
تقارير | بقش
شهدت صادرات النفط الإيراني في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق، تزامناً مع إعادة تفعيل آلية الزناد الأوروبية “فرنسا وبريطانيا وألمانيا”، التي تهدف إلى فرض عقوبات دولية على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، ورغم توقعات الرأي العام الإيراني والدولي بأن هذه الخطوة ستقيد مبيعات النفط وتؤثر سلباً على الاقتصاد الإيراني، إلا أن البيانات الفعلية أظهرت نمطاً عكسياً، وهو ما يسلط الضوء على هشاشة تأثير هذه الآلية في المدى القصير.
وحسب تتبع مرصد “بقش” لبيانات شركة “تانكر تراكرز”، بلغت صادرات النفط الإيراني خلال سبتمبر 2025 نحو 2.3 مليون برميل يومياً، وهو أعلى معدل منذ عام 2018.
وفي البيانات الرسمية، أشارت وزارة النفط الإيرانية إلى 66.8 مليون برميل شهرياً، بمعدل يومي نحو 2.15 مليون برميل، فيما لم يكشف وزير النفط محسن باك نجاد عن التفاصيل الدقيقة لمبيعات النفط.
ويعتمد النظام الإيراني على أسطول مكوَّن من نحو 70 ناقلة نفطية بين محملة وأخرى عائدة بعد التفريغ، مع تخزين الفائض في الصين، ما يعزز مرونة طهران في إدارة صادراتها.
لماذا زادت المبيعات؟
ثمة أسباب تقف وراء زيادة المبيعات النفطية الإيرانية، أبرزها التنسيق الإيراني الصيني، إذ يعزز التعاون بين طهران وبكين القدرة على تسويق النفط الإيراني ومواجهة الضغوط الأمريكية، وتُظهر الصين التزاماً كبيراً بشراء النفط الإيراني وعدم الامتثال للضغوط الغربية.
يُضاف ذلك إلى التكيف مع العقوبات، فقد طورت إيران آليات غير تقليدية لتصدير النفط وتحويل عوائده، متأثرةً بالخبرة المكتسبة أثناء سياسة إدارة ترامب، التي استهدفت خفض صادراتها النفطية.
وزاد الإنتاج وتم تعديل مسارات التسويق واستغلال المخزون العائم في المياه الدولية، وهو ما ساهم في تسجيل مستويات قياسية للمبيعات.
وزيادة المبيعات المتقطعة لا تعني بالضرورة زيادة فعلية في العوائد النقدية، بسبب الصعوبات المالية في تحويل الأموال إلى البلاد وفق خبراء اقتصاد تتبَّع بقش تقديراتهم. كما أن هناك إرادة سياسية واضحة بين طهران وبكين لمواجهة السياسات الغربية، إلا أن ذلك قد يفاقم التوترات الجيوسياسية، ويزيد احتمالية الخيارات العسكرية ضد إيران كما حدث في يونيو 2025.
ورغم تفعيل آلية الزناد في سبتمبر، إلا أن تنفيذ العقوبات يحتاج وقتاً طويلاً لتظهر نتائجه، خصوصاً مع الخلاف بين القوى الشرقية والغربية في مجلس الأمن وعدم وجود إجماع دولي.
سيناريوهات مستقبلية
وفقاً للخبراء، يمكن تصور عدة مسارات محتملة لمبيعات النفط الإيراني خلال الفترة المقبلة، مثل “زيادة المبيعات” إذا تراجعت الضغوط الغربية، وهو سيناريو ضعيف الحدوث، و”تراجع الصادرات” في حال تحسنت العلاقات بين بكين وواشنطن، وهو احتمال ضعيف أيضاً، و”الثبات أو التأرجح” عند مستويات الإنتاج الحالية، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في ظل استمرار الوضع السياسي على ما هو عليه.
وتعكس هذه المعطيات عدداً من الاستنتاجات الاستراتيجية والاقتصادية، أبرزها هشاشة العقوبات الغربية، فتفعيل آلية الزناد الأوروبية لم يؤثر على صادرات النفط الإيراني كما هو متوقع، ما يشير إلى محدودية قدرة العقوبات الدولية على فرض قيود فعلية على الاقتصاد الإيراني في المدى القصير.
كما يشكل الشريك الصيني عنصراً مركزياً في تجاوز إيران للعقوبات، ويعكس قدرة الدول غير الغربية على تحدي الهيمنة الاقتصادية والسياسية الغربية.
لكن تبقى استمرارية الاقتصاد الإيراني أمام تحديات مالية، فرغم زيادة المبيعات، تظل الفجوة بين تصدير النفط وتحويل العوائد تحدياً رئيسياً للسيولة والمالية العامة، ما يجعل الاقتصاد الإيراني معرضاً للتذبذب.
وعن المخاطر الجيوسياسية المحتملة، قد يؤدي تحدي العقوبات الغربية إلى تصاعد التوترات، وقد يُستخدم النفط كأداة للمساومة السياسية أو العسكرية.
ويُظهر هذا الملف برمّته مرونة السوق الدولية للطاقة، فتجربة إيران تبرز مدى قدرة الدول المنتجة على التكيف مع العقوبات عبر أساليب تسويق غير تقليدية وتوظيف مخزونها في الأسواق العالمية، ما يضعف فاعلية العقوبات الاقتصادية التقليدية.
بالنتيجة، ورغم العقوبات وإعادة تفعيل آلية الزناد، يُنظر إلى النفط الإيراني باعتباره قوة اقتصادية وسياسية قادرة على تحدي الضغوط الغربية عبر الاستفادة من الشراكات الاستراتيجية، خصوصاً مع الصين، لكن المستقبل القريب لمبيعات النفط الإيراني يبدو متأرجحاً مع نسبة استقرار عند مستويات عالية، وسط استمرار المخاطر المالية والجيوسياسية التي قد تؤثر على قدرة طهران على تحقيق الاستفادة الكاملة من صادراتها النفطية.


