الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الرسوم الأمريكية تهز الاقتصاد الدولي: تباطؤ صناعي وتوتر تجاري يمتد من أوروبا إلى آسيا

الاقتصاد العالمي | بقش

تشهد الاقتصادات الصناعية الكبرى مرحلة حساسة، بعدما كشفت بيانات أكتوبر أن المصانع في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا تتعرض لضغوط متزايدة نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إضافة إلى ضعف الطلب العالمي. هذه السياسات التي أعادت تشكيل خارطة التجارة دفعت الشركات إلى إعادة تقييم خطوط الإنتاج والتكاليف، وسط تراجع الصفقات وتعثر سلاسل التوريد.

المؤشرات الصناعية، وفي مقدمتها مؤشر مديري المشتريات، أظهرت ضعفاً واضحاً في القطاعات التصنيعية، مع انكماش النشاط في عدد من الاقتصادات الكبرى، وتراجع الطلبيات، وتزايد حالة القلق لدى المصنعين تجاه المستقبل. هذا التراجع لا يعكس فقط تأثير الرسوم الحالية، بل أيضاً التوتر النفسي في الأسواق وتراجع شهية الاستثمار في التوسعات.

في الولايات المتحدة، فقدت الصناعة الأمريكية ثقتها بزخم التصنيع الداخلي، مع استمرار الانكماش للشهر الثامن على التوالي وفق متابعات مرصد “بقش”. وتحدّث مصنعون عن ارتباك في تسعير المواد الخام وصعوبة التنبؤ بالتكاليف المستقبلية، ما يجعل خطط التوسع موضع مراجعة وتأجيل.

رسالة الأسواق واضحة: الحرب التجارية التي أعيد إشعالها لا تمر دون كلفة، والأسواق العالمية باتت تتحرك بحذر تحت وطأة السياسة التجارية الأمريكية الجديدة.

أوروبا.. بين رهانات التعافي وخيبة البيانات

انعكست تداعيات السياسات الأمريكية على أوروبا، حيث سجلت منطقة اليورو أداءً ضعيفاً في النشاط الصناعي خلال الشهر الماضي. الطلبيات الجديدة ثبتت عند مستويات منخفضة، والعمالة في المصانع تراجعت، بينما لم تعطِ أكبر اقتصادات المنطقة إشارات تعافٍ واضحة.

ألمانيا، المحرك الصناعي الأكبر في القارة، عادت إلى مسار التباطؤ بعد بوادر انتعاش محدودة. قطاعات الهندسة والميكانيكا و السيارات عانت من انخفاض الطلبيات، ما أكد هشاشة التعافي الصناعي رغم الدعم الحكومي وبرامج التحفيز. فرنسا وإيطاليا أظهرتا أداءً ضعيفاً كذلك، في حين كانت إسبانيا الاستثناء الوحيد بنمو متواضع في الصناعة مقارنة بشهر سبتمبر.

تقارير المؤسسات الأوروبية التي تتبَّعها بقش، بما فيها تقديرات “أكسفورد إيكونوميكس”، تشير إلى أن النمو الحالي يعتمد أكثر على الطلب المحلي، بينما تواصل الطلبيات الخارجية إرسال إشارات سلبية. بعبارة أخرى، التأثير الأكبر يأتي من الخارج، وتحديداً من السوق الأمريكية وتباطؤ آسيا.

النتيجة: أوروبا لا تزال في منطقة رمادية بين تباطؤ لا يتحول إلى ركود كامل ونمو لا يكفي لاستعادة الزخم.

آسيا في حالة ترقب.. مكاسب محدودة وهواجس أكبر

في آسيا، التي تشكل حجر الأساس لسلاسل التوريد العالمية، بدا المزاج الصناعي أقل تفاؤلاً مما كان عليه في منتصف العام. الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سجلت نمواً أبطأ في نشاط المصانع، بينما تراجعت طلبات التصدير، في إشارة إلى أن المستهلك الأمريكي لم يعد المحرك الذي كان عليه قبل جولات الرسوم.

كوريا الجنوبية، بدورها، شهدت تراجعاً في القطاع الصناعي، مع انكماش في الطلبيات الخارجية. ورغم نجاح بعض الشركات في تأمين صفقات قصيرة الأجل بعد زيارة ترمب الأخيرة للمنطقة، إلا أن الحذر ما يزال سيد الموقف.

تقرير “كابيتال إيكونوميكس” أشار إلى فقدان الصين لجزء من زخمها الصناعي بعد موجة تصدير سبقت الرسوم الأمريكية، ما يحد من تأثير الاتفاق التجاري الأخير بين واشنطن وبكين. الرسالة الأساسية في آسيا تبدو واضحة: المخاطر التجارية مستمرة، والطلب الأمريكي لم يعد صمام أمان كما كان.

الاقتصاد العالمي أمام اختبار سياسة القوة

تتضح صورة مشهد عالمي يصارع لتحقيق توازن بين حماية الصناعات المحلية و الحفاظ على انسياب التجارة الدولية. الرسوم الأمريكية فتحت باباً جديداً من التحديات أمام الشركات الصناعية التي تجد نفسها اليوم بين مطرقة ارتفاع التكلفة وسندان تراجع الطلب.

وفي حين تراهن بعض الاقتصادات على تعويض الإنتاج وتعزيز التصنيع المحلي وفق اطلاع بقش، فإن سلاسل التوريد العابرة للقارات لا تتكيف بنفس السرعة، ما يضع النمو العالمي في دائرة التباطؤ المقلق. المستثمرون، من جانبهم، باتوا أكثر حذراً، والبنوك المركزية تتابع التطورات بحذر وسط نقاشات حول استمرار دعم السيولة وتخفيف السياسات في حال تطورت الأزمة.

في النهاية، يبدو أن سياسات واشنطن التجارية لا تختبر فقط خصومها الاقتصاديين، بل تختبر أيضاً قدرة العالم على تحمل موجة جديدة من الحمائية قد تعيد تشكيل قواعد التجارة لعقد قادم.

زر الذهاب إلى الأعلى