الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الدولار الأمريكي في أسوأ حالاته منذ 40 سنة.. لهذه الأسباب تهتز مكانة العملة الاحتياطية العالمية

الاقتصاد العالمي | بقش

تؤكد المؤشرات التي يتتبعها مرصد “بقش” أن الدولار يعاني من أسوأ أداء له منذ 40 عاماً، بفعل العديد من العوامل المؤثرة على العملة الاحتياطية العالمية.

وفي الوقت الراهن، يندفع البنوك والمستثمرون إلى تخزين الذهب كملاذ آمن هرباً من الدولار، وحسب تقرير حديث لصحيفة “فاينانشال تايمز” واستطلاع لمجلس الذهب العالمي، فإن 95% من البنوك المركزية المشاركة في الاستطلاع أعربت عن نيتها مواصلة شراء الذهب خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وهي النسبة الأعلى منذ بدء الاستطلاع في عام 2018، وسط تصاعد المخاطر الجيوسياسية، وتزايد استخدام الدولار كسلاح في العقوبات الاقتصادية الغربية، إلى جانب القلق المتزايد من استقرار الدولار ومصداقيته كملاذ مالي عالمي.

وعلى سبيل المثال، بدأت دول مثل الهند ونيجيريا باستعادة كميات من احتياطياتها الذهبية المودعة في لندن أو نيويورك، لتخزينها محلياً، في خطوة تعزز سيادتها المالية وتقلل اعتمادها على الأنظمة الغربية، وهو ما طرح تكهنات بأن العالم مقبل على مرحلة جديدة من نظام نقدي عالمي متغير، يخفت فيه بريق الدولار لصالح الذهب.

لماذا تتراجع مكانة الدولار؟

بعد نحو 80 عاماً من هيمنة الدولار، التي بدأت عقب الحرب العالمية الثانية عندما كانت أوروبا منهكة بفعل الحرب واضطرت لربط عملاتها بالدولار والذهب، بدأت مكانة الدولار تتراجع مع اهتزاز ركائز الاقتصاد الأمريكي.

فالاقتصاد الأمريكي يعاني من اختلالات في بنية الاقتصاد وقوة الدولار بفعل ضعف القطاعين الخاص والخدمي وتراجع الاستهلاك الذي يمثل بالأساس 68.8% من الناتج المحلي الإجمالي (أي نحو 20.1 تريليون دولار)، وهو ما ينفقه الأفراد على السلع والخدمات في الولايات المتحدة، كمحرك هو الأهم للاقتصاد.

كما أن الاضطرابات السياسية وتآكل الثقة بالمؤسسات الأمريكية يؤدي إلى تفاقم اهتزاز الدولار، حيث إن من ركائز قوة الدولار الثقة الكبيرة بالمؤسسات الديمقراطية واستقلالية النظام المالي، واحترام القانون. ومع دخول العام الجاري دخلت أمريكا منعطفاً سياسياً حاداً وسط تصاعد الاستقطاب الداخلي وتنامي نفوذ التيار الشعبوي بقيادة ترامب الذي صعد إلى الرئاسة مجدداً في يناير 2025.

وقد شنت إدارة ترامب حملة تشكيك واسعة في مؤسسات الدولة الأمريكية، وهاجمت المحاكم الأمريكية ووسائل الإعلام، وفصلت عدداً كبيراً من الموظفين في الوكالات الهامة، وفي الأشهر الأولى من رئاسة ترامب تم تسريح نحو 260 ألف موظف حكومي، وهو ما يعادل 10% من العاملين في القطاع الحكومي المدني، وذلك أثار قلقاً واسعاً بشأن كفاءة هذه المؤسسات.

كما ضغط ترامب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” لخفض أسعار الفائدة، متجاوزاً مبدأ الاستقلالية النقدية الذي طالما شكّل ركيزة للثقة بالدولار، وهو ما اعتبره المستثمرون تجاوزاً لخط أحمر يمس مصداقية العملة الاحتياطية العالمية.

وهناك عوامل أخرى لتهاوي الدولار، مثل العجز المالي والدين المرتفع. فأمريكا تواجه هذا العام أزمة دين خطيرة، إذ تجاوز الدين العام 37 تريليون دولار. وباطلاع بقش على البيانات يتضح أن الإيرادات الحكومية بلغت 5 تريليونات دولار، بينما وصل الإنفاق إلى 7 تريليونات دولار، ما يعني أن هناك اعتماداً متزايداً على الاقتراض.

وتستند الدولة الأمريكية إلى الضرائب في تمويل 99% من إيراداتها، لأن ضرائب الدخل الفردي تشكل قرابة 2.4 تريليون دولار (49% من الإيرادات)، وتليها ضرائب الرواتب بـ1.7 تريليون (35%)، ثم ضرائب دخل الشركات بـ530 مليار دولار (11%)، لكن رغم هذه الإيرادات الضريبية فإن الدولة تنفق نحو 25% منها على سداد فوائد الدين، التي تجاوزت 1.2 تريليون دولار سنوياً.

وازداد الوضع حرجاً بعد أن خفضت وكالات التصنيف الائتماني التصنيف السيادي للولايات المتحدة في مايو الماضي، بسبب العجز المزمن وغياب خطة واضحة لضبط الإنفاق. ومثل هذه المؤشرات لا تهدد فقط بتآكل الاستقرار المالي، بل تضع ثقة الأسواق العالمية في الدولار على المحك.

كما أن هناك عاملاً مهماً لتراجع مكانة الدولار، وهو أن أمريكا لا تحترم التحالفات العميقة مع الدول، حيث تستخدم أدواتها المالية والتكنولوجية كسلاح لمعاقبة الدول غير المتماشية مع توجهاتها، بما في ذلك أقرب الحلفاء في أوروبا، ويؤدي تسييس المنظومة المالية إلى اضطرار الدول لإعادة تقييم الاعتماد على الدولار، وجدوى العلاقة الاقتصادية مع الولايات المتحدة.

وبالفعل قامت دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وتايلاند وماليزيا بتسوية معاملاتها التجارية بالعملات المحلية، لتقليل مخاطر تقلبات الدولار، وقامت البرازيل بإطلاق مشروع نظام مدفوعات بديل ضمن تحالف “بريكس” لتقليص الاعتماد على الدولار وتعزيز التعاون بين دول الجنوب بحسب تقارير “بقش”، كما وسعت روسيا استخدام الروبل واليوان الصين في التجارة مع بكين، لتصل إلى نحو 45% من إجمالي التبادلات، بعد أن طورت نظام تحويلات بديلاً عقب استبعادها من المنظومة المالية الغربية.

وتكشف بيانات السوق معاناة يعيشها الدولار، فحتى منتصف عام 2025 خسر الدولار الأمريكي 10% من قيمته، وهي أكبر خسارة له منذ عام 1986، أي منذ 40 سنة عندما كانت أمريكا تحاول تقليل قيمة الدولار بعد اتفاقية بلازا لخفض قيمة الدولار أمام الين الياباني والمارك الألماني من خلال التدخل في أسواق الصرف.

كما عمد المستثمرون الأوروبيون إلى التحوط، حيث بدأت صناديق التقاعد في الدنمارك وهولندا بخفض تعرّضها للدولار منذ بداية هذا العام، وتقلصت نسبة الأصول المقومة بالدولار من 23% إلى 20% من إجمالي محافظها الاستثمارية. ووفق تقديرات راجعها بقش من بنك “بي إن بي باريبا”، فإن صناديق التقاعد خارج منطقة اليورو، خصوصاً في الدنمارك، قلصت استثماراتها المقومة بالدولار بمقدار 37 مليار دولار منذ بداية هذا العام.

الخلاصة هي أن الدولار يبدو مثل المرآة المنكشفة للسياسات الأمريكية المتهورة التي تؤدي إلى تقويض قيمة ومكانة العملة الدولية الآخذة في التراجع دون أدنى مراجعة للسياسات الخارجية التي تسببت في إحداث هذه التغيرات الهائلة، في الوقت الذي تسعى فيه تحالفات دولية في المقابل، بقيادة الصين وروسيا، إلى إحداث نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تكون فيه هيمنة الدولار شيئاً من الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش