الشركات الأمريكية تلهث وراء نفط باكستان بعد تصريحات ترامب عن “احتياطيات هائلة”

الاقتصاد العالمي | بقش
ما إن لمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي إلى أن باكستان تمتلك “احتياطيات نفط هائلة”، حتى تحولت أنظار الشركات الأمريكية بسرعة لقطاع الطاقة الباكستاني، في مشهد وصفه مراقبون بأنه مثال جديد على جشع واشنطن في مطاردة الفرص النفطية حول العالم، حتى لو كان الواقع أقل بكثير من الوعود.
القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في باكستان، ناتالي بيكر، لم تخفِ خلال اجتماعها مع وزير البترول علي برفيز مالك حجم الاهتمام الكبير من الشركات الأمريكية بقطاع النفط والغاز والمعادن في البلاد.
ووفق بيان رسمي اطلع عليه مرصد بقش، أكدت أن السفارة ستعمل على “تيسير الروابط المباشرة” بين المستثمرين الأمريكيين والباكستانيين، انسجاماً مع رؤية ترامب.
لكن خلف لغة التعاون، يرى خبراء أن هذه التحركات تعكس محاولة أمريكية لاستغلال أي نافذة لتحقيق مكاسب تجارية جديدة، خصوصاً في ظل الخلاف المتصاعد مع الهند بسبب اعتمادها على النفط الروسي، فبينما يهاجم ترامب نيودلهي ويهددها بعقوبات اقتصادية، يغازل إسلام آباد بوعود استثمارات، بل ألمح حتى إلى احتمال أن تبيع باكستان نفطها لجارتها في المستقبل.
احتياطيات مشكوك فيها
التقديرات الواقعية لا تدعم رواية ترامب، فوفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (2013) هناك نحو 9.1 مليار برميل من النفط الصخري القابل للاستخراج حسب قراءات بقش. غير أن محللين محليين مثل إقبال جاويد من شركة “عارف حبيب” يقدّرون الاحتياطيات عند نحو 238 مليون برميل فقط – رقم متواضع للغاية مقارنة بالسعودية أو روسيا أو حتى الولايات المتحدة نفسها.
ومع ذلك، يكفي مجرد تصريح سياسي من البيت الأبيض لإطلاق موجة اهتمام أمريكي، ما يعكس كيف تبني الشركات استراتيجياتها على خطاب سياسي عابر، أكثر من اعتمادها على أساسيات السوق أو البيانات الموثوقة.
في الواقع، لم يكن قطاع الطاقة الباكستاني بيئة جاذبة للاستثمار. فقد انسحبت شركات كبرى مثل “شل” (2023) و”توتال إنرجيز”، إلى جانب تخارج مؤسسة البترول الكويتية. كما أن محاولة “إيني” و”إكسون موبيل” استكشاف النفط البحري في 2019 انتهت بلا نتائج مهمة.
اليوم، وبينما يئن الاقتصاد الباكستاني تحت فاتورة استيراد نفط تبلغ 11 مليار دولار سنوياً – أي خمس إجمالي الواردات وفق البيانات التي جمعها بقش – تسعى واشنطن إلى الدخول مجدداً عبر بوابة الاستثمارات الجديدة. لكن منتقدين يعتبرون أن الشركات الأمريكية لا تبحث عن دعم باكستان بقدر ما تسعى للربح السريع والسيطرة على قطاع استراتيجي هشّ.
تحديات أمام “الصفقة”
أي دخول أمريكي جديد سيصطدم بتحديات متجذرة: ضعف البنية التحتية، نقص التكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى المخاطر الأمنية. ويشير تحليل لشبكة بلومبيرغ اطلع عليه بقش، إلى أن هذه العقبات هي السبب الحقيقي وراء عجز باكستان عن استغلال احتياطياتها، مؤكداً أن “لو كان الأمر سهلاً لرأينا باكستان أقل اعتماداً على الاستيراد، ولكان اللاعبون الكبار موجودين بالفعل”.
ومع ذلك، تبدو الشركات الأمريكية مستعدة لتجاوز هذه الحقائق، مدفوعة برغبة ترامب في إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية بما يخدم المصالح الأمريكية، حتى لو جاء ذلك على حساب استقرار الأسواق المحلية أو واقعية الأرقام.
دروس من الماضي: أطماع النفط في أبار العراق وليبيا
التجربة العراقية بعد 2003 تعطي صورة مشابهة. فبعد الغزو الأمريكي، اندفعت شركات النفط العملاقة – مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” – إلى مشاريع إنتاج النفط في البصرة وكردستان، في وقت كان البلد يغرق في الفوضى الأمنية والسياسية. ورغم الخطاب الرسمي عن “إعادة الإعمار”، كان الهدف الفعلي هو ضمان تدفق الخام إلى الأسواق العالمية بأسعار تنافسية.
في ليبيا أيضاً، ومع سقوط نظام القذافي عام 2011، تحولت البلاد إلى ميدان تنافس بين الشركات الغربية. فبينما عانت طرابلس من انقسام سياسي وحروب أهلية، ركزت الشركات على إعادة تشغيل الحقول الكبرى في الهلال النفطي، وتصدير الخام إلى أوروبا. وكما في العراق، لم تُترجم عوائد النفط إلى استقرار اقتصادي داخلي، بل زادت الفوضى نتيجة التدخلات الخارجية.
اليوم، يُحذّر خبراء من أن مشهد باكستان قد يكون إعادة إنتاج لنفس النمط: استخدام التصريحات السياسية لفتح شهية الشركات الأمريكية، بغض النظر عن واقعية الاحتياطيات أو جاهزية البنية التحتية. الهدف هو اقتناص الفرص وتأمين النفوذ، بينما تتحمل الدول المضيفة تكاليف أمنية واقتصادية باهظة.
ومع استمرار التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وخصومها، يُخشى أن تتحول أي استثمارات أمريكية في باكستان إلى أداة ابتزاز سياسي، بحيث تُربط المساعدات أو الاستثمارات بشروط سياسية وأمنية. وهذا يعيد إلى الأذهان كيف استُخدم النفط في العراق وليبيا كورقة ضغط لإعادة تشكيل السياسات الداخلية والخارجية، بعيداً عن مصالح شعوب تلك الدول.