين وتسريح العمال المحتملة ستوقف بعض الأنشطة الحكومية، بينما تستمر الوظائف الأخرى، مثل بعثات ناسا الفضائية، وحملة الرئيس ترامب على الهجرة، وبعض أعمال الصحة العامة في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ووزارة الزراعة الأمريكية.

وفي وزارة الأمن الداخلي، سيتوقف نحو 14,000 موظف من أصل العدد الكلي البالغ نحو 271,000، وسيشمل ذلك الإبقاء على الغالبية العظمى من الضباط والموظفين في الجمارك وحماية الحدود، وإنفاذ قوانين الهجرة، وإدارة النقل والأمن، وخدمات المواطنة والهجرة، والوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ.

ووفقاً لرصد “بقش” فإن أبرز المؤسسات المتأثرة بالإغلاق هي مصلحة الضرائب ووزارة الخزانة الأمريكية والكونغرس ووزارة الإسكان والمتاحف والمتنزهات، بينما تظل المحاكم الفيدرالية مفتوحة، وكذلك مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وقد يؤدي الإغلاق إلى استنفاد صندوق الإغاثة من الكوارث الحالي التابع لوكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية، البالغ حوالي 10 مليارات دولار. وحذر رئيس مجلس النواب “مايك جونسون” من أن الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ “لن يتم تمويلها” أثناء الإغلاق.

وسيقلل انسداد تمويل الحكومة الأمريكية من قدرة واشنطن على التواصل والدعم الدبلوماسي الفوري، وقد يربك شركاء استراتيجيين في ملفات أمنية واقتصادية إذا استمر الإغلاق.

16 مليار يورو خسائر لأوروبا

أثار الإغلاق الحكومي الأمريكي قلق الأوساط الأوروبية من أن يلقي بتداعياته السلبية على اقتصاد القارة العجوز، باعتبار الولايات المتحدة المحرك الأبرز للتجارة العالمية وتمثل شرياناً حيوياً للشركات الأوروبية.

ويقدّر اقتصاديون أوروبيون أن إغلاقاً يستمر أسبوعين قد يكلف الاتحاد الأوروبي نحو 4 مليارات يورو من الناتج المحلي الإجمالي حسب اطلاع بقش، فيما قد تتضاعف الخسائر إلى 16 مليار يورو إذا طال الإغلاق ثمانية أسابيع. وهذه الأرقام تكشف حجم الترابط بين الاقتصادين الأمريكي والأوروبي، وأن أي اضطراب في واشنطن يتردد صداه مباشرة عبر الأطلسي.

وقد يبطئ تعطيل القروض الفيدرالية أو التصاريح التجارية حركة الاستيراد والتصدير، ويضع المصدرين الأوروبيين في مأزق، خاصة في قطاعات مثل الماكينات ومكونات السيارات والكيماويات، كما أن تقليص عدد الموظفين في الموانئ والجمارك الأمريكية سيؤدي إلى تأخير وصول البضائع وزيادة تكاليف النقل، مع ما يحمله ذلك من أعباء إضافية على سلاسل التوريد العالمية.

ولا تقتصر التداعيات على التجارة فقط، فغياب الاتفاق في الكونجرس قد يزعزع ثقة المستثمرين في السندات الأمريكية، ما يرفع أسعار الفائدة عالمياً، ويحذر محللون من أن الأزمة تحمل أيضاً أبعاداً جيوسياسية، لأن فشل واشنطن في تمرير الموازنة قد يعرقل قدرتها على تمويل التزاماتها ودعم بعض الحلفاء، ما يزيد من هشاشة المشهد الدولي ويعمق حالة انعدام اليقين لدى المستثمرين.

وتقول الشبكة الأوروبية إن أوروبا تجد نفسها مرة أخرى في مواجهة أزمة مصدرها الآخر من الأطلسي، فيما يبقى مصيرها معلقاً بمدى قدرة السياسيين الأمريكيين على تجاوز الجمود الحالي والحفاظ على صورة الولايات المتحدة كركيزة للاستقرار الاقتصادي العالمي.

بالنتيجة، لا يمثل الإغلاق الحكومي الأمريكي أزمة سياسية فحسب، بل يمتد تأثيره ليشكل عبئاً اقتصادياً واسع النطاق داخلياً وخارجياً، ففي الداخل، يؤدي إلى تعطيل الخدمات العامة وتوقف صرف الرواتب لمئات الآلاف من الموظفين الفدراليين، ما يضعف القدرة الشرائية ويؤثر على الاستهلاك، وهو المحرك الأساسي للاقتصاد الأمريكي. كما يتسبب في إبطاء المشاريع والبنى التحتية، ويضع ضغوطاً على القطاعات المرتبطة بالحكومة مثل الطيران والأمن والصحة.

أما خارجياً، فإن الاضطراب المالي الناتج عن الشلل الحكومي ينعكس على الأسواق العالمية، ويؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي والدولار كسند آمن، وبذلك يظهر الإغلاق كعامل يهدد الاستقرار الاقتصادي ليس فقط للولايات المتحدة، بل للنظام المالي العالمي بأسره.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش