الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

“الدفع بالريال السعودي فقط”: تجار في عدن يتخلون عن العملة المحلية لسداد الديون

في مؤشر خطير على مدى تآكل الثقة بالعملة الوطنية وتسارع الانهيار الاقتصادي في عدن، أقدمت عدد من المحال التجارية على اتخاذ خطوة غير مسبوقة باشتراط سداد الديون المتراكمة على زبائنها بالريال السعودي حصراً، متخلية بذلك عن الريال اليمني الذي يواصل سقوطه التاريخي.

وتداول ناشطون صوراً لإعلان خطي وُضع على واجهة إحدى البقالات التجارية المعروفة في عدن، ينص بوضوح على أن “سداد الديون القديمة سيكون بالريال السعودي ابتداءً من تاريخ 01 مايو 2025” وفق متابعات بقش، وعزا الإعلان هذا القرار الصادم إلى “عدم استقرار العملة” المحلية، وهو ما يعكس المخاوف المتزايدة لدى التجار من تكبد خسائر فادحة ومتلاحقة نتيجة التذبذب العنيف والمستمر في سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

هذه الخطوة، التي قد تبدو محدودة في نطاقها حالياً، تمثل تحولاً رمزياً كبيراً، إذ تُعد بمثابة “تصويت بحجب الثقة” عن العملة الوطنية من قِبل جزء من القطاع التجاري نفسه.

ويرى مراقبون أن هذا الإجراء، وإن كان يهدف لحماية رؤوس أموال التجار في المدى القصير، إلا أنه يفاقم حالة الارتباك المالي السائدة أصلاً في أسواق عدن، ويزيد من صعوبة التعاملات اليومية للمواطنين الذين يتقاضون أجورهم -إن وجدت- بالعملة المحلية المتدهورة.

ويأتي هذا التطور الصادم وسط غياب شبه تام لأي تدخلات حقيقية أو سياسات فعالة من قبل البنك المركزي اليمني في عدن أو السلطات الحكومية المعنية لكبح جماح تدهور العملة، أو على الأقل تنظيم السوق وضبط المضاربات.

هذا الفراغ في السياسة النقدية والرقابية يترك التجار والمواطنين على حد سواء تحت رحمة تقلبات السوق الجامحة، ويدفع نحو اتخاذ إجراءات فردية يائسة كهذه، قد تكون لها تداعيات أوسع على استقرار التعاملات التجارية وثقة المستهلك.

الريال يواصل الانهيار ويلامس 2600 للدولار

قرار بعض تجار عدن باشتراط السداد بالريال السعودي ليس إلا عرضاً من أعراض مرض أعمق وأخطر، هو الانهيار المتواصل والمخيف للعملة الوطنية. فوفقاً لمتابعات ورصد المرصد الاقتصادي بقش لأسواق الصرف خلال الأيام القليلة الماضية، واصل الريال اليمني تدهوره بشكل متسارع في عدن والمناطق المجاورة، ليكسر حاجزاً جديداً ويقترب سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد من 2594 ريالاً في تعاملات السوق السوداء اليوم الخميس.

ويُمثل هذا المستوى السعري المنخفض تاريخياً تدهوراً إضافياً حاداً خلال فترة زمنية قصيرة، مما يؤكد أن العملة دخلت في دوامة من السقوط الحر. وتشير بيانات بقش وتحليلاته السابقة إلى أن هذا الانهيار المتسارع يعود لمزيج من العوامل، أبرزها استمرار استنزاف ما تبقى من احتياطيات شحيحة من النقد الأجنبي لدى بنك عدن المركزي، وعدم وصول ودائع أو دعم مالي خارجي مؤثر، بالإضافة إلى استمرار الانقسام النقدي والمؤسسي، والآثار المدمرة للحرب على كافة قطاعات الاقتصاد، فضلاً عن عمليات المضاربة الواسعة على العملة في ظل غياب الرقابة.

تداعيات هذا الانهيار المستمر في قيمة العملة كارثية على حياة المواطنين اليومية، فكل هبوط جديد في سعر الريال يُترجم فوراً إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، خاصة المستوردة منها كالقمح والأرز والزيت والسكر والأدوية والوقود. وقد أدى ذلك إلى تآكل شبه كامل للقدرة الشرائية للمواطنين، ودفع بملايين إضافية تحت خط الفقر، وجعل تأمين أبسط مقومات الحياة تحدياً يومياً لا يطاق بالنسبة لغالبية الأسر اليمنية في هذه المناطق.

ويُفسر هذا الواقع المأساوي لجوء بعض التجار إلى طلب السداد بعملة أجنبية أكثر استقراراً مثل الريال السعودي. فهذه الخطوة، وإن كانت تعبر عن يأس وفقدان ثقة، تُعتبر شكلاً من أشكال “الدولرة” أو “الريالية” العفوية للسوق، حيث تحاول الفعاليات الاقتصادية حماية نفسها من انهيار العملة المحلية.

لكن هذه الظاهرة، في حال اتساعها، ستزيد من تعقيد المشهد النقدي، وتُضعف ما تبقى من سيادة للعملة الوطنية، وتخلق اقتصاداً مشوهاً يزداد فيه الانقسام بين قلة تملك العملة الصعبة وأغلبية ساحقة تتعامل بالريال المتهاوي.

ويقف قرار تجار عدن كجرس إنذار صارخ، يكشف حجم الكارثة النقدية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، ويُسلط الضوء على العواقب الوخيمة لانهيار العملة المستمر وفشل السلطات في إيجاد أي حلول ناجعة. وتبقى الحاجة ماسة وعاجلة لتدخلات اقتصادية ونقدية جادة وحاسمة لوقف هذا النزيف، قبل أن ينزلق الوضع نحو فوضى اقتصادية واجتماعية شاملة يصعب السيطرة عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش