تقارير
أخر الأخبار

الكشف عن خطة ترامب لغزة.. حكم انتقالي ومنطقة اقتصادية تعيد رسم خريطة ما بعد الحرب

تقارير | بقش

في تطور سياسي هو الأبرز منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، نشر البيت الأبيض تفاصيل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب وبدء مرحلة جديدة في القطاع تقوم على حكم انتقالي مؤقت ومنطقة اقتصادية دولية.

تأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه المنطقة واحدة من أعقد الأزمات الجيوسياسية في العقد الأخير، حيث تتشابك الحسابات الإسرائيلية الاستعمارية مع الضغوط الدولية، وتتصاعد الدعوات الشعبية لمحاسبة الكيان على استمرار الحرب.

ومنذ بداية الحرب، فشلت المبادرات الدولية السابقة في إرساء وقف دائم لإطلاق النار أو التوصل إلى ترتيبات سياسية مستدامة، وسط انقسامات عميقة بين القوى الإقليمية والدولية. غير أن خطة ترامب تبدو مختلفة من حيث طموحها وتركيبتها؛ فهي لا تكتفي بوقف العمليات العسكرية، بل ترسم ملامح مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة هيكلة إدارة القطاع وتحويله إلى محور اقتصادي إقليمي خالٍ من التهديدات للكيان، وفقاً للرؤية الأمريكية.

اللافت أن هذه الخطة تُعلن قبل أيام قليلة من الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، ما يمنحها بعداً رمزياً وسياسياً واضحاً، خصوصاً أنها تأتي بالتزامن مع لقاء حاسم في البيت الأبيض بين ترامب ونتنياهو، الذي تخلله أيضاً اعتذار قطري رسمي، في مؤشر على مساعٍ أوسع لحشد توافقات إقليمية حول مستقبل غزة ما بعد الحرب.

ملامح أساسية: وقف الحرب وتبادل الأسرى وإدارة انتقالية

حسب اطلاع مرصد “بقش” على ما نشره البيت الأبيض مساء الاثنين، فإن الخطة تقترح إنهاء الحرب خلال 72 ساعة من إعلان إسرائيل موافقتها العلنية على بنود الاتفاق. ويتضمن ذلك انسحاب القوات الإسرائيلية تدريجياً إلى خطوط متفق عليها، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء وتسليم جثامين القتلى، على أن تفرج إسرائيل عن 250 أسيراً فلسطينياً محكومين بالمؤبد و1700 معتقل من غزة تم احتجازهم بعد اندلاع الحرب.

الخطة تنص على تجميد خطوط القتال في غزة ووقف جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية، مع توفير ممر آمن لأعضاء حركة حماس الراغبين في مغادرة القطاع. وفي حال رفضت الحركة أو تأخرت في الاستجابة، فإن البنود المتعلقة بتوسيع نطاق المساعدات وتشكيل الإدارة الانتقالية ستُطبق في المناطق التي تسحب منها القوات الإسرائيلية وتُعلن “خالية من الإرهاب” بحسب التعبير المستخدم في نص الخطة.

تتضمن الخطة كذلك تشكيل لجنة فلسطينية من التكنوقراط غير المنتمين لأي فصيل سياسي لإدارة شؤون القطاع خلال مرحلة انتقالية، على أن تخضع هذه اللجنة لإشراف هيئة دولية جديدة برئاسة ترامب، تتولى تمويل إعادة الإعمار ووضع الإطار السياسي والإداري العام حتى تُكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي وتصبح مؤهلة لتسلّم إدارة غزة لاحقاً.

رؤية اقتصادية أمريكية لقطاع غزة ومركز للتنمية

إحدى النقاط اللافتة في خطة ترامب هي إدراج مكوّن اقتصادي واضح، يتجاوز البعد الإنساني التقليدي في خطط ما بعد الحروب وفق قراءة بقش. إذ تنص الخطة على تحويل غزة إلى منطقة اقتصادية خاصة تحت إدارة انتقالية، يتم فيها إطلاق مشاريع بنى تحتية كبرى بتمويل دولي وإشراف أمريكي مباشر، بهدف تحويل القطاع إلى مركز تنمية إقليمي يشجع على الاستثمار ويخفف من بيئة الحرب.

وفقاً للوثيقة، ستعمل الهيئة الدولية التي يرأسها ترامب على توفير التمويل اللازم لبدء إعادة الإعمار، وتشجيع الدول المانحة والقطاع الخاص على الدخول في مشاريع اقتصادية. وتهدف هذه الخطوة إلى خلق بيئة “خالية من الإرهاب” تشكل عامل استقرار سياسي واقتصادي طويل المدى، مع فتح الباب أمام استثمارات عربية ودولية واسعة.

هذا التوجه يعكس رؤية إدارة ترامب لربط مستقبل غزة بالاقتصاد الإقليمي، لا سيما في ظل تصاعد الحديث عن مشاريع ربط لوجستي وتجاري بين الخليج والبحر المتوسط عبر الأراضي الإسرائيلية.

ويبدو أن واشنطن تراهن على أن ضخ استثمارات بمليارات الدولارات قد يخلق واقعاً جديداً على الأرض يضعف حضور فصائل المقاومة المسلحة ويفرض معادلات جديدة بعيداً عن الصراع التقليدي.

البعد السياسي: حكم انتقالي تمهيداً لتسوية طويلة الأمد

الخطة الأمريكية أيضاً تنص على أن غزة ستكون خاضعة لحكم انتقالي مؤقت تديره لجنة فلسطينية محلية، بينما تتولى هيئة دولية مراقبة الأداء وضمان الالتزام بالمعايير السياسية والاقتصادية الموضوعة.

وبعد اكتمال برنامج إصلاحي للسلطة الفلسطينية، تُنقل إدارة القطاع إليها تدريجياً، في خطوة تهدف إلى إعادة السلطة إلى المشهد بعد تهميش طويل خلال سنوات الحرب والانقسام.

كما تشير الخطة إلى ضرورة فتح حوار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين للوصول إلى “أفق سياسي للتعايش” دون تحديد جدول زمني واضح. وتعتبر واشنطن أن هذه الخطوة ضرورية لضمان عدم عودة الصراع المسلح، وربط المرحلة الانتقالية بمسار سياسي طويل الأمد قد يتبلور لاحقاً في مفاوضات أوسع.

بهذا المعنى، لا تقتصر الخطة على وقف إطلاق النار أو إعادة الإعمار حسب قراءة بقش، بل تسعى إلى إعادة رسم البنية السياسية للقطاع ودمجه في ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة، بما يتناسب مع التصورات الأمريكية والإسرائيلية لما بعد الحرب.

أهمية هذه الخطة تكمن أيضاً في توقيتها، إذ تأتي بعد سلسلة من التحولات داخل إسرائيل نفسها، حيث تتزايد الضغوط السياسية على حكومة نتنياهو من الداخل ومن عائلات الأسرى، بالتزامن مع ضغوط أمريكية متزايدة للدفع نحو تسوية.

ويُتوقع أن تجد تل أبيب في هذا المقترح الأمريكي فرصة لإعادة التموضع السياسي دون الظهور بمظهر المنهزم، خصوصاً أنه لا يفرض عليها الانسحاب الكامل أو التنازل عن السيطرة الأمنية في المدى القصير.

في المقابل، كان لافتاً أن الاجتماع الذي جمع ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض تخلله اعتذار رسمي من دولة قطر، الحاضنة الأبرز لقيادة حماس منذ سنوات، وهو ما فُهم على نطاق واسع كمحاولة لإعادة تموضع دبلوماسي استعداداً للمرحلة الجديدة التي تسعى واشنطن إلى رسم ملامحها في غزة.

هذه الديناميكيات تعكس إدراكاً إقليمياً متزايداً بأن مرحلة ما بعد الحرب قد تحمل ترتيبات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وأن الفاعلين الإقليميين يسعون لتأمين مواقعهم داخل المشهد القادم، سواء عبر التمويل أو الوساطة أو الشراكة في المشاريع الاقتصادية المقترحة.

رهانات أمريكية ومخاوف فلسطينية

ترى إدارة ترامب أن هذه الخطة تمثل “الفرصة الأخيرة” لإعادة تشكيل غزة على أسس جديدة، وأن البديل سيكون استمرار الحرب المفتوحة التي يرهق حلفاء واشنطن ويضعف موقفها الاستراتيجي في المنطقة.

لكن في المقابل، لا تزال الشكوك الفلسطينية كبيرة حيال النوايا الأمريكية، خصوصاً في ظل غياب أي ضمانات سياسية واضحة أو دور حقيقي للفصائل الفلسطينية في رسم ملامح المرحلة المقبلة.

وتخشى قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني أن تتحول الخطة إلى إدارة أمنية واقتصادية بغطاء دولي، من دون أي أفق سياسي يضمن الحقوق الوطنية، بما في ذلك حق تقرير المصير أو معالجة ملفات مثل القدس واللاجئين.

كذلك، يثير بند “المنطقة الخالية من الإرهاب” تساؤلات قانونية وسياسية واسعة، إذ لم تُحدد الآليات التي ستُستخدم لتعريف الإرهاب أو ضبط الأمن، ولا مدى استقلالية اللجنة الفلسطينية المفترضة في اتخاذ القرار.

في نهاية المطاف، تمثل خطة ترامب تحولاً كبيراً في طريقة تعاطي واشنطن مع ملف غزة. فهي تجمع بين وقف العمليات العسكرية، وترتيبات سياسية انتقالية، ومشروع اقتصادي ضخم يهدف إلى خلق واقع جديد على الأرض. لكن نجاح هذه الخطة يبقى رهناً بمدى قدرة الأطراف على تجاوز الانقسامات العميقة، وبتحقيق توافق دولي وإقليمي يضمن التنفيذ الفعلي على المدى الطويل.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش