الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

التجارة تضيع هباءً في رأس الرجاء الصالح.. تحويل السفن عن البحر الأحمر يزيد من فقدان الحاويات

الاقتصاد العالمي | بقش

ظاهرة مقلقة تطرأ على قطاع الشحن العالمي، وهي فقدان الحاويات من السفن العابرة من رأس الرجاء الصالح عبر جنوب أفريقيا، تلك التي حولت مسارها من “البحر الأحمر” بسبب الأزمة البحرية الناجمة عن إغلاق الممر الاستراتيجي من قِبل قوات صنعاء أمام السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل.

فقد أدت إعادة توجيه السفن بعيداً عن البحر الأحمر إلى زيادة الحاويات المفقودة في المياه، فالرحلات حول رأس الرحلات الصالح تواجه ظروفاً مناخية أكثر قسوة من تلك التي تعبر البحر الأحمر. ووفق اطلاع بقش على أحدث البيانات، فإن عدد الحاويات المفقودة في عام 2024 ارتفع إلى مستوى 576 في عام 2024 بحسب مجلس الشحن العالمي (WSC)، وهذا الرقم أكثر من ضعف 221 حاوية مفقودة في عام 2023.

ورغم الجهود المستمرة من قِبل صناعة الشحن لمنع الخسائر، إلا أن إعادة توجيه السفن بعيداً عن البحر الأحمر وحول رأس الرجاء الصالح للحفاظ على حركة التجارة العالمية تجعل شركات النقل البحري تُبحر في أحد أكثر الطرق تحدياً في العالم، وفقاً لمجلس الشحن العالمي.

وقد زاد عدد السفن المارة حول رأس الرجاء الصالح بنسبة 191%، مما ساهم في زيادة الخسائر لقطاع الشحن العالمي، وهو ما دفع مجلس الشحن العالمي إلى إعلان بدء الإبلاغ الإلزامي عن خسائر الحاويات إلى المنظمة البحرية الدولية في عام 2026، بعد اعتماد تعديلات جديدة على الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحر (SOLAS).

كيف تُفقد الحاويات؟

رغم التقدم الهائل في تكنولوجيا الملاحة البحرية وتصميم السفن العملاقة، ما زالت ظاهرة فقدان الحاويات من السفن تمثل كابوساً لصناعة الشحن البحري العالمية، وتُعتبر منطقة رأس الرجاء الصالح -البديل مؤقتاً للبحر الأحمر وقناة السويس- مثالاً حياً على ذلك.

يتم تحميل السفن الحديثة بآلاف الحاويات التي يتم رصها فوق سطح السفينة على طبقات متعددة، وتُثبَّت بأسلاك وقضبان حديدية تُسمى (lashing systems)، لكن مع ذلك تظل هذه الحاويات معرضة لخطر السقوط لعدد من الأسباب، أبرزها الأمواج العاتية والعواصف.

فمنطقة رأس الرجاء الصالح تمر بظروف جوية ومحيطية قاسية للغاية، حيث تتلاقى تيارات المحيطين الأطلسي والهندي. وهذه الأمواج العاتية التي قد تصل إلى ارتفاعات شاهقة، تؤدي إلى تأرجح السفينة بشكل كبير، ما يسبب انفكاك بعض الحاويات أو تحركها من أماكن تثبيتها.

سبب آخر هو التحميل الزائد بالأساس، أو التثبيت غير الجيد، ففي بعض الأحيان، ولتقليل التكاليف، يتم تحميل السفن بأكبر قدر ممكن من الحاويات، ما يزيد الضغط على أنظمة التثبيت، ويعني أي خطأ بشري أثناء التثبيت أو الفحص أن الحاويات ليست مؤمَّنة جيداً.

وتتعرض السفن العملاقة أحياناً لحركات اهتزازية شديدة نتيجة الأمواج المتقاطعة، وإذا ترافقت مع رياح شديدة، قد يؤدي ذلك إلى تحرُّك الحاويات وسقوطها. كما قد يؤدي فقدان إحدى الحاويات إلى زعزعة استقرار الحاويات المجاورة، لتتساقط الواحدة تلو الأخرى مثل قطع الدومينو.

وتشير بيانات مجلس الشحن العالمي (WSC) التي طالعها بقش إلى فقدان العالم سنوياً قرابة 1,500 إلى 2,000 حاوية في البحار والمحيطات حول العالم، ولذلك تداعيات اقتصادية وبيئية، فالضرر لا يقتصر على أصحاب البضائع فقط، بل تمثل الحاويات المفقودة خطراً بيئياً كبيراً بتحولها إلى “قمامة بحرية” تطفو أو تغرق جزئياً، مسببة تلوثاً أو خطراً على السفن الصغيرة والغواصات. كما أن بعض الحاويات قد تحتوي على بضائع خطرة مثل المواد الكيميائية أو البلاستيكية التي تهدد الحياة البحرية.

وللتعامل مع هذه المخاطر، تلجأ الشركات إلى أنظمة تتبع دقيقة لتحديد مواقع سقوط الحاويات قدر الإمكان، وتسعى بعض الدول لسن تشريعات تُلزم شركات الشحن بتحمل المسؤولية البيئية عند فقدان الحاويات، ويُلزم ملاك البضائع وشركات النقل عادة بتأمين بضائعهم ضد مخاطر الفقدان.

ويظل رأس الرجاء الصالح، رغم كونه مساراً استراتيجياً دولياً عند الأزمات، من أخطر الممرات الملاحية، إذ يتطلب من ربابنة السفن اتخاذ احتياطات مشددة عند المرور، من تعديل خط السير لتجنب العواصف، إلى إعادة توزيع الحاويات لتقليل الأضرار المحتملة.

تجنب البحر الأحمر يصنع الخسائر

بينما تتردد شركات الشحن الدولية العملاقة في العودة إلى البحر الأحمر رغم هدوئه وعدم استهداف السفن غير الإسرائيلية، تتكبد شركات الشحن خسائر لابد منها، إذ تشير التقديرات التي تتبعها بقش إلى أن تحويل السفينة الواحدة من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح يزيد المسافة بنحو 3,500 إلى 4,000 ميل بحري إضافي لكل رحلة، وهو ما يؤدي إلى زيادة زمن الرحلة بمعدل 10 إلى 14 يوماً، بحسب نوع السفينة وظروف البحر.

وبالنسبة لبعض خطوط الشحن الكبرى مثل “ميرسك” أو “MSC”، يعني الأمر إنفاقاً إضافياً يصل إلى نحو 2 مليون دولار لكل رحلة واحدة، تشمل الوقود الإضافي، ورواتب الأطقم، ورسوم الموانئ الإضافية، ورسوم التأمين المرتفعة منذ 2023، وتُقدر بعض شركات التحليل البحري وفق متابعة بقش أن تكلفة الوقود وحدها ارتفعت بنحو 40% على بعض الخطوط التي أصبحت تضطر لاستخدام الطريق الأطول.

وبسبب تحويل المسارات بعيداً عن البحر الأحمر، يصل مجمل الخسائر الإضافية لصناعة الشحن إلى ما بين 500 مليون دولار ومليار دولار شهرياً، وتختلف التقديرات باختلاف كثافة التحويل وعدد السفن.

ولذلك أثر بالغ على التجارة العالمية، فشركات الشحن لا تتحمل وحدها العبء، لأن زيادة التكاليف تعني ارتفاع تكاليف الشحن على المستوردين والمصدرين، وتأخير تسليم السلع والبضائع، ما يزيد من الضغط على سلاسل الإمداد العالمية، مع تحميل المستهلكين النهائيين جزءاً من التكاليف من خلال رفع الأسعار. وفي بعض القطاعات الحساسة مثل تجارة السلع سريعة التلف (كالفواكه والمنتجات الطبية) يمكن أن يؤدي التأخير إلى خسائر مباشرة في البضائع نفسها.

ويبدو أن الرابح الأبرز من الأزمة هي شركات الوقود البحري في موانئ مثل كيب تاون، وبعض الموانئ الأفريقية والجنوبية التي نشطت بفضل مرور السفن وإعادة التزود والصيانة، وشركات النقل الجوي التي استفادت جزئياً من نقل بعض السلع العاجلة جواً لتعويض تأخر السفن، إلا أن الخلاصة تفيد بأن استمرار تحويل السفن إلى رأس الرجاء الصالح يعني المزيد من الخسائر التجارية وفقدان الحاويات في مواجهة طقوس متقلبة وغير مواتية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش