الاقتصاد بدلاً من السياسة.. كيف أصبحت اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل ورقة بيد واشنطن؟

تقارير | بقش
في حين تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية في مجال الطاقة والدبلوماسية الاقتصادية، مع تصاعد الدور الأمريكي في ربط المصالح الاقتصادية بالتوازنات السياسية الإقليمية، تبرز الاتفاقية الضخمة للغاز بين إسرائيل ومصر، بقيمة 35 مليار دولار، بينما تواجه مصر أزمة طاقة حادة تهدد أمنها الطاقوي.
تقارير أمريكية وإسرائيلية اطلع عليها “بقش” أكدت أن واشنطن أصبحت تستخدم الاتفاقيات الاقتصادية، وعلى رأسها صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر، كأداة سياسية لدعم العلاقات الإقليمية، بدلاً من الاعتماد على صيغة “السلام السياسي” التقليدية.
وقال معهد واشنطن في 12 ديسمبر الجاري، إن الهدف الأمريكي هو توظيف التعاون الاقتصادي لتعزيز العلاقات الإقليمية، وضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لتسهيل إتمام الصفقة مع القاهرة، معتبرة الاقتصاد أداة رابطة سياسية بين الدول.
وسائل إعلام أمريكية، مثل موقع “أكسيوس”، نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الغاز أصبح حافزاً سياسياً واقتصادياً، يخلق أرضية لتعزيز “السلام الاقتصادي” عن طريق تعميق المصالح المتبادلة بين الدول وتقليل الاعتماد على الحلول السياسية التقليدية فقط، وقد ربطت واشنطن إتمام الصفقة بشروط أوسع تتعلق بمسارات السلام الاقتصادي الإقليمي.
أهمية الصفقة لمصر وإسرائيل
تبلغ قيمة الغاز الإسرائيلي الذي ستستورده مصر نحو 35 مليار دولار، ويشكل نحو 20% من إجمالي استهلاك مصر قبل التوسعة الأخيرة.
ووفق بيانات راجعها “بقش”، ارتفعت واردات مصر من الغاز المسال إلى حوالي 7.2 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الماضية، مقارنة بـ3.85 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، بزيادة بلغت 87%، حسب وزارة البترول المصرية.
ورغم ضخامة الصفقة، اعتبرت بعض التحليلات مثل وكالة الأنباء اليهودية أن الصفقة “خطة إنقاذ اقتصادي لمصر”، إلا أنها انتقدت الصفقة لعدم تحقيق إسرائيل أهدافها السياسية، مثل سحب القوات المصرية من سيناء، واعتبرتها فشلاً للدبلوماسية الإسرائيلية.
وتوضح التحليلات أن السرعة في تمرير الصفقة تعود إلى الأزمة الطاقوية الحادة في مصر، بعد انهيار حقل غاز “ظهر” المصري بسبب تسرب المياه وسوء الإدارة، ما حوّل مصر من دولة مصدرة محتملة للطاقة إلى مستورد يائس.
كما أن أحد التحديات الرئيسية في الصفقة هو ضمان أن لا تتأثر أسعار الكهرباء الإسرائيلية نتيجة إمدادات الغاز المصرية، وهو ما دفع تل أبيب إلى اشتراط أن يكون الغاز الذي يصلها من الشركات الأمريكية أرخص من الغاز الذي تُصدره لمصر.
وتبرز الصفقة في سياق مبادرة أوسع للولايات المتحدة لإعادة إدماج إسرائيل دبلوماسياً في المنطقة عبر حوافز اقتصادية في مجالات التكنولوجيا والطاقة. وقد اقترح مستشارو ترامب على نتنياهو الاستثمار بخبرات إسرائيل في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والمياه لتعزيز التطبيع مع الدول العربية، وإعادة تفعيل مسار اتفاقيات التطبيع (اتفاقيات إبراهيم).
كما أن القاهرة تبحث عن بدائل لضمان أمنها الطاقوي، من خلال مباحثات مع قطر لاستيراد شحنات الغاز المسال خلال 2026، لتفادي أي تلاعب إسرائيلي في موارد الغاز، وهو ما يعكس حرصها على تقليل الاعتماد على الغاز الإسرائيلي ضمن استراتيجيتها الطاقوية.
وإسرائيل بدورها سعت لاستغلال الصفقة داخلياً لصالح الإسرائيليين، بخفض قيمة الغاز المستورد من الشركات الأمريكية مقارنة بالغاز الموجه لمصر.
وقد وافقت الولايات المتحدة على هذا الترتيب لضمان استمرار الصفقة في إطار ما يُعرف بـ”التطبيع الاقتصادي”، مع الحفاظ على أمن مصر الطاقوي، في معادلة تربط السياسة بالطاقة والتعاون الاقتصادي.
هذا وتعكس صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر تحولاً في أدوات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، من التركيز على السلام السياسي التقليدي إلى اعتماد “السلام الاقتصادي” كوسيلة لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
ويتم تقديم الصفقة على أنها تمثل فرصة لإنقاذ الاقتصاد المصري من أزمته الطاقوية، لكنها أيضاً تكشف عن حدود النفوذ الإسرائيلي الداخلي، وضرورة الموازنة بين مصالح الدول المصدرة والمستوردة للطاقة. وفي الوقت نفسه، تظل الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي الذي يوظف الغاز كأداة سياسية واقتصادية لتوسيع نفوذها الإقليمي وتعميق روابط التعاون بين إسرائيل والدول العربية.


