التصعيد الإيراني الإسرائيلي يضرب السياحة في مصر ويهدد استقرار اقتصاد الشرق الأوسط

الاقتصاد العربي | بقش
في خضم التصعيد العسكري المتزايد بين إسرائيل وإيران، بدأت رياح الحرب تتجاوز حدود الجغرافيا المباشرة، لتصل إلى قلب القطاعات الاقتصادية الحيوية في دول الجوار، وعلى رأسها مصر، التي تشهد ضغوطاً واضحة على قطاع السياحة، أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، فبينما كانت القاهرة تراهن على عام سياحي قوي، تبدو التوقعات اليوم أكثر قتامة مع تسجيل نسب إلغاء متزايدة في الحجوزات، وتجميد شبه كامل لأي طلبات جديدة.
أفاد مسؤولو أربع شركات سياحية كبرى في مصر – في تصريحات خاصة نقلتها بلومبيرغ – بأن متوسط نسب الإلغاء للحجوزات السياحية الوافدة تجاوز حاجز الـ10% منذ نهاية الأسبوع الماضي، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وتوقّع المسؤولون أن تشهد الأسابيع المقبلة ارتفاعاً أكبر في نسب الإلغاء، في ظل تصاعد المخاوف من توسع رقعة المواجهات وتحولها إلى حرب إقليمية شاملة.
ووفق إطلاع مرصد بقش، فإن نسب التراجع في الحجوزات الجديدة وصلت في بعض الشركات إلى ما يقرب من 70%، وهي أرقام تُنذر بانكماش كبير في العائدات خلال موسم الصيف، الذي يُعد ذروة الموسم السياحي في مصر.
خطط 18 مليون سائح في مهب الريح
كان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد أعلن في يناير الماضي أن الحكومة تستهدف استقبال 18 مليون سائح بنهاية عام 2025، بزيادة قدرها 14% عن العام السابق، لكن المؤشرات الحالية تُهدد بتحقيق نتائج أقل من المتوقع بكثير، خاصة أن الأسواق الأوروبية – التي تمثل أحد أهم مصادر الزوار لمصر – بدأت تُبدي تحفظاً متزايداً في إرسال المسافرين إلى الشرق الأوسط.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري التي اطلع عليها بقش والصادرة في مايو الماضي، قفزت إيرادات السياحة في البلاد بنسبة 9% خلال عام 2024 لتسجل مستوى قياسي بلغ 15.3 مليار دولار، لكن هذا الزخم مهدد بالتلاشي حال استمرت الحرب أو اتسعت رقعتها إلى دول مجاورة.
“محمد أشرف”، مدير تطوير الأعمال في شركة “بلو سكاي” للسياحة، أكد لبلومبيرغ أن شركته لم تتلقّ أي حجوزات جديدة منذ بداية الأزمة من أسواقها التقليدية في فرنسا وألمانيا والمجر والتشيك، موضحاً أن الإقبال الحالي يقتصر فقط على بعض الزوار من شرق أوروبا، الذين يبدو أنهم أقل تأثراً بالمخاوف السياسية والأمنية.
كذلك أوضح مسؤول بإحدى الشركات السياحية – طلب عدم الكشف عن هويته – أن التأثير الأكبر يطال حالياً برامج “السياحة الثقافية”، التي تشمل زيارات للأماكن الأثرية في القاهرة والأقصر وأسوان، والتي تتطلب تنقلاً مستمراً عبر وسائل النقل والمناطق المختلفة، مما يجعلها أكثر عرضة للإلغاء مقارنة بالسياحة الشاطئية، حيث يبقى السائح داخل نطاق الفندق.
وتشير متابعات مرصد بقش إلى أن شركة مصر للطيران ألغت رحلات جوية إلى عدد من العواصم الإقليمية، منها عمّان وبيروت وأربيل وبغداد، في خطوة احترازية نتيجة تزايد المخاطر الأمنية في الأجواء الإقليمية.
الشرق الأوسط: اقتصاد على فوهة بركان
لا تتوقف ارتدادات الحرب عند مصر، فالتصعيد بين طهران وتل أبيب يرسم صورة شديدة القتامة للاقتصاد الإقليمي، فقد أفاد تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ في مطلع يونيو 2025 أن الصراع الجاري قد يؤدي إلى خفض معدلات النمو في الشرق الأوسط بنحو 1.7 نقطة مئوية خلال العام الجاري، مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي السابقة، والتي قدرت نمو المنطقة بنحو 3.5%.
وفي حال تحوّل الاشتباك الجاري إلى حرب مفتوحة، فإن تقديرات بلومبيرغ تشير إلى أن المنطقة قد تخسر ما يزيد على 400 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي حتى 2026، نتيجة تراجع الاستثمارات، وارتفاع أسعار النفط، واضطرابات سلاسل التوريد، وتدهور القطاعات الخدمية وعلى رأسها السياحة.
ويشير تقرير حديث للبنك الدولي إلى أن كل أسبوع من تعطّل حركة الطيران الإقليمي قد يُكبد المنطقة خسائر تفوق 1.2 مليار دولار، تتوزع بين شركات الطيران، والفنادق، والأنشطة المرتبطة بالسياحة والنقل والخدمات اللوجستية.
رئيس شركة “أمكو للسياحة”، أوضح في تصريحاته لبلومبيرغ أن هناك إلغاءات بدأت تظهر في برامج السياحة المشتركة، التي كانت تضم زيارات إلى إسرائيل والأردن ومصر ضمن جولة واحدة، مشيراً إلى أن كثيراً من شركات السفر الأوروبية أوقفت مؤقتاً بيع هذه البرامج بانتظار اتضاح المسار السياسي والعسكري.
مستقبل محفوف بالمخاطر رغم المبادرات الحكومية
في أكتوبر 2024، أطلقت الحكومة المصرية مبادرة دعم للقطاع السياحي بقيمة 50 مليار جنيه (نحو 1.6 مليار دولار) عبر قروض مدعومة بفائدة متناقصة تبلغ 12%، لدعم الشركات وتوسيع الطاقة الفندقية، في إطار خطتها للوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2031.
لكن الأزمة الحالية تضع هذه الخطط الطموحة على المحك، إذ بات المستثمرون والمشغلون السياحيون في حالة ترقّب، خشية أن تتحوّل الأزمة الجيوسياسية إلى عائق دائم أمام نمو القطاع.
ويرى عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية، “حسام هزاع”، أن الصيف كان مرشحاً ليكون موسماً استثنائياً، خاصة مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير نهاية العام، لكنه حذّر من أن التأخير في الافتتاح بالإضافة إلى الوضع الإقليمي قد يؤثّران سلباً على معدلات التدفق السياحي المنتظر.
الواقع أن الحرب الإسرائيلية–الإيرانية لا تُهدد فقط أمن المنطقة، بل تضرب في عمق محركات النمو، ومصر، باعتبارها واحدة من أكثر الدول اعتماداً على السياحة، تقف في عين هذه العاصفة، على أمل أن تنتهي قريباً، قبل أن تتحوّل إلى إعصار يُقوّض خططها الاقتصادية للسنوات المقبلة.
لكن إن استمرت الأزمة، فإن الحديث عن موسم سياحي واعد سيتحوّل إلى مجرد أمنية، في وقت لم تعد فيه الجغرافيا قادرة على حماية أحد من نيران الحرب.