منوعات
أخر الأخبار

الصين تبني جيش المهندسين الأكبر في العالم: خطة عقود تعيد تشكيل موازين القوة

منوعات | بقش

لم يعد صعود الصين في ميدان التكنولوجيا والعلوم محض صدفة، بل نتاج خطة استراتيجية محكمة تمتد لعدة عقود، تهدف إلى تحويلها من مجرد “مصنع العالم” إلى مركز الابتكار العالمي.

فالأرقام تكشف عن تعبئة غير مسبوقة للموارد البشرية: أكثر من مليون ونصف المليون مهندس يتخرجون سنوياً من الجامعات الصينية، أي أكثر مما تنتجه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان مجتمعة. هذه ليست مجرد أرقام أكاديمية، بل تمثل جزءاً من أكبر مشروع لتعبئة المواهب العلمية في التاريخ الحديث، حسب اطلاع بقش على بلومبيرغ.

بحلول عام 2025، يتوقع أن يتجاوز عدد الحاصلين على الدكتوراه في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الصين سبعة وسبعين ألفاً، مقارنة بنحو أربعين ألفاً فقط في الولايات المتحدة، مما يعني أن الصين ستنتج ضعف عدد حملة الدكتوراه في هذه التخصصات مقارنة بغريمتها الأمريكية.

وإذا استُثني الطلاب الأجانب من الإحصاءات الأمريكية، فإن الفجوة تصبح أكثر اتساعاً، حيث يتفوق الصينيون بأكثر من ثلاثة أضعاف. ووفق تحليل صادر عن معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي، باتت الصين تخرج سنوياً من المتخصصين في هذه المجالات أكثر مما تخرجه بقية دول العالم مجتمعة، وذلك وفقاً لتقرير بلومبيرغ الذي رصده “بقش”.

خطة “صنع في الصين 2025”

هذا التحول لم يبدأ فجأة. ففي عام 2015 أطلق مجلس الدولة الصيني خطة “صنع في الصين 2025”، كخارطة طريق لتجاوز نموذج الإنتاج الرخيص التقليدي والانتقال إلى الريادة في الصناعات المتقدمة.

وضعت الخطة هدفاً واضحاً برفع نسبة المكونات المحلية في الصناعات التكنولوجية إلى 40% بحلول 2020، ثم إلى 70% بحلول 2025. ولتحقيق هذه الطموحات، وجهت بكين استثمارات ضخمة إلى عشرة مجالات رئيسية تشمل تكنولوجيا المعلومات المتقدمة، والروبوتات، والفضاء الجوي، والهندسة البحرية، والنقل بالسكك الحديدية، والسيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة، والميكنة الزراعية، والمواد الجديدة، والتكنولوجيا الحيوية.

إلى جانب ذلك، أعادت الصين هيكلة نظامها التعليمي ليتماشى مع احتياجات المستقبل. ففي عام 2024 أعلنت وزارة التعليم إلغاء ما يقارب مائة تخصص تقليدي في تسع عشرة جامعة، واستبدالها بتخصصات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، والدوائر المتكاملة.

حتى الجامعات الكبرى مثل سيتشوان غيّرت مساراتها الأكاديمية من تخصصات تقليدية كعلوم الفيزياء البيئية إلى تخصصات مبتكرة في علوم الكتلة الحيوية، في خطوة تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تقليص الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية وتعزيز الاكتفاء الذاتي.

استعادة العقول المهاجرة

لكن ربما الأكثر لفتاً للنظر هو نجاح الصين في إعادة استقطاب العقول المهاجرة. فمنذ عام 2017 عاد نحو 80% من الطلاب الصينيين الذين درسوا في الخارج إلى بلادهم، مقارنة بنسبة لم تتجاوز 5% في أواخر الثمانينيات.

وفي قطاع الذكاء الاصطناعي وحده، عاد ما بين خمسة إلى عشرة آلاف متخصص خلال السنوات الخمس الأخيرة للعمل في مراكز التكنولوجيا المزدهرة في بكين وشنغهاي وشينزن. وقد لعبت برامج حكومية مثل “خطة الألف موهبة” دوراً محورياً في هذا التحول، من خلال تقديم حوافز سخية تصل إلى ملايين اليوان، إضافة إلى تسهيلات واسعة تشمل شراء المنازل والدعم العائلي.

هذه التعبئة البشرية الهائلة ليست موجهة فقط نحو الصناعات المدنية، بل تحمل أبعاداً عسكرية تقلق دوائر الأمن القومي في الغرب. إذ يُنظر إلى “جيش المهندسين” الذي تبنيه بكين باعتباره ركيزة استراتيجية مزدوجة الاستخدام، تتيح لها تطوير الصناعات الدفاعية والفضائية جنباً إلى جنب مع التكنولوجيا المدنية، وهو ما يعزز حضورها كقوة عظمى تكنولوجية وعسكرية في آن واحد.

ردود الفعل الغربية

هذا الصعود الصاروخي للصين أثار قلقاً متزايداً في العواصم الغربية. في الولايات المتحدة، ينظر مسؤولون في البيت الأبيض والكونغرس إلى تعبئة الصين لملايين المهندسين باعتبارها تهديداً مباشراً للهيمنة التكنولوجية الأمريكية التي تأسست منذ الحرب العالمية الثانية.

تقارير مراكز أبحاث أمريكية اطلع عليها مرصد بقش حذرت من أن الفجوة في الكفاءات العلمية قد تتحول خلال عقد واحد إلى فجوة استراتيجية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والاتصالات الكمية، والتكنولوجيا العسكرية.

أما في أوروبا، فقد تصاعدت الأصوات المطالبة بمضاعفة الاستثمارات في التعليم والتكنولوجيا، بعد أن أظهرت المؤشرات أن الصين لم تعد مجرد منافس تجاري، بل خصماً حضارياً يسابق الزمن للهيمنة على الصناعات الحيوية.

محللون أوروبيون وصفوا ما يجري في بكين بأنه “أكبر عملية إعادة توزيع للقوة العلمية في التاريخ الحديث”، محذرين من أن الغرب إن لم يتحرك بسرعة، فسيفقد موقعه كمرجع عالمي في الابتكار لصالح الصين.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش