الحرب التجارية تشعل أسعار شحن النفط العالمية: رسوم الموانئ الأمريكية-الصينية ترفع التكاليف لأعلى مستوياتها منذ عامين

أخبار الشحن | بقش
تشهد أسواق النقل البحري العالمية موجة حادة من الارتفاع في أسعار شحن ناقلات النفط العملاقة، بعد تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين وفرض رسوم موانئ متبادلة على السفن المرتبطة بالبلدين. ووفق بيانات شركات الوساطة والتداول التي اطلع عليها “بقش” اليوم الأربعاء، فقد ارتفعت تكلفة شحن ناقلة نفط خام عملاقة (VLCC) بنحو 7 دولارات للبرميل الواحد، وهو ما يعادل قرابة 15 مليون دولار إضافية لكل رحلة، نتيجة الرسوم الصينية الانتقامية الأخيرة.
هذه الزيادة المفاجئة دفعت المتعاملين إلى التحذير من تقلص عدد السفن المستعدة لنقل الشحنات الأمريكية إلى آسيا، في ظل سعي الشركات لتجنّب الرسوم المرتفعة على الموانئ الصينية. وأدى ذلك إلى اضطراب كبير في مسارات الشحن العالمية، انعكس مباشرة على مؤشر TD3C – الطريق الرئيسي بين الشرق الأوسط والصين – الذي قفز إلى W98 مطلع الأسبوع، قبل أن يتراجع قليلاً إلى W95، لكنه بقي أعلى بكثير من مستواه السابق عند W70.
الانتقام الصيني يعيد تشكيل خريطة النقل البحري
بدأت الأزمة حين أعلنت بكين فرض رسوم موانئ إضافية على السفن المرتبطة بالولايات المتحدة، رداً على خطوة مماثلة اتخذتها واشنطن ضد السفن الصينية في وقت سابق من العام. وأوضحت الحكومة الصينية لاحقاً أن السفن المصنوعة في الصين ستُعفى من هذه الرسوم، ما أعاد توزيع الطلب داخل السوق لصالح الشركات الصينية.
جون جوه، المحلل في شركة “سبارتا كوموديتس”، قال إن هذه القرارات “قلّصت المعروض من الناقلات المؤهلة لتفادي الرسوم”، وهو ما أدى تلقائياً إلى ارتفاع الأسعار.
ووفقاً لتقديرات طالَعَها بقش من شركة كلاركسونز للأبحاث، فإن نحو 12% من الأسطول العالمي لناقلات النفط الخام أصبح خاضعاً حالياً للرسوم الصينية الجديدة، مما يحدّ من مرونة حركة النفط ويؤثر في تكاليف النقل على المدى المتوسط.
وفي المقابل، بدأ ملاك السفن غير الأمريكية بالمطالبة بعلاوات سعرية لقاء شحناتهم، في ظل تزايد الطلب عليها من الشركات الراغبة في الالتفاف على القيود، ما يضاعف من تكاليف النقل النهائية للبرميل الواحد في السوق العالمية.
عقوبات أمريكية جديدة تضيف مزيداً من الفوضى
زاد المشهدَ تعقيداً إعلانُ واشنطن فرض عقوبات على محطة “ريتشاو” النفطية في مقاطعة شاندونغ الصينية، التي تُعد إحدى أكبر مرافئ استيراد الخام في البلاد.
هذا القرار أجبر شركات التداول العالمية على تحويل وجهة السفن نحو ميناء تشوشان في الساحل الشرقي، وهو ما تسبب بازدحام شديد في مركز النقل البحري القريب من مصافي “سينوبك” و”رونغشنغ” البتروكيميائية العملاقة.
وأوضح المحلل في شركة “جيبسون شي جيبسون شيب بروكرز” بريندان بوس، أن “العقوبات على ريتشاو ساهمت في تقلبات الأسعار في أسواق الشرق، وأدت إلى تحولات مفاجئة في مسارات الشحن”، مضيفاً أن هذه التحولات “خلقت حالة من عدم الكفاءة التجارية”، حيث باتت العديد من السفن تضطر إلى الإبحار لمسافات أطول لتفادي الموانئ الخاضعة للعقوبات، ما يرفع التكاليف التشغيلية ويزيد من أوقات التسليم.
ويُتوقع أن تؤدي هذه التحركات إلى إعادة توزيع مركزية حركة النفط الخام داخل الصين، مع تزايد الضغط على الموانئ الآمنة وارتفاع معدلات الازدحام في محاور النقل الرئيسية.
زيادة الطلب على الناقلات وارتفاع الأسعار في أكتوبر
تُشير تقارير شركات الشحن إلى أن عدد ناقلات النفط العملاقة المطلوبة لنقل الخام من الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا والولايات المتحدة إلى آسيا ارتفع بشكل ملحوظ في أكتوبر مقارنةً بشهر سبتمبر، ما يعكس الاتجاه الصعودي المستمر في الأسعار.
وذكر أحد سماسرة السفن، حسب وكالة رويترز، أن “الطلب المتزايد، إلى جانب القيود السياسية الجديدة، سيبقي الأسعار مرتفعة حتى نهاية العام”، لافتاً إلى أن مؤشر TD3C لا يزال قريباً من أعلى مستوياته خلال أكثر من عامين، عندما بلغ W108 في سبتمبر الماضي نتيجة تضييق الإمدادات وازدياد الطلب الآسيوي على النفط.
هذا الارتفاع المتواصل يضع شركات الشحن أمام تحدي تحقيق التوازن بين تكاليف التشغيل الباهظة والالتزامات التعاقدية مع شركات الطاقة، في حين تسعى الأسواق الآسيوية لتأمين احتياجاتها النفطية وسط مناخ تجاري يتسم بعدم اليقين والتوترات السياسية.
صدمة النقل البحري تهدد استقرار تجارة الطاقة العالمية
من زاوية اقتصادية، تعكس هذه التطورات تأثير الحرب التجارية في كبح تدفقات الطاقة عبر البحار، حيث تحوّلت رسوم الموانئ والعقوبات إلى أدوات ضغط جيوسياسية تتجاوز وظيفتها الاقتصادية التقليدية.
ارتفاع أسعار الشحن بهذه الوتيرة يعني زيادة مباشرة في كلفة النفط الخام على المشترين الآسيويين، الذين يعتمدون بشكل كبير على الشحن البحري من الشرق الأوسط حسب تحليلات بقش، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود محلياً وتباطؤ نمو الصناعات التحويلية.
كما تُظهر البيانات أن كل زيادة بمقدار 10 نقاط على مؤشر TD3C قد تُترجم إلى ارتفاع بنحو 1.5 إلى 2 دولار في سعر البرميل النهائي عند وصوله إلى آسيا، ما يخلق موجات تضخمية قد تمتد إلى قطاعات النقل والكهرباء والإنتاج الصناعي في المنطقة.
النظام التجاري البحري يدخل مرحلة “الرسوم كسلاح”
يرى محللون تتبَّع بقش تقديراتهم أنّ ما يحدث اليوم لا يمثل أزمة عابرة في قطاع الشحن، بل بداية مرحلة جديدة من تسييس الممرات البحرية، حيث تستخدم القوى الاقتصادية الكبرى الرسوم والعقوبات لتقويض حركة المنافسين.
وإذا استمرت الولايات المتحدة والصين في تصعيد حرب الموانئ، فإن سوق النقل البحري سيواجه إعادة هيكلة كاملة، مع انتقال جزء من حركة النفط إلى طرق بديلة أو ناقلات تابعة لدول محايدة.
بهذا، تتحول تكاليف الشحن إلى متغير إستراتيجي في معادلة تسعير النفط العالمية، وتصبح السيطرة على الموانئ والنقل البحري جزءاً من الصراع الاقتصادي الأوسع بين واشنطن وبكين، ما يضع الاقتصاد العالمي أمام مرحلة طويلة من الاضطراب في سلاسل التوريد وأسعار الطاقة.