تقارير
أخر الأخبار

الحدود بين باكستان وأفغانستان تشتعل مجدداً.. معابر مغلقة وقصف متبادل يهدد بانفجار إقليمي

تقارير | بقش

في تصعيد هو الأخطر منذ مطلع العام، أعلنت باكستان إغلاق جميع المنافذ الحدودية مع أفغانستان بعد ليلة طويلة من الاشتباكات المسلحة والقصف المتبادل، ما أعاد شبح الحرب المفتوحة إلى المنطقة الجبلية المضطربة التي تفصل البلدين.

مسؤولون أمنيون باكستانيون أكدوا أن القرار جاء عقب اشتباكات عنيفة استمرت حتى فجر الأحد، شاركت فيها المدفعية الثقيلة وسلاح الجو ضد مواقع داخل الأراضي الأفغانية، رداً على ما وصفته إسلام آباد بـ“هجمات منسقة شنّتها مجموعات مسلحة مدعومة من كابول”.

في المقابل، أعلنت حكومة طالبان أن قواتها “نفذت عمليات ليلية ناجحة ضد مواقع الجيش الباكستاني”، وزعمت مقتل 58 جندياً باكستانياً وتدمير 25 موقعاً عسكرياً، وهو رقم لم تؤكده أي مصادر مستقلة.

العمليات العسكرية بدأت بعد سلسلة من الغارات الباكستانية التي استهدفت –بحسب مصادر في كابول– مواقع يشتبه بأنها تأوي عناصر من حركة طالبان-باكستان داخل الأراضي الأفغانية. وردت القوات الأفغانية بإطلاق قذائف على نقاط حدودية باكستانية في مقاطعة كورام.

مع حلول الصباح، خيّم الهدوء الحذر على المنطقة، لكن شهود عيان تحدثوا عن اشتباكات متقطعة وإطلاق نار متبادل من حين لآخر، بينما انتشرت وحدات الجيش الباكستاني في القرى الحدودية وأُعلنت حالة الطوارئ القصوى.

وقال مسؤول أمني باكستاني إن الجيش “تعامل بقوة مع مصادر النيران، وتم تدمير عدة مواقع للخصم، ما أوقف الهجمات بشكل شبه كامل”، مضيفاً أن “القوات ما زالت في حالة تأهب تحسباً لأي اختراق جديد”.

معابر مغلقة وحركة تجارية مشلولة

قرار الإغلاق شمل المعبرين الرئيسيين طورخم وتشمن، إلى جانب معابر ثانوية في خرلاشي وأنجور أدا وغلام خان، ما أدى إلى توقف مئات الشاحنات المحمّلة بالبضائع على جانبي الحدود.
وأفاد تجار محليون بأن حركة التبادل التجاري جُمّدت بالكامل، وأن آلاف المدنيين بينهم عمال وتجار ومرضى تقطعت بهم السبل في مناطق العبور، وسط نقص حاد في المواد الغذائية والوقود.

منظمات الإغاثة الدولية عبّرت عن قلقها من أن يؤدي استمرار الإغلاق إلى تفاقم الأزمة الإنسانية داخل أفغانستان، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الغذاء والدواء القادمة من الأراضي الباكستانية وفق اطلاع بقش.

المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد قال في مؤتمر صحفي من كابول إن “القوات الأفغانية ردّت على عدوان جوي باكستاني سافر داخل أراضينا”، مؤكداً أن “الحدود تحت السيطرة الكاملة للقوات الأفغانية وأن أي نشاط غير قانوني تم منعه”.

لكن الجيش الباكستاني قدّم رواية مغايرة، إذ أكد أن القصف الجوي “استهدف عناصر من حركة طالبان-باكستان (TTP) تتحصن في الجانب الأفغاني”، وهي الحركة التي تشنّ منذ أعوام عمليات داخل باكستان وتتبنى هجمات دامية ضد الجيش وقوات الأمن.

ويقول محللون إن الاتهامات المتبادلة تكشف عمق أزمة الثقة بين الجانبين، فإسلام آباد ترى أن طالبان الأفغانية تغضّ الطرف عن نشاط الجماعات المتشددة، بينما تعتبر كابول أن باكستان تسعى لفرض وصايتها على قراراتها الأمنية.

2600 كيلومتر من الحدود الملتهبة تعيد المنطقة إلى مربع العنف

الحدود الباكستانية-الأفغانية التي تمتد لأكثر من 2600 كيلومتر لطالما كانت مسرحاً للتوتر منذ عقود. فبعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان عام 2021 وعودة طالبان إلى الحكم، ازداد النشاط المسلح في المناطق الحدودية بشكل ملحوظ.

وتقول باكستان إنها فقدت خلال العامين الماضيين مئات الجنود في هجمات عبر الحدود، متهمة طالبان بتوفير ملاذات آمنة لعناصر “تحريك طالبان باكستان”، فيما ترد كابول بأن الجيش الباكستاني ينتهك سيادتها باستمرار عبر غارات جوية وقصف مدفعي.

ورغم المحاولات المتكررة للوساطة، لم تُفعّل حتى الآن أي آلية تنسيق عسكرية أو حدودية مستقرة، ما يجعل الحدود قابلة للاشتعال في أي لحظة.

إغلاق المعابر لم يوقف فقط حركة التجارة، بل عمّق أزمة اللاجئين والنازحين الذين يعيشون بين البلدين. فمئات الأسر التي تعيش على جانبي الحدود تعتمد على التجارة اليومية، وأي توقف يهدد مصادر رزقها.

كما حذّر مراقبون من أن استمرار التصعيد سيؤثر على التعاون الأمني الإقليمي وجهود مكافحة الإرهاب في آسيا الوسطى، خاصة أن الجماعات المتشددة قد تستغل الفوضى لإعادة تنظيم صفوفها في المناطق الحدودية الوعرة.

مستقبل غامض وحدود مشتعلة

في الوقت ذاته، يواجه الاقتصاد الباكستاني ضغوطاً متزايدة، بينما تحاول حكومة طالبان مواجهة عزلة دولية متصاعدة وأزمة اقتصادية خانقة داخل أفغانستان حسب متابعات بقش للتقارير.

حتى مساء اليوم الأحد، لم تُعلن أي جهة عن وساطة رسمية بين الجانبين، فيما اكتفت الأمم المتحدة بالدعوة إلى ضبط النفس وتجنّب التصعيد. لكن مؤشرات الميدان توحي بأن الحدود بين البلدين تقف على فوهة بركان سياسي وعسكري.

ويرى محللون أن باكستان، رغم تفوقها العسكري، لا ترغب في انزلاق شامل نحو الحرب، بينما تراهن طالبان على استثمار الحساسية الوطنية في الداخل لتقوية موقفها السياسي.

ومع غياب الثقة وازدياد تبادل الاتهامات، يبدو أن التهدئة المؤقتة لن تصمد طويلاً، وأن الحدود الأفغانية-الباكستانية ستبقى إحدى أكثر النقاط اضطراباً في آسيا خلال الأشهر المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش