
الاقتصاد العالمي | بقش
أكدت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيتارامان أن بلادها لن توقف واردات النفط الروسي، رغم قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية باهظة بلغت 50% على الواردات الهندية الشهر الماضي.
وقالت الوزيرة، في مقابلة مع قناة CNN-News18، إن الهند، ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط عالمياً، “ستشتري من المصدر الذي يناسبها من حيث السعر والخدمات اللوجستية”.
الهند استفادت بشكل كبير منذ 2022 من الخصومات التي منحتها موسكو على خامها المنقول بحراً، لتصبح أكبر مشترٍ له، بينما امتنعت أوروبا والولايات المتحدة عن استيراده عقب الحرب الروسية الأوكرانية. وحسب بيانات رسمية اطلع عليها بقش، شكلت مشتريات النفط والوقود المكرر نحو 25% من إجمالي واردات الهند في السنة المالية المنتهية في مارس 2025، وهو ما يفسر تمسك نيودلهي بهذا المورد الحيوي.
إدارة ترامب ترى أن مشتريات الهند من النفط الروسي تساعد في تمويل المجهود الحربي لموسكو. وقال وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك إن على نيودلهي أن “تدعم الدولار وتعيد ترتيب علاقاتها التجارية مع واشنطن”، مضيفاً بلهجة تهديد: “إما أن تدعموا الولايات المتحدة أو ستدفعون تعريفة 50%، وسنرى إلى متى يمكنكم تحمّل ذلك”.
كما اتهم وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت الهند بالاستفادة من الوضع عبر إعادة تصدير الوقود المكرر المشتق من النفط الروسي بأسعار أعلى، معتبراً أن نيودلهي تحقق أرباحاً غير مشروعة على حساب العقوبات الغربية.
تحالفات جديدة تثير قلق الغرب
التوترات تصاعدت بالتزامن مع مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة منظمة شنغهاي للتعاون بمدينة تيانجين الصينية هذا الأسبوع، بدعوة من الرئيس الصيني تشي جين بينغ وفق متابعة بقش. واعتبر مراقبون أن هذا الاصطفاف، الذي جمع الهند مع روسيا والصين وكوريا الشمالية وميانمار، يمثل تحدياً مباشراً لواشنطن، حتى أن بعض المحللين أطلقوا عليه اسم “محور الاضطرابات”.
الرئيس ترامب علّق عبر منصته “تروث سوشيال” قائلاً: “يبدو أننا فقدنا الهند وروسيا أمام الصين الأعمق والأكثر ظلاً. أتمنى لهم مستقبلاً طويلاً معاً”، في إشارة واضحة إلى قلق واشنطن من إعادة رسم خريطة التحالفات العالمية.
المحادثات بين نيودلهي وواشنطن لتخفيف العبء الجمركي انهارت خلال الشهر الماضي، بعدما ألغيت زيارة لمسؤولين تجاريين أمريكيين إلى العاصمة الهندية. ومنذ ذلك الحين لم تُعقد أي اجتماعات فعلية، ما يعكس حجم الفجوة المتزايدة بين البلدين في ملفات التجارة والطاقة.
اقتصاد مقابل سياسة
وفق اطلاع وتحليل مرصد بقش، تصرّ الهند على موقفها لأنها ترى في النفط الروسي الأرخص وسيلة لتخفيف فاتورة الطاقة الضخمة التي تستنزف معظم احتياطاتها من النقد الأجنبي. في المقابل، تستخدم واشنطن أداة الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي للضغط على نيودلهي كي تلتزم بالعقوبات الغربية، لكنها تواجه معضلة: فرض العقوبات على اقتصاد بحجم الهند (ثالث أكبر اقتصاد عالمي بالقوة الشرائية) ليس أمراً يسيراً دون أن ينعكس سلباً على السوق الأمريكي والعالمي.
الهند تراهن على تعددية الأقطاب في الاقتصاد العالمي، وعلى قدرتها في موازنة علاقاتها بين الشرق والغرب، بينما تراهن واشنطن على أن الضغوط التجارية ستجبرها في النهاية على “الاعتذار” والعودة إلى طاولة المفاوضات. لكن حتى الآن، يظهر أن البراغماتية الاقتصادية الهندية تتغلب على الإملاءات السياسية الأمريكية.
إلى ذلك يؤكد محللون أن استمرار الهند في شراء النفط الروسي بكميات ضخمة ساهم في تخفيف حدة صدمات الأسعار منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022. فالهند، باعتبارها ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، تمثل صمام أمان نسبياً لأسواق الطاقة، إذ إن اعتمادها على الخام الروسي الرخيص منع حدوث فجوات أكبر في الإمدادات العالمية، ما ساعد على استقرار نسبي في الأسعار الدولية.
لكن في المقابل، هذا السلوك أضعف فعالية العقوبات الغربية على روسيا. فبدلاً من حرمان موسكو من عائدات الطاقة، ساعدت المشتريات الهندية على إبقاء تدفق الأموال إلى الخزينة الروسية قائماً، وإن كان بخصومات. وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، تجاوزت مداخيل روسيا من صادرات النفط 180 مليار دولار في 2024، جزء معتبر منها بفضل الأسواق الآسيوية وعلى رأسها الهند والصين.
ويرى خبراء أن هذه المعادلة خلقت نظام تسعير مزدوج للنفط العالمي: سوق غربي يخضع لسقف أسعار وضغوط سياسية، وسوق آسيوي أكثر مرونة يحصل على خصومات. هذا التباين لا يهدد فقط فعالية العقوبات الأمريكية والأوروبية، بل يعزز كذلك التوجه نحو تعددية مالية وتجارية جديدة، حيث باتت دول كالهند قادرة على فرض شروطها والحصول على مكاسب استراتيجية على حساب الانقسامات الجيوسياسية.