الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

البورصة السعودية تتراجع مع تأجيل فتح ملكية الأجانب وضغط نتائج “سابك”

الاقتصاد العربي | بقش

بدأت السوق السعودية تعاملات نوفمبر على تراجع لافت، بعدما أنهى مؤشر “تاسي” جلسة الأحد على انخفاض واضح عقب أيام من الترقب في أوساط المستثمرين المحليين والدوليين.

ومع تعليق الآمال على خطوة مرتقبة بشأن حدود تملك المستثمرين الأجانب للأسهم السعودية، جاء التطور التنظيمي بخلاف توقعات كثير من المتعاملين، ليقود إلى موجة بيع واسعة طالت معظم القطاعات.

ولم يكن العامل التنظيمي وحده هو المحرك، فنتائج عملاق الصناعات البتروكيماوية “سابك” التي جاءت دون تقديرات السوق زادت الضغط على المؤشر، لتتراجع أسهم الشركة رغم إعلانها العودة للربحية.

وبين هذا وذاك، حاولت بعض الشركات العقارية تقديم دعم معنوي للسوق من خلال نتائج قوية، لكن تأثيرها لم يكن كافياً لتغيير اتجاه المؤشر.

هكذا دخلت سوق الرياض أسبوعاً حاسماً تتقاطع فيه الظروف العالمية مع الملفات المحلية، لتُظهر واحدة من أكثر البورصات الإقليمية حساسية للمؤشرات الاقتصادية والسياسات التنظيمية.

ملف ملكية الأجانب يعود إلى الواجهة

خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، قدّم رئيس هيئة السوق المالية السعودية محمد القويز إشارات واضحة حول ملف الملكية الأجنبية، موضحاً وفق اطلاع مرصد “بقش” أن أي تغيير في الحد الأقصى الحالي البالغ 49% يحتاج إلى استكمال مشاورات واستبيانات جارية، إضافة إلى عملية مراجعة للأنظمة خلال العام المقبل. تصريحات نقلتها بلومبيرغ وأحدثت تحوّلاً في نظرة السوق تجاه الجدول الزمني لهذا القرار.

توقع المستثمرون سابقاً أن يكون القرار قريباً بعد تصريحات سابقة أشارت إلى جاهزية المنظومة لإقراره قبل نهاية العام، وهو ما دعم ارتفاع المؤشر خلال الأسابيع الماضية.

إلا أن تأجيل الملف أعاد تسعير التوقعات، ودفع بعض المتعاملين لإعادة بناء مراكزهم وتخفيف المخاطر مؤقتاً.

وتأثر سهم “مصرف الراجحي” بشكل ملحوظ، باعتباره أحد أبرز المستفيدين المفترضين من فتح سقف التملك للمستثمرين الأجانب، ما أضاف ثقلاً على حركة المؤشر العام.

وفي الوقت ذاته، تسود حالة ترقب لرد فعل المستثمرين الأجانب مع استئناف تداولاتهم، وسط توقعات بأن يظهر اتجاههم بصورة أوضح في الجلسات التالية.

ورغم أن السوق استوعبت الرسالة التنظيمية، إلا أن المستثمرين يدركون أن تعديل حدود الملكية قد يكون خطوة بعيدة المدى ضمن برنامج التطوير المالي للمملكة، ما يجعل الترقب سيد الموقف في المرحلة الحالية.

نتائج “سابك” تحت ضغط السوق العالمية

أثارت نتائج “سابك” للربع الثالث اهتماماً واسعاً بعدما سجلت الشركة صافي ربح بلغ 440 مليون ريال حسب قراءة بقش. ورغم أن الأرباح تُعد إيجابية مقارنة بأداء الشركة قبل أشهر، فإن الرقم كان أقل من تقديرات المحللين التي نقلتها بلومبيرغ عند نحو 729 مليون ريال، ما انعكس مباشرة في انخفاض سهم الشركة خلال الجلسة.

التحديات التي تواجه قطاع البتروكيماويات عالمياً لعبت دوراً محورياً في الضغط على نتائج الشركة، إذ تأثرت هوامش الربحية بضعف الطلب العالمي وتراجع الأسعار، خاصة مع تباطؤ الاقتصاد الصيني وتكدس المعروض في الأسواق الرئيسية. ورغم ذلك، يحافظ المستثمرون على نظرة أكثر تفاؤلاً تجاه المدى المتوسط مع اقتراب بدء تشغيل مشروع “فوجيان” الذي تعول الشركة عليه لتوسيع قدراتها الإنتاجية.

كما أشار محللون تتبَّع بقش تصريحاتهم إلى أن المسار الصاعد للسهم منذ يوليو الماضي يعكس ثقة المستثمرين في الاستراتيجية المستقبلية للشركة، حتى مع استمرار التحديات العالمية. وبينما قد يستمر الضغط قصير الأجل على السهم، فإن الاهتمام يتجه إلى قدرة الإدارة على تحسين الأداء خلال الأرباع القادمة.

وتبقى “سابك” مؤشراً رئيسياً لحالة القطاع الصناعي في المملكة، ما يجعل أي تغير في نتائجها أو توقعاتها عاملاً مؤثراً في المزاج العام للسوق.

القطاع العقاري يسجّل حضوراً لافتاً رغم هدوء السوق

في مقابل هبوط أغلب القطاعات، قدم بعض اللاعبين في قطاع العقار إشارات دعم للسوق، حيث حققت شركة “أم القرى للتنمية والإعمار” نمواً كبيراً في أرباحها مدفوعاً بزيادة نشاط بيع الأراضي وتطوير المشروعات. ورغم المكاسب المبكرة، أغلق السهم على انخفاض طفيف بعد موجة ارتفاع قوية منذ إدراجه في السوق.

كما أعلنت شركة “جبل عمر” نتائج إيجابية بتحقيق أرباح تجاوزت 198 مليون ريال مقارنة بخسارة للفترة نفسها من العام الماضي، بفضل تحسن العمليات التشغيلية وتنامي الطلب على القطاع الفندقي والسكني في مكة المكرمة. إلا أن السهم لم يستطع الهروب من موجة البيع الواسعة التي هيمنت على تعاملات اليوم.

ويرى محللون أن القطاع العقاري في المملكة يعيش مرحلة توسع استثنائية مدفوعة بمشاريع ضخمة ضمن رؤية المملكة 2030، ما يمنحه قدرة على امتصاص جزء من التراجعات السوقية. ومع ذلك، يبقى تأثيره محدوداً حين تتحرك القوى الثقيلة في السوق باتجاه واحد.

وفي الوقت ذاته، تشير حركة التداول إلى أن المستثمرين يتعاملون مع أسهم العقار كمراكز إستراتيجية طويلة الأجل، بينما يتعاملون مع قطاعات أخرى بحساسية أكبر تجاه الأخبار الآنية.

تصحيح متوقع قبل استئناف المسار

بعد موجة ارتفاع تجاوزت ألف نقطة خلال أسابيع قليلة، بدت السوق بحاجة إلى فترة تهدئة، وهو ما حدث مع تزايد عمليات جني الأرباح ومراجعة المحافظ الاستثمارية. ورغم التراجع، ظل مستوى السيولة مستقراً، ما يعكس بقاء المستثمرين داخل السوق دون خروج مفاجئ للرساميل.

المحللون يشيرون إلى أن المؤشر قد يشهد مزيداً من التذبذب حتى تتضح ملامح توجهات المستثمرين الأجانب وصدور المزيد من نتائج الشركات القيادية. إلا أن مسار النمو الاقتصادي في المملكة، وارتفاع الإنفاق على المشاريع الكبرى، واستقرار أسعار النفط ضمن نطاق مريح، تُعدّ عوامل داعمة للثقة على المدى المتوسط.

ويذهب جزء من المحللين إلى أن السوق كانت بحاجة إلى استراحة قصيرة بعد خمسة أسابيع من الصعود المتتالي، وأن ما يحدث لا يتجاوز نطاق التصحيح الصحي، ما لم تظهر مفاجآت غير متوقعة على مستوى السياسة المالية أو توقعات أسعار النفط.

ومع استمرار تدفق نتائج الربع الثالث للشركات المدرجة، ينتظر المتداولون مزيداً من البيانات التي قد تعيد جزءاً من الزخم، خصوصاً من القطاع المصرفي وشركات الخدمات.

تراجع البورصة السعودية في مطلع نوفمبر الجاري يأتي في سياق طبيعي لسوق شهدت صعوداً قوياً مؤخراً، وتواجه في الوقت نفسه حالة من إعادة التقييم لخياراتها الاستراتيجية في ضوء التطورات التنظيمية والاقتصادية. وبينما شكّل تأجيل رفع سقف ملكية الأجانب ونتائج “سابك” أقل من التوقعات ضغوطاً حقيقية على المؤشر، فإن المقومات الأساسية للسوق لا تزال قوية.

ومع استمرار المشاريع الوطنية الكبرى وارتفاع جاذبية السوق السعودية على المدى الطويل، يبقى التراجع الحالي علامة على نضج السوق أكثر من كونه إشارة ضعف. أما الفترة القادمة فستعتمد على قدرة الأطراف التنظيمية والاقتصادية على إعطاء رسائل أوضح تعزز الثقة وتعيد السيولة إلى مستوى نشاطها السابق.

زر الذهاب إلى الأعلى