أخبار الشحن
أخر الأخبار

البحر_الأحمر بعد الهدنة.. لماذا لن تعود الملاحة العالمية إلى مسارها الطبيعي قريباً؟

أخبار الشحن | بقش

رغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإن شركات الشحن العالمية لا تخطط للعودة السريعة إلى الممر البحري الأكثر أهمية وحساسية في العالم، البحر الأحمر.

فالهجمات التي شنّتها قوات صنعاء على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل طوال العامين الماضيين غيّرت خريطة النقل البحري العالمي بعمق، وأجبرت التحالفات الكبرى على إعادة رسم خطوطها بعيداً عن قناة السويس، واليوم، حتى مع الهدوء النسبي في المنطقة، فإن العودة إلى الوضع السابق تبدو بعيدة المنال.

يقول خبراء الملاحة البحرية إن وقف الحرب في غزة لا يعني انتهاء المخاطر في البحر الأحمر. فبحسب محللين في قطاع النقل البحري نقلت عنهم شبكة CNBC وفق اطلاع مرصد “بقش”، يربط الحوثيون عملياتهم بالملف الفلسطيني، وقد أعلن قائد حركة الحوثيين صراحة أن سيواصلون مراقبة الأوضاع في غزة وبناءً على ذلك سيتقرر مصير الوضع في البحر الأحمر.

هذا الموقف يضع شركات الشحن أمام معضلة حقيقية: فحتى في ظل توقف القتال في غزة، فإن التهديدات الصاروخية والمسيّرات ما تزال قائمة على طول الممر الممتد من مضيق باب المندب حتى قناة السويس، نتيجة توتر أوضاع ما بعد الحرب.

بدوره، يقول آلان مورفي، الرئيس التنفيذي لشركة “سي إنتليجنس” (Sea Intelligence)، إن “المشهد لا يزال في بدايته، ولا يمكن لأي شركة أن تخاطر بطواقمها أو ببضائعها في منطقة مفتوحة على كل الاحتمالات”.

معضلة جيوسياسية معقدة

توضح الشركات الكبرى في قطاع الشحن البحري أن اتخاذ قرار العودة إلى البحر الأحمر ليس مسألة تقنية أو تجارية فحسب، بل سياسية وأمنية بالدرجة الأولى.

فالممر يمر في منطقة مليئة بالتوترات، وتخضع لتداخلات عسكرية معقدة تشمل اليمن وإسرائيل والولايات المتحدة. لذلك، يرى المراقبون أن شركات الملاحة لن تعود إلا في حال توفرت ضمانات قوية جداً بعدم تجدد الهجمات، مع تعزيز الوجود العسكري الغربي في المنطقة.

يقول مورفي: “قطع اللغز الجيوسياسي لم تكتمل بعد، وما زالت خطوط الشحن تنتظر التزامات حازمة من الحوثيين ومن القوى الكبرى قبل أن تعود إلى المسار القديم”. ويشير محللون إلى أن حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سياسي شامل، فإن الثقة المفقودة لن تُستعاد بين يوم وليلة، نظراً لحجم الخسائر التي تكبدتها الشركات، سواء في السفن المستهدفة أو في تكاليف التأمين والنقل البديل حول أفريقيا.

الانتقال من طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا إلى قناة السويس ليس قراراً لحظياً. فكل مسار شحن يتضمن أسطولاً من السفن العاملة بنظام دورات زمنية دقيقة. ويوضح مورفي أن “إعادة مسار أسبوعي واحد فقط يتطلب 14 سفينة في دورة تستغرق 98 يوماً، أي أن إعادة هيكلة شبكة واحدة قد تمتد لأشهر عدة”.

كما أن أي عودة سريعة قد تؤدي إلى ازدحام كبير في الموانئ الأوروبية والآسيوية، إذ ستصل السفن من المسارين (الأفريقي والبحر الأحمر) في توقيت متقارب، مما يشكل ضغطاً هائلاً على الموانئ وسلاسل التوريد.

ويرى خبراء أن هذا الازدحام قد يستمر من شهرين إلى ستة أشهر في أسوأ السيناريوهات، مؤدياً إلى تباطؤ عمليات التفريغ، وتأخير الشحنات، وخلق نقص مصطنع في السفن المتاحة للرحلات الجديدة.

الأسعار تحت ضغط التقلّبات

من المتوقع أن تؤدي العودة التدريجية إلى قناة السويس إلى اضطراب في أسعار النقل البحري العالمية حسب قراءة بقش، إذ إن اختلال التوازن بين العرض والطلب في الأسابيع الأولى سيقود إلى ارتفاع كبير في الأسعار الفورية.

التجارب السابقة تشير إلى أن الأسعار قد ترتفع مؤقتاً بمقدار 3 إلى 5 أضعاف مقارنة بالمعدلات طويلة الأجل، قبل أن تعود إلى الانخفاض مع استقرار حركة السفن.

لكن على المدى الطويل، ومع اكتمال عودة الأساطيل إلى مسار البحر الأحمر، سيؤدي توافر عدد ضخم من السفن – تمت إضافتها سابقاً لتغطية المسافات الطويلة حول أفريقيا – إلى فائض في الطاقة التشغيلية.

ويحذّر مورفي من أن هذا الفائض “قد يدفع أسعار الشحن إلى مستويات متدنية تشبه ما قبل أزمة 2023، وربما أقل، مع وفرة السفن مقارنة بالطلب”.

ويتوقع الخبراء أن تكون شركات التحالفات البحرية الكبرى – مثل “أوشن ألاينس” و”بريمير ألاينس” و”جيميني”، إلى جانب “إم إس سي” (MSC) أكبر مشغّل في العالم – في طليعة العائدين إلى البحر الأحمر، لكن بشكل تدريجي وعلى مراحل منفصلة.

العودة المبكرة قد تمنح ميزة تنافسية من حيث تكلفة الوقود وسرعة التسليم، لكنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر جسيمة إذا ما تجددت الهجمات. ويرى المحللون الذي طالع بقش تقديراتهم أن أكثر الشركات حرصاً على استئناف العبور عبر قناة السويس ستكون “إم إس سي” و”سي إم إيه سي جي إم” و”زيم”، نظراً لاعتمادها الكبير على أسواق شرق المتوسط التي تضررت بشدة جراء إغلاق الممر الحيوي.

ومع ذلك، يُتوقع أن تبدأ هذه العودة تدريجياً فقط عندما تتحقق مؤشرات واضحة على استقرار الأوضاع الأمنية، وقدّر مورفي أن التوقيت الواقعي لعودة الحركة الطبيعية “قد لا يكون قبل الربع الأخير من 2026”.

من البحر الأحمر إلى سلاسل التوريد العالمية

استمرار تحويل المسارات البحرية عبر رأس الرجاء الصالح يضيف أسابيع إضافية إلى زمن الشحن بين آسيا وأوروبا، ويرفع التكلفة النهائية للبضائع في الأسواق العالمية.

هذه التكاليف لا تتحملها شركات النقل فقط، بل تنتقل إلى المستهلكين عبر ارتفاع أسعار السلع المستوردة والمواد الخام.

كما يؤثر هذا التحول على الاقتصادات المصدّرة للنفط والغاز في الشرق الأوسط، إذ يزيد من تكاليف النقل ويطيل مدة الوصول إلى الأسواق الآسيوية.

ويرى محللون أن هذا الوضع، إذا استمر حتى 2026، قد يدفع بعض الشركات العالمية إلى إعادة تموضع مراكزها اللوجستية بعيداً عن قناة السويس، ما يُضعف مكانة الممر الذي يمر عبره 12% من التجارة العالمية.

يؤكد الخبراء أن الهدنة بين إسرائيل وحماس لا تشكل سوى خطوة محدودة في طريق طويل نحو استقرار البحر الأحمر وفق اطلاع بقش. فالهجمات اليمنية تحولت إلى أداة ضغط إقليمية مستقلة، والمخاطر البحرية باتت جزءاً من المشهد الأمني للمنطقة.

حتى لو تحقق السلام في غزة، فإن إعادة الثقة إلى خطوط الملاحة العالمية ستتطلب تسوية أوسع تشمل الملف اليمني وضمانات دولية لحماية الممرات التجارية.

وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن قناة السويس ستظل لفترة طويلة خالية من جزء كبير من الأسطول التجاري العالمي، إلى أن تستعيد المنطقة توازنها الأمني والسياسي، وهو ما قد لا يحدث قبل أواخر عام 2026 على أفضل تقدير.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش