الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الخطوة الأولى من نوعها في تاريخ النزاعات.. أوروبا تلجأ إلى الأصول الروسية لتمويل أوكرانيا

الاقتصاد العالمي | بقش

في خطوة تزيد من تعقيد الموقف مع روسيا، توصّل وزراء مالية الاتحاد الأوروبي نهاية الأسبوع الماضي إلى اتفاق على أن الخيار الأكثر فعالية لدعم أوكرانيا خلال عامي 2026 و2027 هو استخدام ما يعرف بـ”قرض التعويضات” المعتمد على الأصول الروسية المجمدة داخل دول الاتحاد.

هذا القرار يأتي وسط استمرار الحرب الأوكرانية، وارتفاع الحاجة إلى تمويل عاجل لدعم الاقتصاد الأوكراني والبنية التحتية المتضررة، دون أن يثقل كاهل ميزانيات الدول الأوروبية بأعباء ديون جديدة.

وفق اطلاع مرصد “بقش”، ناقش الاتحاد الأوروبي ثلاثة خيارات رئيسية لدعم كييف، الأول هو الاقتراض المركزي للاتحاد الأوروبي، أي اقتراض الاتحاد مبالغ تغطي احتياجات أوكرانيا، مقابل ضمانات الميزانية طويلة الأجل.

والخيار الثاني هو الاقتراض الفردي لكل دولة عضو، حيث تقترض كل دولة بمفردها ثم تقدم منحاً لأوكرانيا، أما الثالث فقرض التعويضات المرتبط بالأصول الروسية المجمدة، وهو الخيار الذي حاز على تأييد وزراء المالية، ويعتمد على الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي في الاتحاد الأوروبي، بحيث تُحوَّل هذه الأموال إلى كييف، وتُسدد فقط في حال حصول أوكرانيا على تعويضات رسمية من روسيا بعد انتهاء الحرب.

المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قالت إن خيار “قرض التعويضات” يعد أكثر واقعية وفعالية، إذ يحقق التوازن بين دعم أوكرانيا وتخفيف الأعباء المالية على ميزانيات الدول الأوروبية.

وبدورها رأت وزيرة الاقتصاد الدنماركية، ستيفاني لوس، أن هذا الخيار يجب أن يُعطى أولوية قصوى، لأنه يتيح تقديم ما يصل إلى 140 مليار يورو (163.3 مليار دولار) على مدى عامين، وهو ما يغطي معظم احتياجات كييف المالية بحسب التقديرات الأوروبية.

أبعاد قانونية وجدل دولي

اعتماد هذا الخيار يحمل آثاراً مالية وسياسية متعددة، فعلى الصعيد المالي يتيح للاتحاد الأوروبي تقديم دعم كبير دون اللجوء إلى اقتراض إضافي أو رفع الضرائب، ما يحافظ على استقرار ميزانيات الدول الأعضاء، واقتصادياً يوفر تدفقاً نقدياً مباشراً لأوكرانيا، مما يدعم استقرار العملة، وتمويل إعادة الإعمار، ودفع الرواتب والخدمات الأساسية، ويعزز قدرة الحكومة الأوكرانية على إدارة الاقتصاد في فترة الحرب.

ورغم المزايا الاقتصادية والسياسية، يثير استخدام الأصول الروسية المجمدة تساؤلات قانونية كبيرة، فالكرملين الروسي يؤكد أن تحويل الأصول الروسية المجمدة إلى تمويل أوكرانيا يمثل “استيلاءً غير قانوني” على ممتلكات الدولة الروسية، وهو ما يفتح الباب أمام نزاعات قانونية محتملة أمام المحاكم الدولية، خصوصاً في ما يتعلق بحقوق الملكية السيادية للأصول المجمدة.

وتعتمد العملية على التفسيرات القانونية حول ما إذا كانت الأصول المجمدة تحت سيطرة الدول الأوروبية يمكن استخدامها كأداة ضغط أو تحويلها إلى قروض أو منح لدول ثالثة.

خطوة غير مسبوقة وتصعيد روسي قادم

يعتقد الاتحاد الأوروبي أن استخدام هذه الأصول ضمن “قرض التعويضات” يحافظ على حقوق الأطراف، إذ تُسدد فقط عند حصول أوكرانيا على تعويضات، ما يعطي بعداً قانونياً تحوطياً يحد من المخاطر المباشرة.

ولا توجد سوابق واضحة ومباشرة على استخدام أصول دولة مجمدة كوسيلة تمويل لدولة ثالثة في سياق نزاع مسلح، مما يجعل هذا القرار فريداً وقد يفتح نقاشات قانونية مستمرة على مدى السنوات المقبلة.

وقد تؤدي هذه الخطوة إلى تصعيد سياسي أو اقتصادي من جانب روسيا، بما في ذلك مقاضاة الدول الأوروبية أو فرض عقوبات مضادة على الأصول الأوروبية في روسيا.

وقد يخلق هذا القرار سابقة جديدة في التعامل مع الأصول المجمدة، مما قد يؤثر على استقرار النظام المالي الدولي ويطرح أسئلة حول حماية ممتلكات الدول في النزاعات المستقبلية.

كما أن الخطوة تواجه تعقيدات في تنفيذها، فعملية تقييم الأصول، وضمان عدم انتهاك القوانين الدولية، وتحويل الأموال بشكل رسمي وآمن إلى كييف، تشكل تحدياً لوجستياً وقانونياً.

بالنتيجة، تحمل الخطوة الأوروبية مخاطر قانونية وسياسية كبيرة، وتثير نزاعات دولية محتملة على مدى السنوات القادمة، وبينما يمثل الخيار الأوروبي فرصة لتقديم دعم مالي مستدام لأوكرانيا دون زيادة الديون، فإنه يضع الدول الأوروبية أمام اختبار حقيقي لمدى قدرتها على مواجهة التحديات القانونية والدبلوماسية مع الروس.

زر الذهاب إلى الأعلى