
تقارير | بقش
مر الاقتصاد الفلسطيني في غزة والضفة الغربية بواحدة من أعنف الأزمات منذ بدء العدوان الإسرائيلي المستمر قبل عامين، وتُظهر البيانات الأولية تقديرات بخسائر مباشرة تتجاوز 70 مليار دولار في غزة وحدها، إضافة إلى أضرار عميقة في الضفة الغربية.
هذه الخسائر لم تقتصر على المباني والقطاعات الإنتاجية وفق اطلاع بقش، بل امتدت إلى البنية التحتية الحيوية والخدمات العامة والتجارة الداخلية والخارجية، ما أدى إلى شلل شبه كامل في الدورة الاقتصادية لكلا المنطقتين.
في قطاع غزة المدمَّر، تتمثل خسائر البنية التحتية في توقف محطة الكهرباء الوحيدة عن العمل منذ بداية الحرب نتيجة التدمير المباشر لشبكتها، وتقدّر الخسائر المباشرة بنحو 1.4 مليار دولار، بما يشمل تدمير أكثر من 5080 كم من الشبكات و2285 محول توزيع، مع فقدان حوالي 2123 مليار كيلوواط/ساعة من الطاقة.
كما دُمرت بنية المياه والصرف الصحي: 725 بئر ماء و134 مشروعاً للمياه العذبة، مع تلف 700 ألف متر طولي لشبكات المياه ونحو 700 ألف متر طولي لشبكات الصرف الصحي، ودُمرت أو تعطلت 3 ملايين متر طولي من الشوارع والطرق، وتعرض قطاع النقل لخسائر تقدر بـ2.8 مليار دولار.
ودُمّرت في القطاع السكني نحو 268 ألف وحدة سكنية كلياً أو جزئياً، بتقديرات خسائر تصل إلى 28 مليار دولار، وفي الخدمات العامة والبلديات دُمّر 244 مقراً حكومياً و292 منشأة تعليمية ورياضية، بخسائر تقريبية تصل إلى 6 مليارات دولار.
أما الصناعة فتبلغ خسائرها أكثر من 4 مليارات دولار نتيجة تدمير المصانع والمرافق الإنتاجية، وكذلك التجارة والخدمات بلغت خسائرها 4.3 مليارات دولار خسائر، مع تعطّل البنوك وأنظمة الدفع وتأثر سلاسل التموين وفق مراجعة بقش، إضافة إلى خسائر الزراعة البالغة 2.8 مليار دولار نتيجة الدمار الواسع في المزارع والأراضي.
ويشير خبراء اقتصاد إلى أن نحو 90-95% من اقتصاد غزة تضرر بشكل مباشر أو غير مباشر، مع توقف كبير للأنشطة الاقتصادية، وفقدان وظائف واسعة، وهجرة الكفاءات، وتضخم متصاعد، وفقر متزايد.
وقال مكتب الإعلام الحكومي في غزة اليوم الأحد إن نسبة الدمار الذي أحدثه الاحتلال في القطاع بلغت 90% خلال عامين، وأكثر من 80% من مساحة غزة سيطر عليها الاحتلال بالاجتياح والنار والتهجير. وحسب التصريحات التي تابعها بقش ألقى الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على القطاع، وقصف أو دمّر أو أخرج عن الخدمة 38 مستشفى، و268 ألف وحدة سكنية بشكل كلي. وقتل قرابة 76,639 فلسطينياً خلال العامين، مع فقدان 9,500 شخص.
نهب أموال الضرائب الفلسطينية
جمدت إسرائيل أموال المقاصة منذ مايو 2025 أدى إلى توقف رواتب موظفي السلطة جزئياً أو كلياً، مما أضعف القدرة الشرائية وعرقل النشاط الاقتصادي.
وتم تقييد حركة العمال الفلسطينيين من الضفة إلى إسرائيل، فقد كان يعمل نحو 200 ألف عامل يدرّون حوالي 400 مليون دولار سنوياً، أما الآن فوفق قراءات بقش تقلَّص العدد إلى 15-20 ألفاً فقط، أغلبهم في أعمال غير رسمية ومعرضة للخطر. كما فُرض نحو ألف حاجز ومعوقات على الطرق الداخلية، مما أعاق التجارة الداخلية بشكل كبير.
وتضررت تجارة الضفة الغربية مع الأردن بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر، ما أدى إلى زيادة تكاليف النقل وتعطّل سلاسل الإمداد. إضافةً إلى القيود على استيراد وتصدير السلع مع إسرائيل وداخل الضفة أدى إلى ضعف الاقتصاد المحلي وزيادة العجز المالي للسلطة الفلسطينية.
وتوقف تحويل أموال المقاصة أثر مباشرة على ميزانية السلطة، وزاد من عجزها المالي، بما يعرقل تقديم الخدمات الأساسية للسكان، ويؤدي إلى تفاقم البطالة والفقر.
إعادة الإعمار: الممكن نظرياً
يشير الخبراء إلى أن إعادة إعمار الاقتصاد الفلسطيني، خاصة في غزة، ممكنة نظرياً لكنها مرتبطة بشروط سياسية وإنسانية أساسية، هي انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية، وفتح المعابر أمام تدفق السلع والبشر، والتمويل الكافي لإعادة الإعمار، وإدارة موحدة بين غزة والضفة الغربية، ووجود تفاهمات سياسية لما بعد الحرب، مع منح الفلسطينيين حق تقرير المصير، وبدون تحقق هذه الشروط، يظل الاقتصاد الفلسطيني في حالة شلل طويل الأمد.
وبعد عامين من الحرب والدمار، يظهر الاقتصاد الفلسطيني في غزة والضفة الغربية في حالة انهيار شبه كامل، فالتدمير طال مختلف المناحي الحيوية بما في ذلك الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق، كما تضررت آلاف الوحدات السكنية والمنشآت التجارية والإنتاجية، ما أدى إلى فقدان واسع للوظائف وانهيار النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات.
ورغم هذه الخسائر الضخمة، لا يزال التعافي ممكناً نظرياً، لكنه مرهون بتحقيق الشروط الأساسية المذكورة آنفاً، كما يمثل التمويل الدولي عاملاً حاسماً لإعادة إعمار غزة، فالجهات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والدول المانحة يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في توفير الأموال، لكن هذه الأموال يجب أن تُصرف ضمن برامج مراقبة واضحة لضمان الوصول إلى المشاريع الحيوية، وفي حال تحقق التمويل الكافي مع استقرار سياسي نسبي، يمكن أن يبدأ التعافي التدريجي، بدءاً بالقطاعات الأساسية مثل السكن والكهرباء والمياه والتعليم والصحة.