
تقارير | بقش
في حين تشتد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، تعاني الأخيرة من انعكاسات اقتصادية خطيرة تمس بشكل مباشر الأفراد الإسرائيليين الذين باتوا يصارعون أسعاراً باهظة للغاية لأبسط المتطلبات اليومية، إضافة إلى الاستغلال التجاري الواضح لوضع الحرب وإغلاق العديد من المتاجر ومراكز التسوق.
وتشير البيانات التي يتتبعها مرصد “بقش” إلى أن اقتصاد إسرائيل يعيش حالة من الشلل، إذ أغلقت المتاجر وتم تسجيل أضرار مباشرة على الجبهة الداخلية، بينما تُقدَّر خسائر الإغلاق الاقتصادي اليومي بمليار شيكل (أكثر من 286 مليون دولار) في اليوم الواحد.
وفي التقارير التي اطلع عليها بقش يتكشف أن الأسعار في إسرائيل زادت بنسبة 150% فأكثر، وفق استطلاع إسرائيلي حديث تتبع 260 منتجاً في سلاسل البيع بالتجزئة. وارتفعت السلة العامة بين 0.63% و2.09% في معظم السلاسل، فمثلاً زادت أسعار الدجاج الطازج في إسرائيل بأكثر من 25% مقارنةً بما قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران يوم الجمعة الماضي، وهو ما يعبر عن تضخم هائل يأخذ في التصاعد على حساب المستهلكين الذين سارعوا إلى تموين أنفسهم من الغذاء فور اندلاع الحرب.
كما يعبّر الارتفاع الحاد في الأسعار، بما فيها أسعار الخضروات الهامة، ليس فقط عن المشاكل اللوجستية فحسب، بل أيضاً عن أنماط الشراء التي يحفزها الخوف من النقص، وتقول صحيفة “معاريف” العبرية عن ذلك إن المستهلك الإسرائيلي لعام 2025 مر بالعديد من الأزمات ويجد نفسه يتعامل مع عدم اليقين، في واقع من عدم الاستقرار المستمر.
وما يزيد من الأعباء المعيشية أن الشيكل بات في وضع لا يحسد عليه، حيث تتزايد الضغوط على العملة الإسرائيلية التي تراجعت بشكل ملحوظ أمام الدولار خلال الأيام الأولى من المواجهة. وتشير مراجعات بقش إلى أن الشيكل منذ نوفمبر 2023 حتى مايو الماضي تم تداوله في نطاق يتراوح بين 3.53 و3.85 شياكل للدولار.
عبء ارتفاع التضخم
وقبل اندلاع المواجهة مع إيران، ظلت الأسعار كابوساً بالنسبة للإسرائيليين. وفي أبريل الماضي ارتفعت معدلات التضخم السنوي في إسرائيل إلى 3.6% مقابل 3.3% في مارس السابق، بحسب البيانات الرسمية، وقفزت على نحو كبير أسعار المواد الغذائية لتفوق الأجور، وسط عدم فعالية ضبط الأسعار الحكومية.
وقد رفعت أكبر الشركات المصنعة للأغذية في إسرائيل الأسعار، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بوتيرة أسرع من أسعار المساكن ومؤشر أسعار المستهلك، وألقى مسؤولون في حكومة نتنياهو باللوم على مشكلات الإمداد المتعلقة بالحرب على غزة في ارتفاع معدل التضخم، رغم تراجع الضغوط السعرية على مستوى العالم.
هذا وارتفعت أسعار المواد الغذائية في إسرائيل بنسبة تتراوح بين 3% و6% خلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط من الحرب الإسرائيلية على غزة، نتيجة لانخفاض حاد في عدد العاملين في الصناعات الغذائية، وتقليص الإنتاج في المصانع بأكثر من النصف مقارنةً بما قبل الحرب.
خسائر إسرائيلية هائلة
مع تصاعد الحرب، تتكبد إسرائيل في اليوم الواحد أكثر من 733 مليون دولار في مواجهتها مع إيران، وفق ما ذكرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية في بداية هذا الأسبوع، ما يعني أن استمرار العمليات حتى اليوم كلّف إسرائيل خسائر قدرها 4 مليارات دولار، منها 1.54 مليار دولار تكاليف اليومين الأولين فقط دون احتساب الأضرار في الممتلكات المدنية.
وبلغت تكلفة العمليات الهجومية وحدها، بما في ذلك الغارات الجوية الأولية وساعات الطيران والذخائر، نحو 593 مليون دولار، أما إجراءات الدفاع بما في ذلك اعتراض الصواريخ والنشر السريع لقوات الاحتياط، فقد شكلت باقي المبلغ.
في هذا المشهد، وبينما يعاني المستهلك الإسرائيلي من ارتفاع خانق في الأسعار، تغيب خطة واضحة لتمويل الحرب الحالية، فالعجز المعلن في الموازنة العامة (بنسبة 4.9%) لا يعكس الحجم الحقيقي للتكاليف، خاصة مع استبعاد نفقات الحرب مع إيران من الحسابات الرسمية، وهو ما يُوصف بأنه “وهم مالي”.
وفي حين يشكو الإسرائيليون من أن حياتهم أصبحت معقدة، يتم التهام الجزء الأكبر من الموازنة لصالح “نفقات الأمن”، مقابل التقشف في قطاعات التعليم والصحة والخدمة الاجتماعية.
وتحذر صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية في تقرير اطلع عليه بقش من تفاقم الأزمة المالية في ظل غياب خطة لتمويل الحرب، وتؤكد أن استمرار العمليات العسكرية، لا سيما في غزة، سيؤدي إلى تصاعد العجز وتضخم الدين العام، ما يهدد بخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، وبالتالي سيصعب الاقتراض وتتراجع ثقة المستثمرين الدوليين.
ويرزح الإسرائيليون تحت ضغط التكاليف المتزايدة، ويقولون عبر وسائل إعلامهم إنهم لا يمكنهم قبول الصمت الحكومي عن معاناتهم وعدم اتخاذ إجراءات فعلية لتخفيض الأسعار، في حين يرى البعض أن الحكومة الإسرائيلية أدخلت مواطنيها في خندق جديد غير محسوب بعد شنها هجوماً على إيران وفتحها حرباً تزيد من التحديات الاقتصادية والمعيشية المتراكمة بالأساس منذ بداية الحرب على غزة.