الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الحرب التجارية مع الصين..واشنطن في موقف حرج والسفن مكدسة أمام الموانئ الصينية

الاقتصاد العالمي | بقش

مرحلة جديدة من التصعيد الخطير تدخلها العلاقات التجارية بين أمريكا والصين، بعد أن تبادلت القوتان الاقتصاديتان الأكبر في العالم فرضَ رسوم وعقوبات استهدفت قطاعات النقل البحري والطاقة وصناعة السفن، مما انعكس سريعاً على حركة التجارة العالمية، مع تسجيل مستويات غير مسبوقة من التكدس في الموانئ الصينية، وارتفاع أوقات انتظار ناقلات السلع الأساسية إلى أعلى معدل هذا العام.

وفي أحدث فصول المواجهة، حذرت إدارة ترامب الصين من اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الشركات الأجنبية التي تساعد الولايات المتحدة في تطوير صناعاتها الحيوية، وذلك بعد أن فرضت بكين الأسبوع الماضي عقوبات على الوحدات الأمريكية التابعة لشركة الشحن الكورية الجنوبية “هانوا أوشن” وفق متابعة مرصد “بقش”، بسبب خطط هذه الشركة للاستثمار في القطاع البحري الأمريكي.

واتهمت إدارة ترامب بكين بممارسة “الإكراه الاقتصادي” ضد الشركات الأجنبية المتعاونة مع الولايات المتحدة في تطوير صناعاتها الحيوية، خصوصاً في قطاع بناء السفن.

ويُعد هذا التحذير الأمريكي أحدث خطوة في سلسلة طويلة من النزاعات البحرية بين واشنطن وبكين، التي تمثل أكثر من نصف إنتاج السفن في العالم، وسَعَت خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز هيمنتها على بحر الصين الجنوبي الاستراتيجي، في حين تنعكس هذه المواجهة على الاقتصاد العالمي، إذ يُنقل أكثر من 80% من التجارة الدولية عبر السفن.

وهدد ترامب في أحدث تصريحاته التي تابعها بقش بفرض رسوم جمركية على الصين تصل إلى 175% وقال إنه استخدم الرسوم لتحقيق مصالح أمريكا، وإن “الولايات المتحدة متقدمة على الصين في كل شيء باستثناء عدد السفن الحربية”، لكنه اعتبر أن “الرسوم الجمركية تمنحنا قوة هائلة وأعتقد أن الصين ستأتي لطاولة المفاوضات لإبرام صفقة معنا”.

ورغم أن أمريكا تمتلك أقوى أسطول بحري في العالم، إلا أن قدراتها على بناء السفن تبقى محدودة نسبياً، لذا تعمل إدارة ترامب على تعزيز صناعة بناء السفن الأمريكية من خلال جذب الاستثمارات من كوريا الجنوبية، ثاني أكبر دولة لبناء السفن في العالم.

ولم تقتصر الرسوم المتبادلة بين الطرفين على السفن، بل شملت أيضاً توسيع واشنطن لقيودها على تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين، وتهديدها بفرض رسوم بنسبة 100% على واردات المعدات المينائية الصينية، واحتمال رفعها إلى 150% على معدات مناولة البضائع.

وفي المقابل، ردّت بكين بتشديد قيودها على صادرات المعادن النادرة، التي تعتمد عليها الصناعات الأميركية المتقدمة، ما قد يشلّ بعض خطوط الإنتاج في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة والدفاع.

ولم ينفصل التصعيد الاقتصادي عن التوتر السياسي، إذ أعلن ترامب أنه سيناقش مع نظيره الصيني شي جين بينغ في قمة “أبيك” (التي تنعقد في كوريا الجنوبية من اليوم الثلاثاء إلى الخميس) مسألة “الطموحات الإقليمية الصينية بشأن تايوان.

ويُتوقع أن تستخدم الصين أدواتها الاقتصادية كورقة ضغط في أي تفاوض سياسي محتمل حول الجزيرة، في حين تسعى واشنطن إلى توظيف العقوبات التجارية لكبح نفوذ بكين في بحر الصين الجنوبي وفي الموانئ الحيوية حول العالم، بما في ذلك قرب قناة بنما.

تكدّس السفن أمام موانئ الصين

تغيرت معادلة التجارة البحرية بعد أن فرضت بكين رسوماً إضافية على السفن المرتبطة بالولايات المتحدة، وردت واشنطن بفرض عقوبات على محطة نفط صينية رئيسية في مدينة ريتشاو شرق البلاد، في إطار حملة أمريكية أوسع لتعطيل تدفق النفط الإيراني إلى الصين.

بيانات منصة “كبلر” التي تتبَّعها “بقش” تُظهر في آخر التحديثات أنّ متوسط أوقات انتظار ناقلات السلع في الموانئ الصينية ارتفع إلى 2.66 يوم خلال الأسبوع المنتهي في 19 أكتوبر، بزيادة 17% عن الأسبوع السابق، وهي أطول فترة تسجَّل منذ بداية العام.

وفي موانئ النفط تحديداً، بلغ متوسط الانتظار في ميناء دونغجياكو 2.79 يوم، وفي ميناء يانتاي 2.7 يوم مقارنة بـ1.8 يوم فقط في الأسبوع السابق.

ويعكس هذا التكدس اضطراباً واضحاً في سلاسل الإمداد العالمية، لاسيما أن الصين تُعتبر أكبر مستورد للسلع الأساسية في العالم، وأي اختناقات في موانئها يمكن أن تمتد آثارها إلى مختلف الأسواق، من النفط الخام إلى خام الحديد والحبوب.

ماذا بعد؟

يوحي التصعيد الراهن بأن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين خرجت من نطاق الرسوم الجمركية التقليدية إلى مواجهة استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل النقل البحري والطاقة والمعادن والتكنولوجيا.

وعلى المدى القريب يُقرأ الوضع بأنه سيؤدي إلى اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية، فاستمرار التكدس في الموانئ الصينية سيؤخر تسليم الشحنات ويزيد كلفة النقل، ما سينعكس على أسعار السلع والطاقة عالمياً، وقد يلقي ذلك بظلاله على الاقتصاد العالمي ككل عبر موجة تضخمية جديدة.

كما يهدد التصعيد بارتفاع تكاليف الشحن وأسعار النفط، مع زيادة رسوم الموانئ الصينية وتباطؤ حركة السفن، وستتجه شركات الشحن إلى فرض رسوم إضافية على العملاء، ما سيرفع أسعار النفط والسلع الأساسية.

ويشير ذلك إلى تحول جغرافي في مسارات التجارة، فقد تبدأ بعض الدول والشركات بتحويل مساراتها التجارية نحو موانئ بديلة في فيتنام أو ماليزيا أو الهند لتجنب الموانئ الصينية، ما قد يعيد رسم خريطة التجارة البحرية في آسيا.

وحسب قراءات بقش فإن استمرار التوتر دون حلول دبلوماسية قد يؤدي إلى ركود تجاري عالمي، ويضغط على عملات الأسواق الناشئة، ويُضعف الثقة في استقرار سلاسل الإمداد خاصة في قطاع الطاقة.

فالصراع التجاري بين واشنطن وبكين يؤكد أن أدوات الصراع الجيوسياسي الشامل تمسّ التجارة العالمية وأمن الطاقة وسلاسل التوريد والتوازنات الإقليمية في آسيا، ويبدو أن العالم مقبل على مرحلة جديدة من إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية الدولية، حيث يسعى الطرفان لفرض رؤيتهما على قواعد التجارة العالمية، في مواجهة قد تمتد آثارها إلى كل ميناء وسفينة في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش