صندوق الثروة السيادي النرويجي يوقف استثماراته الإسرائيلية: خطوة كبرى تحت ضغط الحرب في غزة

تقارير | بقش
أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي، الذي يُعد الأكبر في العالم بأصول تقارب تريليوني دولار، عن سلسلة إجراءات حاسمة تشمل إنهاء جميع العقود مع مديري الأصول الخارجيين في إسرائيل، وتصفية حصصه في 11 شركة إسرائيلية، في خطوة قال إنها تأتي استجابةً لـ”الوضع الاستثنائي” الناتج عن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة والتطورات في الضفة الغربية.
الخطوة، التي وصفتها وسائل إعلام مالية بأنها “تحوّل لافت” في سياسة استثمارية لطالما وُصفت بالانضباط المؤسسي، تأتي بعد مراجعة عاجلة أطلقها الصندوق الأسبوع الماضي، إثر تقارير عن امتلاكه حصة في شركة محركات نفاثة إسرائيلية تقدم خدمات للقوات المسلحة، بينها صيانة طائرات مقاتلة.
حتى 30 يونيو 2025، كان الصندوق يمتلك حصصاً في 61 شركة إسرائيلية، لكنه أعلن اليوم أنه باع بشكل كامل حصصه في 11 شركة منها خلال الأيام القليلة الماضية، دون الإفصاح عن الأسماء.
كما أكد أنه سينقل كل استثماراته الإسرائيلية التي كانت تُدار عبر مدراء أصول خارجيين إلى إدارة داخلية مباشرة وفق اطلاع بقش، مع الإبقاء فقط على الاستثمارات المدرجة ضمن المؤشر المرجعي للأسهم المعتمد من وزارة المالية، ودون التزام بالاستثمار في كل شركات المؤشر.
الرئيس التنفيذي للصندوق، “نيكولاي تانغن”، قال إن هذه الإجراءات تهدف إلى “تبسيط إدارة الاستثمارات وتقليص عدد الشركات الخاضعة لمراقبة مجلس الأخلاقيات”، مشيراً إلى أن التدقيق المعزّز سيستمر، وأن أي استثمارات تُسهم في أنشطة مرتبطة بالاحتلال أو الصراع المسلح لن تكون مقبولة.
الموقف الحكومي وردود الفعل
وزير المالية النرويجي، الذي أكد ثقته في إدارة تانغن، شدد على أن الصندوق “لا يجب أن يستثمر في الشركات التي تُسهم في احتلال الضفة الغربية أو في الحرب في غزة”، متوقعاً حسب قراءة بقش اتخاذ إجراءات إضافية في ضوء نتائج المراجعة، ومع ذلك، استبعد الوزير خيار الانسحاب الشامل من جميع الشركات الإسرائيلية لمجرد كونها إسرائيلية، وهو الموقف الذي تبناه البرلمان النرويجي في تصويته يونيو الماضي.
لطالما مثّل الصندوق النرويجي نموذجاً عالمياً في تطبيق معايير الاستثمار الأخلاقي، إذ يمتلك نحو 1.5% من جميع الأسهم المدرجة عالمياً ويستثمر في نحو 9,000 شركة حول العالم. خلال العام الماضي، باع الصندوق حصصه في شركة طاقة إسرائيلية وشركة اتصالات لأسباب أخلاقية، وسبق أن تخلّى عن استثمارات في شركات تُزوّد المستوطنات في الضفة الغربية بالوقود والبنية التحتية.
مجلس الأخلاقيات التابع للصندوق يدرس حالياً خمس مؤسسات مالية إسرائيلية لاحتمال التصفية، فيما تبقى قرارات التخارج رهناً بمعايير دقيقة تتعلق بدور الشركة في الصراع أو الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي.
تصاعد الضغط الاقتصادي على إسرائيل
يأتي القرار النرويجي في سياق أوسع من الضغوط الاقتصادية العالمية على إسرائيل، إذ لم تعد الانتقادات تقتصر على بيانات الإدانة أو المقاطعات الرمزية، بل تحولت إلى إجراءات عملية تمس الاستثمارات والتجارة.
فإلى جانب التحركات الأوروبية والمؤسسات المالية، تواجه إسرائيل تحدياً متزايداً في قطاع الشحن البحري نتيجة العمليات العسكرية التي تنفذها قوات حكومة صنعاء في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية أو تلك المرتبطة بالموانئ الإسرائيلية.
هذه العمليات، التي تصاعدت منذ أواخر 2023 وفق مراجعات بقش، أجبرت العديد من شركات الشحن العالمية على تغيير مساراتها، ما رفع تكاليف النقل وأطال زمن التسليم، وأثّر على صادرات وواردات رئيسية.
كما أن استمرار هذه الضغوط البحرية، بالتوازي مع حملات المقاطعة الشعبية وسحب الاستثمارات من مؤسسات أكاديمية وتجارية، يُعمّق التحديات الاقتصادية أمام تل أبيب ويجعل مناخ الاستثمار فيها أكثر حساسية أمام الأحداث السياسية والعسكرية.
يرى محللون أن قرارات الصندوق تأتي في لحظة تشهد فيها أسواق المال العالمية حساسية متزايدة تجاه المخاطر الجيوسياسية، وأن المراجعة العاجلة لم تكن مجرد استجابة لضغط إعلامي، بل انعكاساً لتصاعد التدقيق الدولي في الاستثمارات التي قد تُعتبر “متواطئة” في النزاعات المسلحة.
على الصعيد السياسي، يُنظر إلى الخطوة بوصفها رسالة أوروبية ضمنية مفادها أن استمرار الحرب في غزة ستكون له تكاليف مالية واستثمارية متزايدة على إسرائيل، خصوصاً إذا تبعتها صناديق سيادية أو مؤسسات مالية أخرى في خطوات مشابهة.
أما اقتصادياً، فمن المرجح أن تدفع هذه التطورات بعض الشركات الإسرائيلية إلى تعزيز شفافية سلاسل التوريد وإعادة تقييم ارتباطاتها الدفاعية، لتفادي الإقصاء من محافظ استثمارية ضخمة مثل صندوق النرويج.
تأتي هذه القرارات في وقت يشهد فيه النظام التجاري العالمي إعادة اصطفاف واضحة، مع تزايد دور العوامل الأخلاقية والسياسية في تحديد مسارات الاستثمار، خاصة من قبل الصناديق السيادية والمؤسسات متعددة الجنسيات.
كما أن الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة على دول كالهند والبرازيل، وتصاعد نفوذ تكتلات مثل “بريكس”، يعكسان مساراً موازياً نحو “تسييس” التجارة والتمويل العالمي، ما يجعل قرارات مثل هذه جزءاً من مشهد أوسع من إعادة رسم قواعد اللعبة الاقتصادية.
وسواء كان القرار النرويجي مقدمة لموجة أوسع من الانسحابات المؤسسية من إسرائيل، أو خطوة معزولة تستهدف احتواء انتقادات داخلية، فإنه يسلط الضوء على تقاطع المال والسياسة في زمن الأزمات، وفي عالم يتجه نحو مزيد من الترابط بين أسواق المال والقيم الأخلاقية، قد تصبح قرارات مثل هذه أكثر شيوعاً، وأكثر تأثيراً على الخريطة الاقتصادية العالمية.