التدخل الأمريكي في شؤون الأرجنتين الداخلية.. تهديد بسحب 20 مليار دولار إذا خسر الرئيس الانتخابات

تقارير | بقش
أصبحت المساعدات المالية الأمريكية للأرجنتين البالغة 20 مليار دولار على المحك، إذ هدد “دونالد ترامب” بسحب هذا الدعم إذا لم يفز ائتلاف الرئيس خافيير ميلي بانتخابات التجديد النصفي في 26 أكتوبر، وسط تحديات اقتصادية وسياسية تواجهها الأرجنتين وانتكاسات انتخابية لحزب ميلي بسبب قضايا فساد طالت دائرته المقربة.
وقال ترامب خلال استقباله ميلي في البيت الأبيض، إنه إذا خسر “فلن نكون كرماء مع الأرجنتين”، في إشارة إلى سحب المساعدات عن البلاد، محذراً من أن الولايات المتحدة لن “تُضيع جهودها” تجاه بوينس آيرس إذا لم يفز ائتلاف ميلي.
وفق متابعات بقش، هذه ليست أول مرة هذا العام يسعى فيها ترامب للتدخل الصريح في الشؤون الداخلية لدولة أخرى لحماية زعيم يعتبره حليفاً له. فقد سبق ودافع ترامب عن “نتنياهو” بقوله إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتعرض لـ”حملة شعواء”، ودعا -أمام الكنيست الإسرائيلي- إلى العفو عن نتنياهو في محاكمات يواجهها بتهم الفساد.
وفي جانب آخر، وصف ترامب الملاحقة القضائية ضد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، لمحاولته إلغاء انتخابات عام 2022، بأنها “حملة شعواء” أيضاً، ثم فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 50% على البرازيل.
واعتاد ترامب استخدام مصطلح “حملة شعواء”، لوصف قضاياه أمام المحاكم الأمريكية أثناء ترشحه لرئاسة أمريكا في العام الماضي.
الدعم المالي من زاوية سياسية
الدعم المعلن قبل حوالي أسبوع للأرجنتين، بقيمة 20 مليار دولار، جاء مشروطاً في مسعى لإنقاذ البيزو، بالتدخل في سوق العملة الأرجنتينية.
وعبّر الدعم عن محاولة ترامب رسم دور واشنطن في أمريكا اللاتينية بقوة، مستخدماً الثقل العسكري والاقتصادي لواشنطن “بلا تحفظ”. وتقول “واشنطن بوست” إن إدارة ترامب في الوقت الذي قيّدت فيه الدعم العسكري لحلفاء تقليديين، أبدت استعداداً فورياً لمساعدة بوينس آيرس.
ويحضر الدافع السياسي بوضوح، إذ إن الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، الذي يتبنى إصلاحات راديكالية ضد الإنفاق الحكومي والبيروقراطية، بات رمزاً مفضلاً لتيار اليمين الأمريكي، لكن هزيمته في انتخابات محلية كبرى أثارت قلقاً كبيراً بين المستثمرين من هشاشة قدرته على تمرير إصلاحاته، ما دفع ترامب إلى تقديم الجسر المالي لإنقاذ حليفه قبل الاستحقاق النيابي الحاسم.
ويأتي الدعم الأمريكي، أو التدخل الأمريكي في الأرجنتين في الوقت الذي تقول فيه تقارير إن الأرجنتين ليست مصلحة حيوية للولايات المتحدة، وأن تاريخها المليء بالأزمات لم يهز النظام المالي العالمي، لكن وزير الخزانة الأمريكي رأى أن “أهمية الأرجنتين نظامية”، وأن نجاح ميلي قد يقدم نموذجاً عالمياً لتجارب اقتصادية على النهج الشعبوي.
إنعاش البيزو وإحراج ترامب
تعود الأزمة بالأساس إلى عملة البيزو الأرجنتيني، وسط خنق الصادرات وتوسع العجز التجاري، واستنزاف ميلي احتياطيات الدولار لشراء البيزو خشية انفلات التضخم، ليترك البلاد في مواجهة أزمة سيولة حادة ودين خارجي يبلغ 250 مليار دولار.
وقبل إعلان واشنطن عن الدعم، كان ميلي يائساً من استمرار انخفاض قيمة البيزو، والتقى ترامب في 23 سبتمبر الماضي وفق متابعات بقش، أثناء وجوده في مدينة نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وسرعان ما تلا ذلك إعلان واشنطن عن مساعدات “إنسانية” بقيمة 20 مليار دولار، وانتعشت الأسواق الأرجنتينية وتنفس المستثمرون الصعداء، ولاحقاً قضى وزير الاقتصاد الأرجنتيني ساعات في اجتماعات بواشنطن سعياً لإبرام الصفقة، ثم أعلن وزير الخزانة الأمريكي يوم الخميس الماضي أن الولايات المتحدة ستسمح للأرجنتين باستبدال رصيد من البيزو بما يعادل 20 مليار دولار.
وساهم التدخل الأمريكي في وقف نزيف البيزو مؤقتاً ومنع أزمة مالية أوسع، واعتبر ميلي أن الدعم سيجلب سيلاً من الدولارات للأرجنتين، الأمر الذي اعتُقِد أنه سيعزز اقتصاد البلاد ومصداقية ميلي السياسية أمام الناخبين.
لكن ذلك يبدو محرجاً لترامب الذي يواجه صعوبة في إدارة صورة إنقاذ مُتعثر كما تقول وكالة بلومبيرغ، وسط الإغلاق الحكومي الأمريكي الذي أدى إلى فصل آلاف الموظفين الأمريكيين الحكوميين.
وانتقد المشرعون الديمقراطيون الأمريكيون هذه الخطوة، معتبرين إياها مثالاً على مكافأة ترامب للموالين على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين.
ويبدو أن الرهان خطير، ففي حال انهيار تجربة ميلي فستتلقى صورة ترامب الدولية ضربة قوية، حيث سيُنظر إلى إنقاذ الأرجنتين كإشارةٍ على انحراف وتناقض شعار “أمريكا أولاً” تجاه ناخبي ترامب. ومن جانب آخر، الانتكاسات الانتخابية الأخيرة لحزب ميلي، التي غذتها قضايا فساد طالت دائرته المقربة، أضرت بشعبيته، والشعبية مؤشر رئيسي للمستثمرين، مما أثر سلباً على البيزو والسندات الحكومية.
هذا وتُعد الأرجنتين أكبر دولة مقترضة في العالم من صندوق النقد الدولي، حيث تمثل الأرجنتين 47% من إجمالي القروض المستحقة للصندوق بقيمة تبلغ نحو 65 مليار دولار وفق بيانات بقش. وخلال الأزمة الاقتصادية لبوينس آيرس، يشدد صندوق النقد على ضرورة حشد تأييد سياسي واسع لبرنامج الإصلاحات الذي يتبناه ميلي، إضافةً إلى إعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية.