الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

الرياض توقف سباق الإيجارات بخطوة غير مسبوقة

الاقتصاد العربي | بقش

أقرّ مجلس الوزراء السعودي قراراً يمنع زيادة الإيجارات السنوية على العقارات السكنية والتجارية في مدينة الرياض لمدة خمس سنوات، سواء على العقود الجديدة أو القائمة، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة تهدف إلى كبح جماح الأسعار وإعادة التوازن إلى سوق العقارات.

القرار الذي دخل حيّز التنفيذ فوراً جاء بتوجيه مباشر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويُنظر إليه كأداة لضبط واحدة من أكثر الأزمات إلحاحاً التي أثرت على تكلفة المعيشة في العاصمة السعودية خلال السنوات الأخيرة.

الخطوة تأتي في إطار حزمة من الإجراءات التنظيمية الأوسع التي تستهدف معالجة التشوهات في سوق العقار، والذي شهد تضخماً متسارعاً في أسعار الإيجارات خلال الفترة ما بين 2022 و2024، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 25% وفق بيانات رسمية جمعها بقش.

ولم يقتصر الارتفاع على الرياض، لكنه كان أكثر وضوحاً في العاصمة بسبب النمو السكاني المتسارع، وتزايد تدفقات العمالة الوافدة، وتوسع الأنشطة التجارية المرتبطة برؤية المملكة 2030.

وحسب متابعات بقش، فإن القرار يمثل تحوّلاً في السياسة العقارية التي كانت تعتمد لسنوات طويلة على آليات السوق الحرة، لكنه اليوم يُعطي الدولة دوراً أكثر مباشرة في حماية المستأجرين وضمان استقرار السوق.

مواجهة الزيادات العشوائية وتأثير مباشر على المستأجرين والملاك

القرار الجديد يستند إلى توصيات الهيئة العامة للعقار والهيئة الملكية لمدينة الرياض بعد دراسة مطولة استمرت أكثر من عام، شملت تجارب دولية في تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وقد خلصت الدراسة إلى أن استمرار الفوضى في تسعير الإيجارات سيؤثر سلباً على جودة الحياة في العاصمة، ويهدد بتقليص جاذبية الرياض كوجهة استثمارية وسكنية.

في هذا السياق، ألزم القرار جميع الملاك بتوثيق عقود الإيجار في شبكة “إيجار” الحكومية، بحيث يتم تثبيت القيمة الإيجارية للعقود السارية، ولا يمكن للمؤجر رفعها إلا في حالات محددة مثل إجراء إصلاحات جوهرية في العقار أو إذا كان العقد قد أبرم قبل عام 2024. أما العقود الجديدة، فتُحدد قيمتها باتفاق الطرفين عند التوقيع، لكنها ستظل ثابتة طوال فترة السنوات الخمس المقبلة.

كما نص القرار على فرض غرامات صارمة على المخالفين تصل إلى قيمة الإيجار السنوي الكامل في حال زيادة القيمة دون وجه حق. هذه العقوبات، وفقاً لمصادر مطلعة، تهدف إلى ردع الممارسات العشوائية التي كانت شائعة، حيث كان بعض الملاك يرفعون الأسعار بنسبة تتجاوز 15% سنوياً من دون مبررات حقيقية.

من شأن تثبيت الإيجارات أن يمنح الأسر السعودية والمقيمين استقراراً أكبر في نفقاتهم الشهرية، خصوصاً أن استطلاعاً أجرته “نايت فرانك” أظهر أن 37% من المواطنين والمقيمين لا يستطيعون إنفاق أكثر من 40 ألف ريال سنوياً على السكن، وهو ما كان يضعهم في أزمة حقيقية داخل الرياض وجدة حسب اطلاع بقش.

لكن من جهة أخرى، يثير القرار بعض المخاوف لدى المستثمرين العقاريين الذين يعتبرون أن تثبيت الإيجارات قد يحد من العوائد المتوقعة على استثماراتهم، خصوصاً في المشاريع السكنية والتجارية الجديدة، ويمكن أن يُعالج هذا التحدي عبر حوافز موازية تقدمها الدولة للمطورين العقاريين، مثل تسهيلات التمويل وإعفاءات ضريبية.

رغم هذه المخاوف، فإن الحكومة تراهن على أن ضبط السوق سيخلق بيئة استثمارية أكثر أماناً على المدى الطويل، ما يشجع الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب على الدخول إلى السوق العقاري السعودي دون القلق من تقلبات الأسعار غير المنطقية.

رؤية 2030 وخفض التضخم

يرتبط القرار أيضاً بالجهود الحكومية للسيطرة على معدلات التضخم التي ارتفعت في المملكة خلال الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، إضافة إلى قفزات أسعار الإيجارات داخلياً. وتشير بيانات رسمية إلى أن الإيجارات شكلت ما يقرب من 30% من سلة التضخم في السعودية خلال 2024.

وحسب قراءة بقش، فإن تثبيت أسعار الإيجارات في الرياض لمدة خمس سنوات قد يسهم في خفض معدل التضخم السنوي بما يتراوح بين 1.5% و2%، وهو ما يخفف الضغط على السياسة النقدية للبنك المركزي السعودي الذي اضطر أكثر من مرة إلى رفع أسعار الفائدة لمجاراة الزيادات.

هذا التوجه يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030 الرامية إلى تحسين جودة الحياة في المدن الكبرى وجعل الرياض من بين أفضل 10 مدن في العالم من حيث القدرة على جذب الكفاءات والاستثمارات. ويُعتبر السكن أحد العناصر الأساسية لتحقيق هذا الهدف، ما يجعل القرار ذا أبعاد اقتصادية واستراتيجية تتجاوز كونه مجرد معالجة ظرفية لارتفاع الإيجارات.

تصف وكالة الأنباء السعودية القرار بأنه “خطوة محورية لإعادة التوازن إلى سوق الإيجارات السكنية والتجارية في مدينة الرياض، وترسيخ العدالة والشفافية في العلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر”.

وسيخضع القرار لمراجعة دورية خلال السنوات الخمس، مع احتمال تمديده أو توسيعه ليشمل مدناً أخرى مثل جدة والدمام في حال ثبت نجاحه في العاصمة. هذه الخطوة قد تؤسس لنظام وطني جديد ينظم العلاقة الإيجارية في المملكة كلها، بما يحد من التفاوت الكبير بين المناطق.

ويرى خبراء عقاريون أن تثبيت الأسعار سيجبر الملاك على التركيز على جودة البناء والصيانة كوسيلة لجذب المستأجرين، بدلاً من الاعتماد على زيادات عشوائية في القيمة الإيجارية. وهذا قد يؤدي على المدى المتوسط إلى تحسين نوعية العقارات المعروضة في السوق السعودي.

تحديات التطبيق والرقابة

رغم وضوح القرار، يظل التحدي الأكبر في آليات تطبيقه ومراقبته. فنجاح التجربة يعتمد على التزام جميع الأطراف بتوثيق العقود في “إيجار”، وعلى قدرة الهيئة العامة للعقار على فرض الغرامات بشكل فعّال.

بعض الملاك قد يلجأون إلى محاولات للتحايل عبر فرض رسوم إضافية أو تعديل شروط العقود بطرق غير مباشرة. لذلك، تؤكد المصادر أن الرقابة ستكون حاسمة، وأن الحكومة تعكف على إعداد منصات إلكترونية لتلقي الشكاوى والتعامل معها بسرعة.

كما أن تحديد الحالات الاستثنائية لزيادة الإيجار قد يثير جدلاً بين الملاك والمستأجرين، خصوصاً فيما يتعلق بالإصلاحات الجوهرية على العقارات أو العقود القديمة. ومع ذلك، تراهن الحكومة على أن النظام الجديد سيخلق ثقافة تعاقدية أكثر التزاماً بالقانون.

في النهاية، لا يقتصر تأثير القرار على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى البعد الاجتماعي. استقرار أسعار الإيجارات يعني استقرار الأسر، وتخفيف الضغوط عن الشباب المقبلين على الزواج أو الباحثين عن سكن في العاصمة، كما يعني تعزيز قدرة الأسر على التخطيط المالي طويل المدى.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش