الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

الانقسام النقدي يواصل محاصرة الاقتصاد اليمني… ما أحدث التعميمات وما آثارها؟

الاقتصاد المحلي | بقش

يتصاعد الانقسام النقدي والمالي بين مناطق حكومتي صنعاء وعدن، وهو ما يجعل المواطنين في مختلف المناطق يتحملون تبعات هذا الانقسام ووجود بنكين مركزيين ونظامين مصرفيين متوازيين، وبصورة فاقمت من صعوبات البيئة التجارية.

وقد بدأت ملامح الانقسام المالي تتضح منذ عام 2016، حين تم نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، فمنذ سبتمبر من ذلك العام تعددت السياسات النقدية وتباينت بين المؤسستين النقديتين، حيث منعت صنعاء تداول الطبعات الجديدة من العملة المحلية التي أصدرتها عدن دون غطاء من النقد الأجنبي، ما أدى إلى إيجاد سوقين نقديتين وعملتين محليتين عملياً.

واضطربت حركة التجارة الداخلية مع وجود سعرين مختلفين للعملة، مما عقّد تسوية المعاملات التجارية بين المناطق، في حين يلجأ تجار إلى السوق السوداء للتحويل، مما يرفع التكلفة ويزيد من المخاطر وفقاً لمتحدثين اقتصاديين لـ”بقش”. ويأتي ذلك في الوقت الذي يدفع فيه التجار في عدن تكاليف مضاعفة عند شراء الدولار للاستيراد، بينما يستقر سعر الدولار بصنعاء عند مستوى 535 ريالاً تقريباً للدولار الواحد، وهو ما يخلق فجوة بين الأسواق.

منع توفير العملة الأجنبية عبر عدن

وفي أحدث القرارات المرتبطة، أصدر بنك صنعاء المركزي تعميماً على البنوك وشركات الصرافة بمنع تقديم أي طلب إلى أي جهة أو كيان في مناطق حكومة عدن نيابةً عن أي مستورد للحصول على موافقة بمصارفة وتحويل قيمة أي سلع واردة إلى مناطق حكومة صنعاء، وفي حال مخالفة ذلك سيتم اتخاذ إجراءات قانونية تجاه البنك/الشركة المخالفة.

ويشير المحلل الاقتصادي أحمد الحمادي إلى أن هذا التعميم يحظر على البنوك وشركات الصرافة التقدم بطلبات نيابةً عن المستوردين إلى بنك عدن المركزي أو أي جهة مالية بعدن للحصول على موافقة لمصارفة العملة الأجنبية وتحويل قيمة السلع.

ويوضح أن التجار والمستوردين بصنعاء الذين كانوا يرسلون ملفاتهم عبر بنك أو صراف بصنعاء إلى عدن للحصول على الدولار بغرض الاستيراد لم يعد مسموحاً الآن، مشيراً إلى أن ذلك يجعل السوق في حالة ترقب لخطوات وإجراءات لاحقة من قِبل بنك صنعاء المركزي، وسيكون للإجراءات المتخذة من قبل بنك صنعاء المركزي أهمية للحد من اللجوء إلى السوق السوداء ووسطاء وسماسرة بدلاً من البنوك والقنوات الرسمية.

ويرى أن منع التعامل المالي يزيد من تشديد الانقسام النقدي والمالي، إذ لم يعد هناك قناة رسمية للتنسيق في عمليات الاستيراد أو الحصول على العملة الأجنبية، ما يعني أن المناطق باتت تعمل بنظام نقدي يكاد يكون منفصلاً بشكل كامل تقريباً.

كما يعتقد أن من شأن التعميم الصادر عن بنك صنعاء المركزي أن يُفقد عدن جزءاً من التدفقات المالية التي كانت تمر عبرها، حيث كانت تستفيد مناطق حكومة عدن من رسوم ومصاريف الموافقات والتحويلات القادمة من مستوردي صنعاء، وفقاً للحمادي.

وبشكل عام، يمنع التعميم التعامل الرسمي مع مناطق حكومة عدن بخصوص توفير العملة الأجنبية للاستيراد، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الأعباء التجارية ستزداد، أم أن لدى حكومة صنعاء إجراءات قادمة تسهل العمليات التجارية.

91 طلباً للمصارفة بـ39.6 مليون دولار

التعميم جاء بالتزامن مع إعلان لجنة تنظيم وتمويل الاستيراد، التي يرأسها محافظ بنك عدن المركزي أحمد غالب، بخصوص استقبال طلبات المصارفة والتغطية الخارجية للواردات السلعية.

وأعلنت اللجنة وفق متابعات بقش، أن الطلبات المقدمة والموافق عليها من قبل اللجنة خلال الفترة (10 – 14 أغسطس 2025) بلغت 91 طلباً، بإجمالي مبلغ يعادل (39,686,578) دولاراً. وبلغ عدد الجهات المشاركة في تقديم الطلبات 15 بنكاً و3 شركات صرافة.

وبنفس الوقت اعتبر اقتصاديون أن ضبط الاستيراد ليس هو التحدي الأكبر فقط، بل الحفاظ على توازن السوق. ويشير الاقتصادي وحيد الفودعي إلى أن أكبر تحدٍ أمام اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الاستيراد هو أن تتحول من نص على ورق إلى سلطة فعلية قادرة على فرض قراراتها على كبار المستوردين والصرافين، فالتاريخ مليء بلجان وُلدت قوية في الإعلام ثم تلاشت أمام نفوذ المصالح، حد تعبيره.

ويعتبر أن توحيد قنوات تمويل الواردات يعني الصدام مع المصالح القائمة، وإذا لم تحظ اللجنة بدعم سياسي وأمني كامل وتنسيق عال مع كافة الجهات، فإن كل خطوة إصلاحية ستكون مهددة بالانهيار.

وفي سياق احتواء الأزمة النقدية التي يواجهها بنك عدن المركزي، حظر البنك على شركات ومنشآت الصرافة قبول أو الاحتفاظ بأي أموال تخص المؤسسات الحكومية والوحدات العامة، وألزمها بنقل وإيداع أي مبالغ تخص الجهات الحكومية في حسابات طرف البنك المركزي، وتزويد البنك بالبيانات التفصيلية الخاصة بها خلال ثلاثة أيام اعتباراً من اليوم الأحد 17 أغسطس، وفق التعميم الذي حصل بقش على نسخة منه.

دعوات لتوحيد السياسة النقدية

وباتت مسألة توحيد السياسة النقدية أبرز المطالب والعناوين العريضة التي يتحدث عنها الاقتصاديون، وكذلك الأمم المتحدة، عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، إذ أكد المبعوث في إحاطات سابقة لمجلس الأمن الدولي على أهمية توحيد السياسة النقدية والمالية والبنك المركزي اليمني كضرورة ملحة.

ويرى اقتصاديون أن معالجة الانقسام النقدي تتطلب توحيد السياسة النقدية عبر إعادة هيكلة البنك المركزي وإدارته بشكل مشترك أو محايد.

وبات الانقسام النقدي أحد أخطر أسباب الانهيار الاقتصادي والمعيشي، ولم يعد مجرد خلاف إداري بين مؤسستين نقديتين، إذ تحول إلى أزمة هددت لقمة عيش ملايين اليمنيين، في الوقت الذي يدفع فيه المواطن الثمن وسط غلاء المعيشة وتدهور الخدمات وانزلاق الأوضاع الاقتصادية أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش