أزمات النفط ومشتقاته تتفاقم في سوريا مع عجز الإدارة الجديدة في حلحلة ملفات العقوبات والمصارف

تعاني الحكومة السورية الجديدة من عجز حاد في تأمين المواد النفطية رغم محاولاتها المتكررة، حيث فشلت 6 مناقصات حديثة لتوريد النفط الخام والمشتقات بسبب شكوك المستثمرين وقيود العقوبات الغربية، ما يهدد بانهيار قطاع الطاقة وسط انقطاع كهربائي متفاقم وتوقف شبه كامل للصناعة.
طرحت وزارة النفط والثروة المعدنية مناقصات لتوريد أنواع مختلفة من النفط والمشتقات، بما يشمل النفط الخام الثقيل والخفيف والفيول أويل، إلا أن اشتراط إيداع 500 ألف دولار كضمان لكل عقد – وفق محللين – أثار مخاوف المستثمرين من تجميد الأموال، خاصة مع سجل الحكومة في تقييد السحوبات المصرفية.
وأكد باحثون اقتصاديون أن “قانون قيصر” الأمريكي، الذي يفرض عقوبات على من يتعامل مع الدولة في سوريا، يزيد كلفة الاستيراد، حيث يتحاشى المستثمرون الدوليون المخاطرة بغرامات قد تصل لملايين الدولارات.
ورغم العلاقات القوية بين إدارة سوريا الجديدة ممثلة بـ أحمد الشرع “الجولاني”، مع دول الخليج وتركيا، لم تستطع القيادة الجديدة لسوريا أن تستغل ذلك لجذب مستثمرين، رغم أهميتها لكسر العزلة.
المصارف السورية: حلقة مفرغة من التجميد وتراجع الثقة
تشكل القيود المصرفية عقبة رئيسية، حيث يخشى الموردون عدم قدرتهم على سحب أموالهم بسبب سياسات المصرف المركزي غير المعلنة.
وأوضح المحلل “محمد صالح الفتيح” أن “اشتراط إيداع نصف مليون دولار دون ضمانات استرجاعه يقتل الثقة، خاصة مع تجارب سابقة لتجميد أموال المستثمرين”.
دفع فشل المناقصات إدارة “الشرع” للتوصل لاتفاق مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لتوريد 15 ألف برميل نفط يومياً ومليون متر مكعب غاز، لمدة 3 أشهر قابلة للتمديد، وفق مصادر محلية.
كما تعتمد دمشق على التهريب عبر معبري “السلامة” و”باب الهوى” مع تركيا، وعلى شحنات غاز مسال من لبنان، لكن بكميات غير كافية.
إنتاج محلي هش وسوق سوداء باهظة الثمن وانهيار في البنى التحتية
سعت وزارة النفط لتعويض النقص عبر افتتاح بئر غاز “تيأس 5” بريف حمص بطاقة 130 ألف م³ يومياً، وصيانة معمل اللاذقية لزيادة إنتاج أسطوانات الغاز المنزلي من 700 إلى 1100 يومياً. لكن هذه الإجراءات – بحسب خبراء – لا تكفي لسد الفجوة، خاصة مع تدهور البنية التحتية جراء الحرب.
باتت أسعار المحروقات تعكس انهيار النظام التسويقي الرسمي، حيث تباع أسطوانة الغاز في إدلب بـ13 دولاراً مقابل 20 دولاراً في دمشق عبر السوق السوداء. كما تشهد مواد مثل المازوت والبنزين فوضى تسعيرية في معظم المحافظات، بينما تبقى أسعارها متفاوتة في المناطق الخارجة عن سيطرة الإدارة الجديدة.
مع استمرار العقوبات الغربية وتردي الثقة بالمصارف، يبدو مشهد الطاقة السوري مرشحاً لمزيد من التعقيد، حيث تحذر تحليلات من انهيار كامل لقطاع الكهرباء والصناعة، ما ينذر بموجة جديدة من الأزمات الإنسانية في بلد يعاني 90% من سكانه من الفقر.
وفي سياق متصل، تتصاعد الأصوات المنددة باستمرار استغلال القوات الأمريكية للنفط السوري، حيث تشير تقديرات رسمية سابقة إلى أن الكميات المنهوبة شهرياً تصل إلى 300 ألف برميل، من خلال السيطرة على الحقول الرئيسية في محافظتي دير الزور والرقة، التي تُعد من أغنى المناطق بالنفط. وبحسب تصريحات مسؤولين سوريين من النظام السابق، فإن القوات الأمريكية تنقل النفط الخام عبر قوافل عسكرية إلى العراق، ومن ثم تُباع في السوق السوداء، ما يحرم سوريا من إيرادات تُقدَّر بأكثر من 30 مليون دولار شهرياً، وفقاً لأسعار النفط العالمية.
وتركز عمليات الاستخراج على حقول مثل العمر والتنك والكوني، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم أمريكي.
وتشير تقارير محلية إلى أن الولايات المتحدة تنقل النفط عبر معبر “الوليد” الحدودي مع العراق، باستخدام شاحنات تابعة لشركات خاصة مرتبطة بجهات إقليمية.
وأفادت منظمة “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عام 2022 بأن 80% من إنتاج سوريا النفطي يقع تحت سيطرة قسد والقوات الأمريكية، بينما كان نظام الأسد لا يحصل سوى على 15% عبر اتفاقيات محدودة، فيما يُهرب الباقي عبر شبكات التهريب.
أدت هذه الممارسات إلى خسائر تراكمية للاقتصاد السوري تجاوزت 107 مليارات دولار منذ 2011، وفق تقديرات سابقة. كما أفقدت البلاد القدرة على إعادة تأهيل قطاع الطاقة المُدمر، ما زاد من اعتمادها على الاستيراد المكلف.