
في تطور يُهدد استقرار النظام المالي العراقي، كشفت مصادر مصرفية في بغداد اليوم الاثنين عن تلقّي السلطات العراقية طلباً رسمياً من وزارة الخزانة الأمريكية بفرض حظر على خمسة مصارف محلية وثلاث شركات دفع إلكتروني، بتهمة تورطها في عمليات تهريب الدولار وتمويل جهات إيرانية ولبنانية، وفقاً لوثائق أمريكية. جاء ذلك رغم نفي البنك المركزي العراقي في بيان سابق تعرُّض أي مصارف للعقوبات، مما يُظهر تناقضاً في الروايات الرسمية.
تفاصيل الطلب الأمريكي وتداعياته
أفاد مصدر في البنك المركزي العراقي – فضّل عدم الكشف عن هويته – بأن العقوبات تشمل منع المصارف الخمسة من التعامل بالدولار أو إجراء تحويلات مالية به، مع حظر أنشطتها مع البنوك الخارجية.
ومن بين المصارف المُستهدفة: “المشرق العربي الإسلامي”، و”المتحد للاستثمار”، و”السنام الإسلامي”، و”مسك الإسلامي”، و”أمين العراق للاستثمار”، بحسب اطلاع بقش. كما أشارت مصادر رويترز إلى وجود مصارف وشركات أخرى مهددة بإدراجها في القوائم السوداء بسبب مخالفات مسجلة خلال الأشهر الأخيرة.
وبحسب مصادر رويترز، ارتفع عدد المصارف العراقية المُدرجة تحت العقوبات الأمريكية إلى 28 مصرفاً من أصل 44 مصرفاً عاملاً، بعد إضافة الجهات الخمس الجديدة.
وتأتي هذه الخطوة في سياق حملة أمريكية مستمرة منذ أربع سنوات، حيث شملت العقوبات سابقاً أكثر من 20 مصرفاً وشركة طيران ووسائل نقل، بتهمة التعامل مع إيران وحزب الله والنظام السوري السابق.
تناقض التصريحات الرسمية وانتقادات برلمانية
في تصريح مثير يوم أمس الأحد، نفى البنك المركزي العراقي فرض أي عقوبات دولية على مصارف محلية، داعياً إلى “اعتماد القنوات الرسمية لتلقي الأخبار”. غير أن مصادر وكالة “رويترز” أكدت في الوقت ذاته عزم البنك المركزي تطبيق الحظر على المصارف الخمسة، وذلك بعد اجتماعات مع مسؤولين أمريكيين لتعزيز مكافحة غسل الأموال وتهريب العملة.
نواب في البرلمان العراقي عبّروا عن قلقهم إزاء استمرار العقوبات، حيث وصف النائب “شاخوان عبد الله” السبب الرئيسي لها بـ”افتقاد المصارف المحلية للشفافية، وتورطها في تهريب الأموال”.
من جانبه، حذّر عضو اللجنة المالية “جمال كوجر” في تصريحات صحفية من تداعيات “شبه كارثية” على سعر صرف الدولار وصعوبة استيراد السلع الحكومية والخاصة، مُحمّلاً البنك المركزي مسؤولية فشل الرقابة على العمليات غير الشرعية.
خلفية الأزمة وتأثيراتها الاقتصادية
تعود جذور الأزمة إلى سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية على إيران، والتي تستهدف تقييد تدفق الدولار إليها عبر قنوات عراقية. وقد أدت العقوبات السابقة إلى شلّ عمل العديد من المصارف المحلية، مما عطّل الحركة التجارية في بلد يعتمد على الاستيراد بنسبة 80% من احتياجاته.
رداً على ذلك، اضطر البنك المركزي العراقي إلى تفعيل “القانون رقم 4 لسنة 2010″، الذي يسمح لمصارف أجنبية بفتح فروع في العراق، شرط خضوعها لرقابة البنك المركزي في بلدها الأم. ورغم أن هذه الخطوة هدفت إلى تأمين التحويلات، إلا أنها فتحت الباب أمام هيمنة مصارف إقليمية على السوق، مما يزيد من هشاشة النظام المالي العراقي.
وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية واستمرار الضغوط الأمريكية، يواجه العراق معضلةً بين الالتزام بالشروط الدولية والحفاظ على سيادته الاقتصادية.
فهل تتمكن بغداد من إصلاح نظامها المصرفي قبل فوات الأوان؟ أم أن العقوبات الجديدة ستكون القشة التي تقصم ظهر اقتصادٍ يعاني أصلاً من آثار الحرب والفساد؟ السؤال ينتظر إجابة قد تحددها الأشهر القليلة المقبلة.