الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

بتحريض أمريكي وإنهاك أوروبي من تكاليف أوكرانيا.. الاستيلاء على أموال أصول روسيا يغيّر وجه أوروبا والاقتصاد الدولي

الاقتصاد العالمي | بقش

أصبح ملف “مصادرة الأصول الروسية المجمدة” حديث الساعة في أوروبا، وبالتالي في روسيا، وذلك بعد تلويح الاتحاد الأوروبي بتحويل قروض إلى أوكرانيا بقيمة 140 مليار يورو (163 مليار دولار) من الأصول الروسية، في محاولة جديدة لمصادرة أموال موسكو البالغة 300 مليار دولار.

وتزايدت حدة المناقشات داخل الاتحاد الأوروبي وحلفائه حول الانتقال من مجرد تجميد الأصول الروسية إلى آليات أوسع لاستخدام هذه الأموال، بما فيها صيغ تسمح بالمصادرة الفعلية أو استخدام الأصول المجمدة كضمان لإقراض أوكرانيا مبالغ كبيرة لتمويل شراء أسلحة ودعمها المالي.

والمقترحات بضخ 140 مليار يورو (163 مليار دولار) تُطرح على أن تُستخدم الودائع المجمدة لدى بنوك أوروبية كضمان أو مورد، ووصلت هذه المقترحات إلى ميدان النقاش في قمم وزيارات وزراء مالية وقادة أوروبيين في الأيام الأخيرة حسب تتبُّع بقش، وجرى بحثها أيضاً ضمن اجتماعات الـG7.

تهديد روسي جديد: سرقة أوروبية لن تمر

حتى الآن لم يُقْدِم الاتحاد الأوروبي على مصادرة الأصول بشكل مباشر، وفقاً لتصريحٍ اليوم الأربعاء لنائب وزير المالية الروسي “أليكسي مويسيف”، وهدّد بأن روسيا لن تُقدم على مصادرة الأصول الأوروبية طالما لم يفعل الاتحاد الأوروبي ذلك، لكن في حال إقدامه على ذلك بالفعل فإن موسكو ستراجع موقفها.

وبلهجة حادة للغاية، قالت اليوم رئيسة الوفد الروسي في مفاوضات فيينا “يوليا جدانوفا” إنه في حال تحويل الاتحاد الأوروبي 140 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا، فإن ذلك لن يُعد إلا “سرقة لن تمر دون رد”.

وأوضحت: “سمعنا أن الاتحاد الأوروبي يخطط لتقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا بقيمة 140 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة بزعم أنها تعويضات مستقبلية، وهذه سرقة سافرة، ستضر بالثقة في أوروبا ومناخ الاستثمار في منطقة اليورو”.

وتابعت مهددةً: “على خصومنا أيضاً أن يأخذوا في الاعتبار أن هذه السرقات لن تمر دون رد، وفي النهاية، ستُدفع “التعويضات” من جيوب دافعي الضرائب الأوروبيين”.

ولعلّ مثل هذه التهديدات هي ما دفعت رئيسة وزراء إيطاليا،، جورجيا ميلوني، إلى المطالبة باتباع نهج حذر في مسألة استخدام الأصول الروسية المجمدة، و”احترام القانون الدولي وسيادة القانون وحماية الاستقرار المالي”، حيث تتبنّى ميلوني -وفق اطلاع بقش- موقفاً متحفظاً تجاه فكرة مصادرة أصول روسيا كقروض أو كدعم مالي لكييف.

ويبدو أن النية الأوروبية في تحويل 140 مليار دولار لأوكرانيا تأتي وسط فجوة تمويلية كبيرة لكييف، فمع استمرار الحرب والتكاليف الباهظة، تواجه أوروبا ضغطاً لتأمين تمويل طويل الأمد لشراء الأسلحة والصمود المالي لأوكرانيا.

الموقف الأوكراني: نريد الأسلحة الأمريكية أيضاً لا الأوروبية فقط

بدورها تحث أوكرانيا الدول الأوروبية على عدم الحد من استخدامها لقرض الـ163 مليار دولار، وتقول إنها بحاجة إلى أن تكون قادرة على شراء أسلحة غير أوروبية (في إشارة إلى الأسلحة الأمريكية) وإصلاح أضرار الحرب وتعويض الضحايا.

ويريد الاتحاد الأوروبي إنفاق هذه الأموال بشكل أساسي على “الأسلحة أوروبية الصنع” لتعزيز صناعاتها الدفاعية مع تزايد التهديدات من روسيا.

وترى أوكرانيا -التي تؤكد حاجتها إلى الأموال بحلول نهاية العام 2025- أن بعض “الأسلحة الأمريكية” أساسية للدفاع عن البلاد حسب اطلاع بقش على تقرير لرويترز. فعلى سبيل المثال، كانت أنظمة الدفاع الجوي باتريوت الأمريكية الصنع حاسمة لقدرة أوكرانيا على إسقاط صواريخ باليستية روسية استهدفت مواقع عسكرية ومحطات طاقة ومبانٍ مدنية.

وفي تصريحات جاءت في لحظة حاسمة من مداولات الاتحاد الأوروبي، قال مسؤول أوكراني رفيع لرويترز إن أوكرانيا تدعم التعاون مع صناعات الدفاع الأوروبية وإنها تضع بالفعل اللمسات الأخيرة على صفقات مع أكبر الشركات الصناعية في أوروبا، لكنها تصر على الاستقلالية في تحديد كيفية تخصيص الموارد بين الدفاع.

ووفقاً لوثيقة للمفوضية الأوروبية اطلعت عليها رويترز، فإن بعض الدول الأوروبية تريد أن تذهب الأموال في الغالب إلى أسلحة أوروبية الصنع بينما تقول دول أخرى إنه يجب أن تكون هناك مرونة، وكحل وسط اقترحت المفوضية حسب قراءة بقش إنفاق غالبية القرض على أسلحة أوكرانية وأوروبية لكن جزءاً أصغر سيكون لدعم الميزانية العامة التي يمكن أن تستخدمها كييف أيضاً لشراء أسلحة من خارج أوروبا.

دور ترامب في تصاعد الأزمة

في وقت مبكر من هذا العام، أوقفت إدارة ترامب -مع صعوده رئاسته الثانية- المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وقُرئت هذه السياسة الأمريكية كعامل في تصعيد هذا الملف.

حيث أدى تجميد أو إبطاء إرسال العتاد والميزانيات المالية، إلى تسريع محاولات أوروبا لإيجاد بدائل تمويلية.

ويُضاف ذلك إلى سياسات إدارة ترامب الضاغطة على الحلفاء لشراء أسلحة أمريكية، وتطوير صيغ مثل آليات شراء مشتركة لإمداد أوكرانيا، وذلك جعل أوروبا تتبنى صيغ شراء سلاح مدفوعة الثمن بدلاً من منح مجانية، مما زاد العبء المالي على العواصم الأوروبية ودفعها للبحث عن مصادر تمويل بديلة، كالأصول الروسية.

وتشير قراءات “بقش” إلى أن ترامب، وإن لم يكن السبب الوحيد، تسبّب عبر سياساته في الضغط على أوروبا لاتخاذ خطوات جريئة مالياً وسياسياً، وهو ما يؤطر ربط مساهمته كعامل حاسم لكن ضمن سياق أوسع.

اهتزاز الثقة المالية عالمياً

لم ينفصل الموضوع عن مستجدات الأسواق العالمية التي شهدت صعوداً حاداً للذهب خلال 2025، ومع أن هناك عوامل متعددة وراء ذلك، فإن المسألة المتصلة بمخاوف من مصادرة الأصول السيادية الروسية أدت إلى تآكل ثقة المستثمرين بالموازين والمؤسسات المالية التقليدية، ما دَفَع الحكومات والبنوك المركزية والخزائن إلى البحث عن ملاذات آمنة.

وتلوّح الأزمة بفقدان الثقة في الملاءة المصرفية الأوروبية حسب تقارير بقش الأخيرة، إذ إن مصادرة أصول دولة كبرى تُقلّص الشعور بأن الأموال السيادية محصّنة في بنوك دول غربية، فالمستثمرون والدول يقللون تعرضهم للنظام المصرفي ويزيدون الاحتفاظ بالذهب.

ويؤدي ذلك إلى تحول سياسات الاحتياط لدى البنوك المركزية، من خلال زيادة مشتريات الذهب كتحوط ضد مخاطر تجميد أو مصادرة العملات الصعبة والأوراق المالية المملوكة لجهات سيادية كروسيا ومؤسساتها.

وتربط التحليلات تسارع مشتريات البنوك المركزية بدينامية الملف الروسي والأمنية والمالية، إضافةً إلى وجود الضغوط التجارية من رسوم جمركية أمريكية وصراع تجاري عالمي شامل، وضعف في الثقة بالعملات الاحتياطية التقليدية، واضطراب في سلاسل التوريد، وكل ذلك يعطي أسباباً إضافيةً لارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

خيارات روسيا المتاحة

التصريحات الروسية الرسمية، التي تحمل صيغ التهديد، تجاوزت فكرة التحذير القانوني إلى التهديد الأبعد من القضاء، فالإجراءات الاقتصادية الانتقامية التي أمام روسيا تشمل مصادرة أصول غربية في روسيا أو تسريع إجراءات تأميم شركات غربية تعمل في الأراضي الروسية، وبيعها لمؤسسات مقربة من الدولة.

إضافةً إلى حظر أو قيود على سلع واستيراد من الدول المعنية، التي تصفها موسكو بأنها “دول غير صديقة”، وتعطيل ما تبقى من إمدادات الطاقة الاستراتيجية، بل وحتى اللجوء المحتمل إلى أدوات الحرب السيبرانية لتعطيل بنى مالية أو مؤسسات حكومية في دولٍ تُعد مسؤولة أو متورطة في مصادرة الأصول الروسية.

كما أن التهديد بملاحقة السياسيين أو مسؤولي البنوك المشاركين في إجراءات المصادرة عبر محاكم روسية أو عبر ملاحقات جنائية مدنية دولية، يتخذ شكلاً من أشكال الرد الروسي.

وفي غضون ذلك، تسرّع روسيا جهودها لتعزيز شراكات مالية وتجارية مع دول آسيا والشرق الأوسط لتقليل الاعتماد على النظام المالي الأوروبي والأمريكي، وزيادة الاحتفاظ بالثروات في ذهب أو عملات بديلة أو أصول قابلة للتحويل خارج النظم الغربية.

وعملياً يعني ذلك نقل النزاع من ساحات السياسة إلى ساحات الاقتصاد، ما يزيد من معدل الأزمة والاضطرابات السوقية، ويحوّل قواعد اللعبة المالية الدولية، إذ قد يشهد العالم مرحلة اختبارات جديدة لحماية الاحتياطيات السيادية وفرضيات الحصانات التقليدية، وهو ما يقود إلى إعادة توزيع الاحتياطيات نحو الذهب والأصول غير القابلة للتجميد بسهولة.

ويكلّف ذلك أوروبا تكاليف اقتصادية جسيمة، فحتى لو نجح الاتحاد الأوروبي في إنشاء آليات قانونية لمصادرة الأصول الروسية، فإن الخسائر في ثقة المستثمرين وتكاليف تأمين النظام المصرفي قد تفوق الفائدة القصيرة الأجل.

وتخلص مراجعة “بقش” للتقارير والمستجدات المذكورة، إلى أن مساعي الاتحاد الأوروبي -المُختلف عليها أوروبياً بالأساس- تمثل نقطة مفصلية تخاطر بهز الثقة بالمؤسسات المالية ومراكز الاحتياط العالمية.

كما أن سياسات إدارة ترامب بشأن المساعدات زادت الضغط على أوروبا، إلا أن القرار الأوروبي أيضاً طغت عليه عوامل محلية أوروبية أيضاً.

والنتيجة العملية حتى الآن هي اضطراب الأسواق وارتفاع الطلب على الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب، وتصاعد احتمال مواجهات اقتصادية وقانونية بين النظام المالي الغربي وموسكو، ويبقى الخطر الحقيقي أن ملفاً معقداً كهذا يعيد تشكيل سلوكيات الدول والبنوك المركزية خلال السنوات القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش