
تقارير | بقش
في مشهد إنساني هو الأشد قسوة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تدخل الكارثة الغذائية في القطاع المحاصر مرحلة “الانفجار الكامل”، بعد أن أعلن مرصد الأمن الغذائي العالمي (IPC) أن “أسوأ سيناريو مجاعة يتحقق الآن” في غزة، وسط عجز دولي، وشبه توقف كامل للمساعدات الفاعلة.
رغم الإعلان عن استئناف دخول الشاحنات الإنسانية عبر معبر كرم أبو سالم، لم تتجاوز الكميات المدخلة 87 شاحنة يوم الاثنين، أي أقل من 15% من الحد الأدنى المطلوب يومياً لتلبية احتياجات السكان، والمقدّر بـ600 شاحنة. والأسوأ أن غالبية تلك الشحنات، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، تعرضت للنهب نتيجة غياب التأمين من قوات الاحتلال، وتعمّد خلق فوضى أمنية حول مسارات المساعدات.
السوق في غزة مشلول والأسعار ترتفع رغم دخول الشاحنات
بحسب متابعات مرصد بقش، فإن الأسواق لم تشهد أي تحسن حقيقي، إذ عاودت الأسعار ارتفاعها بعد ساعات فقط من دخول الشاحنات، حيث قفز سعر كيلو الطحين من 23 شيكلًا إلى 50، فيما بقيت أسعار الأرز والبقوليات مرتفعة بشكل كبير، ما يعكس فشل المساعدات المحدودة في التخفيف من الأزمة.
ويشير خبراء إلى أن إسرائيل تمارس سياسة “التجويع المنهجي” للمدنيين في غزة، إذ لا تسمح بإدخال المواد الغذائية بشكل منظم وكافٍ، وتواصل إغلاق المعابر أو استخدامها كأداة للابتزاز للإبادة. ووفق تقارير أممية، تجاوز عدد ضحايا الجوع وسوء التغذية 150 حالة وفاة، غالبيتهم من الأطفال، فيما يعتمد أكثر من 95% من السكان على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
رغم بعض مشاهد إنزال المساعدات جواً، إلا أن “الأونروا” اعتبرت ذلك غير مجدٍ، قائلة إن ما يُسقط في يوم كامل لا يتجاوز نصف شاحنة، وغالباً ما يُلقى في مناطق اشتباك، لا يستطيع السكان الوصول إليها.
وأكد اقتصاديون أن ما يحدث في غزة هو تشوّه كامل في النظام الاقتصادي للقطاع، وأن الأسعار باتت تقفز بناءً على الشائعات وليس العرض والطلب، في ظل غياب الرقابة وانعدام التوريد التجاري المنتظم.
قوات صنعاء: التصعيد البحري مستمر حتى وقف الإبادة في غزة
تزامناً مع هذه التطورات الإنسانية الكارثية، أعلنت قوات صنعاء مطلع هذا الأسبوع دخولها المرحلة الرابعة من عمليات الدعم العسكري لغزة، من خلال توسيع نطاق استهداف السفن التجارية المرتبطة بالموانئ الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وأكدت القوات المسلحة في بيان رسمي أن هذه العمليات تأتي رداً على المجازر المستمرة في غزة، وعلى سياسة التجويع الممنهج التي تحوّلت إلى أداة حرب ضد المدنيين، مشيرة إلى أن الاستهداف سيطال أي سفينة تتبع شركة تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية، بغض النظر عن جنسيتها أو وجهتها النهائية.
وأوضح البيان أن هذه المرحلة تهدف إلى فرض حصار بحري مضاد، وتحويل كلفة العدوان إلى واقع اقتصادي وسياسي يؤثر على مصالح إسرائيل وشركائها التجاريين، إلى أن يتم رفع الحصار ووقف المجازر بحق سكان غزة.
وأكدت قوات صنعاء أن وقف التصعيد البحري مرهون فقط بوقف العدوان الإسرائيلي وفتح المعابر بشكل دائم وشفاف، داعية المجتمع الدولي إلى عدم الاكتفاء بالبيانات، والضغط الحقيقي لرفع الحصار.
مفاوضات الدوحة تنهار… والمجاعة تشتد
جاء تصعيد قوات صنعاء بعد انهيار مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة الأسبوع الماضي، حيث فشلت المفاوضات وسط إصرار تل أبيب على الحل العسكري، ورفضها سحب قواتها أو رفع الحصار.
ووفق مصادر مطلعة، فإن إسرائيل طالبت بمنطقة عازلة بطول كيلومترين داخل غزة، بينما عرضت حماس كيلومتراً واحداً، في وقت طالبت فيه الحركة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل رهائن، ضمن صفقة تشمل تبادل 10 مقابل 200.
تشير تحليلات اطلع عليها مرصد بقش إلى أن التصعيد في البحر الأحمر ليس غاية بحد ذاته، بل خيار اضطراري فرضته سياسة التجويع والعجز الدولي عن وقف المجازر. ويرى مراقبون أن وقف تلك العمليات البحرية مرتبط تماماً بوقف حرب الإبادة ورفع الحصار عن غزة، وهو ما لم تُبدِ إسرائيل أي استعداد لتحقيقه حتى الآن.
وفي وقت يغرق فيه أكثر من مليوني إنسان في الجوع، ويقف العالم متفرجاً، يبقى البحر الأحمر – كما تراه صنعاء – “منصة احتجاج صاخبة” تعكس حجم الألم الغزي، وتُعيد فرضه على مائدة القوى العالمية، ولو عن بعد.