الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الإغلاق الحكومي يضغط على أكبر اقتصاد في العالم… خسائر أسبوعية بـ15 مليار دولار وشلل إداري يتسع

الاقتصاد العالمي | بقش

يحذر مجلس المستشارين الاقتصاديين الأمريكي من أن الإغلاق الحكومي الذي دخلت فيه الولايات المتحدة مؤخراً يهدد بإلحاق أضرار اقتصادية متصاعدة، قد تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار أسبوعياً من الناتج المحلي الإجمالي.

هذه التقديرات لا تشمل فقط التكاليف المباشرة الناتجة عن تعطّل الأجهزة الحكومية، بل تمتد إلى التداعيات غير المباشرة على الاستهلاك والاستثمار وثقة الأسواق، التي عادة ما تتأثر بسرعة عند حدوث مثل هذه الأزمات السياسية.

وبحسب المذكرة التي اطّلعت عليها صحيفة «بوليتيكو»، فإن استمرار الإغلاق لمدة شهر قد يؤدي إلى فقدان 43 ألف وظيفة إضافية وفق قراءة بقش، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي أصلاً من تباطؤ ملحوظ نتيجة السياسات الجمركية المتشددة. كما تشير التقديرات إلى أن الخسائر قد تتفاقم إذا ما طال أمد الأزمة، لتنعكس على قطاعات النقل، والصحة، والتعليم، والخدمات الاجتماعية التي تمس حياة ملايين المواطنين بشكل مباشر.

ووفقاً للمذكرة الصادرة عن البيت الأبيض، والتي استندت إلى تحليلات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي ومصرف «جولدمان ساكس»، فإن هذه الخسائر ستضعف الآفاق الاقتصادية الأمريكية من خلال تباطؤ النمو وارتفاع البطالة وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، في حين سيؤدي استمرار الجمود السياسي في الكونغرس إلى إضعاف قدرة الحكومة على اتخاذ تدابير تصحيحية سريعة.

1.9 مليون موظف في مهب الريح

يُقدَّر عدد الموظفين المدنيين الفيدراليين المتأثرين بالإغلاق بنحو 1.9 مليون موظف، منهم ما يقرب من 80% يقيمون في منطقة واشنطن الكبرى. هؤلاء إما تم تسريحهم مؤقتاً أو يُطلب منهم العمل من دون أجر حتى إشعار آخر، الأمر الذي يؤدي إلى ضغوط مالية مباشرة على الأسر ويحدّ من قدرتها على الإنفاق، وهو ما ينعكس سلباً على النشاط الاقتصادي المحلي في العاصمة والمناطق المحيطة بها.

وفي الإغلاقات السابقة، ارتفعت معدلات الغياب بين موظفي النقل والمطارات إلى ما بين 10% مقارنة بـ3% في الأيام العادية، ما أدى إلى تأخيرات واسعة في حركة الطيران داخل الولايات المتحدة وخارجها، ويتوقع أن يتكرر السيناريو نفسه خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً مع عدم وجود مؤشرات جدية على قرب التوصل إلى اتفاق سياسي.

كما تشير المذكرة إلى أن التأثير لا يتوقف على الموظفين الحكوميين وحدهم، بل يمتد إلى الشركات المتعاقدة مع الحكومة الفيدرالية، التي تواجه بدورها تأخيرات في الدفعات وتعطيلاً للمشاريع، مما قد يؤدي إلى تسريح آلاف العمال الإضافيين في القطاع الخاص المرتبط بالمناقصات الفيدرالية.

الإغلاق الحكومي يهدد بتعطيل برامج أساسية يعتمد عليها ملايين الأمريكيين، مثل برنامج «النساء والرضع والأطفال» الذي يوفر دعماً غذائياً للفئات الأكثر هشاشة، ومن المتوقع أن ينفد تمويله خلال شهر أكتوبر الجاري إذا استمر الإغلاق وفق قراءة بقش. هذه البرامج تشكل شريان حياة حقيقياً لعائلات منخفضة الدخل، وأي انقطاع فيها يفاقم الأعباء المعيشية في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم وأسعار السلع الأساسية.

كما ستتأثر برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية «ميديكير» بخدمات عملاء أقل وسرعة استجابة أبطأ، ما يسبب فترات انتظار طويلة للمستفيدين. في الوقت نفسه، لن تتلقى برامج «هيد ستارت» المخصصة للتعليم المبكر للأطفال المخصصات اللازمة لمواصلة عملها، مما سيؤثر على آلاف المدارس والمراكز المجتمعية.

هذه التأثيرات الاجتماعية تمتد لتشمل النظام التعليمي المحلي، إذ يعتمد العديد من البرامج الفيدرالية على التمويل الحكومي المباشر. أي توقف في هذه التمويلات قد ينعكس سلباً على جودة التعليم والخدمات الأساسية في المجتمعات الأقل حظاً.

استهلاك متراجع وثقة الأسواق على المحك

حسب اطلاع بقش تُقدّر المذكرة أن استمرار الإغلاق لمدة شهر سيؤدي إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي بنحو 30 مليار دولار، نصفها بسبب التأثير المباشر على الأسر التي تعتمد على رواتب الموظفين الفيدراليين، والنصف الآخر نتيجة التأثيرات غير المباشرة التي تطال قطاعات التجزئة والخدمات والنقل. وفي اقتصاد يعتمد على الاستهلاك المحلي كمحرك رئيسي للنمو، فإن هذا التراجع يمثل إشارة إنذار خطيرة.

في فترات الإغلاق السابقة، شهدت الأسواق المالية تذبذبات ملحوظة نتيجة قلق المستثمرين من عدم قدرة الكونغرس على تمرير ميزانيات أو رفع سقف الدين في الوقت المناسب. ويتوقع أن تتكرر هذه المخاوف هذه المرة، لا سيما مع اقتراب موسم العطلات الذي يمثل فترة حساسة للتجار والمستهلكين على حد سواء.

كما أن حالة الجمود السياسي الحالية تأتي في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية، من تباطؤ نمو الوظائف إلى آثار الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، والتي ساهمت في خفض 32 ألف وظيفة في القطاع الخاص خلال سبتمبر الماضي بحسب بيانات شركة «إيه دي بي» للرواتب.

في خضم هذه الأزمة، تبادل الجمهوريون والديمقراطيون الاتهامات حول الجهة المسؤولة عن الإغلاق الحكومي. وأوضح البيت الأبيض في بيان للمتحدث باسمه كوش ديساي أن «العواقب الاقتصادية الحقيقية لإغلاق حكومي مطول تقع بالكامل على عاتق الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، الذين يحتجزون الحكومة الفيدرالية والاقتصاد والبلاد رهينة من أجل منح المهاجرين غير الشرعيين رعاية صحية مجانية»، على حد تعبيره.

وتسعى الإدارة إلى تنسيق خطاب جمهوري موحد، وإلقاء المسؤولية على المعارضة في مجلس الشيوخ، خصوصاً مع اقتراب استحقاقات سياسية مهمة خلال الأشهر المقبلة. وتعتزم إرسال المذكرة الاقتصادية التفصيلية إلى المشرعين الجمهوريين لاستخدامها في معاركهم السياسية والإعلامية المقبلة.

في المقابل، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الناخبين الأمريكيين يلقون باللوم بشكل أكبر على الجمهوريين، رغم اعتقاد كثيرين أن الحزبين يتحملان المسؤولية بدرجات متفاوتة، ما يعكس حالة الانقسام العميقة التي يعيشها المشهد السياسي الأمريكي.

تداعيات أوسع على الاقتصاد الأمريكي

يمثل الإغلاق الحكومي أحد أشكال «الشلل المؤسسي» الذي يؤثر على صورة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية وفقاً لتقارير بقش خلال اليومين الماضيين. فاستمرار الإغلاق لفترات طويلة قد يدفع وكالات التصنيف الائتماني إلى مراجعة نظرتها المستقبلية للاقتصاد الأمريكي، كما حدث في إغلاقات سابقة أدت إلى خفض تصنيف الديون السيادية للمرة الأولى في التاريخ.

كما أن الشركاء التجاريين للولايات المتحدة يتابعون الوضع عن كثب، إذ قد تؤدي حالة عدم اليقين السياسي إلى تباطؤ في المفاوضات التجارية أو تأجيل قرارات استثمارية حيوية، خاصة من قبل الشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ من السوق الأمريكية مركزاً لعملياتها.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الإغلاق يضعف قدرة الحكومة على الاستجابة السريعة للأزمات الداخلية والخارجية، سواء كانت طبيعية مثل الأعاصير، أو أمنية مثل الهجمات السيبرانية. وفي عالم مترابط اقتصادياً، أي خلل في إدارة أكبر اقتصاد عالمي ينعكس سريعاً على الأسواق الدولية.

تكشف هذه الأزمة عن هشاشة التوازن بين السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة. فالإغلاق الحكومي، الذي أصبح مشهداً متكرراً في السنوات الأخيرة، لم يعد مجرد نزاع مالي داخلي، بل تحوّل إلى عامل مؤثر في النمو الاقتصادي والثقة العالمية. وبينما تتبادل الأطراف السياسية الاتهامات، فإن فاتورة الإغلاق يدفعها الاقتصاد الأمريكي بأسره، من الأسر العادية إلى المستثمرين الكبار.

ويبقى السؤال الأهم: إلى متى يمكن لأكبر اقتصاد في العالم أن يتحمل شللاً حكومياً بتكلفة أسبوعية تبلغ 15 مليار دولار، دون أن تنعكس هذه التوترات على مكانته المالية والاقتصادية العالمية؟ الجواب سيتحدد بمدى قدرة الكونغرس والإدارة على تجاوز خلافاتهما بسرعة، قبل أن تتعمق الأزمة أكثر وتصبح كلفتها أكبر بكثير من مجرد تأخير صرف الرواتب أو تعطيل البرامج.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش