أخبار الشحن
أخر الأخبار

بداية تحول في مسارات التجارة العالمية وأول شركة تعلن العودة إلى البحر الأحمر.. كيف ستتأثر أسعار الشحن؟

أخبار الشحن | بقش

في تطور لافت ضمن مشهد الملاحة المعطّل في البحر الأحمر، أعلنت شركة CMA CGM الفرنسية استئناف عبور خدمتها INDAMEX عبر قناة السويس، في إشارة تُعد من أوضح العلامات حتى الآن على بدء شركات الشحن اختبار العودة إلى المسار التقليدي بعد عام من التحويلات القسرية عبر رأس الرجاء الصالح نتيجة التهديدات الأمنية. وتأتي هذه الخطوة في لحظة تترقب فيها الأسواق أي مؤشر يوضح ما إذا كانت قناة السويس تتجه نحو استعادة مكانتها كممر رئيسي لحركة الحاويات، أم أن العودة ستظل جزئية وتدريجية.

القرار يمثّل تحويلاً هيكلياً في نموذج تشغيل الخط، لا مجرد تجربة جديدة. فبعد أشهر من “العبور الانتقائي” في رحلات العودة إلى آسيا، حسمت الشركة خيارها بإعادة تشغيل دورة كاملة عبر القناة، ما يمنح الخط البحري بين الهند، باكستان، والساحل الشرقي للولايات المتحدة مساراً ثابتاً بعد فترة طويلة من الاضطراب. غير أن الخطوة، رغم أهميتها، لا تحمل بالضرورة مؤشراً على عودة شاملة، إذ يبقى الوضع الأمني في البحر الأحمر هشاً، بينما تحجم خطوط كبرى مثل ميرسك وهاباج لويد عن تحديد جداول زمنية واضحة للعودة.

وبرغم محدودية الأثر الفوري على حركة الملاحة الكلية، فإن قرار CMA CGM يعيد طرح الأسئلة حول مستقبل تكاليف الشحن، القدرات الاستيعابية، ووضع شركات التأمين البحري، في وقت تظهر فيه بيانات زينيتا تراجعاً كبيراً في الأسعار الفورية على المسارات الرئيسية مقارنة بالعام الماضي.

عودة تدريجية… وCMA CGM VERDI أول سفينة تُنفذ دورة كاملة

تُعد السفينة CMA CGM VERDI أول سفينة تُنفّذ دورة مكتملة في الخدمة المحدّثة، إذ ستبحر من كراتشي إلى نيويورك في 15 يناير المقبل، بما يمثّل تحوّلاً جوهرياً من مرحلة “الاختبار” إلى مرحلة “إعادة الهيكلة”. ووفق الشركة، فإن توجيه الرحلات ذهاباً وإياباً عبر قناة السويس يعني أن قرار العبور لم يعد يُتخذ حالةً بحالة، بل أصبح جزءاً من البنية التشغيلية الثابتة للخط.

هذا التطور يأتي بعد سلسلة اختبارات نفذتها الشركة خلال الأشهر الماضية، خصوصاً على الرحلات ذات الحمولات الأخف في طريق العودة إلى آسيا. تلك الاختبارات سمحت بتقييم المخاطر وقياس استجابة قطاع التأمين البحري، إضافة إلى دراسة التأثيرات التشغيلية على زمن الدورة الكاملة، ما مهّد الطريق للعودة الحالية.

ووفق منصة eeSea by Xeneta، فإن العودة إلى مسار قناة السويس تقلص زمن الرحلة إلى 77 يوماً، مقارنة بالفترات الأطول بكثير عبر رأس الرجاء الصالح، ما يمنح الشركة هامشاً زمنياً يمكن عبره إزالة سفينتين من الخدمة دون التأثير على جدول العمليات. هذه الميزة التشغيلية تُعد عاملاً حاسماً لشركات تعاني أصلاً من فائض كبير في المعروض من السفن.

ورغم ذلك، يبقى القرار محكوماً بتقييمات متواصلة للأمن البحري. إذ تشير بيانات الملاحة إلى أن عدد سفن الحاويات العابرة للقناة بلغ 120 سفينة فقط في نوفمبر 2025، مقارنة بـ 583 سفينة في أكتوبر 2023 قبل التصعيد في البحر الأحمر—ما يعكس مدى الانكماش الذي تعرض له الممر.

احتمال لانخفاض أكبر في أسعار الشحن

يشدد بيتر ساند، كبير المحللين في منصة زينيتا، على أن خطوة CMA CGM إيجابية لكنها لا تمثل عودة كاملة للسوق، مؤكداً أن الوضع الأمني “لا يزال هشاً”. ومع ذلك، يصف قرار تشغيل دورة كاملة بأنه “تغيير هيكلي”، لأنه ينقل الشركة من مرحلة الخيارات التكتيكية إلى مرحلة القرار الاستراتيجي الثابت.

وتُظهر بيانات زينيتا أن السوق يشهد حالياً فائضاً واضحاً في الطاقة الاستيعابية، ما يضغط بشدة على الأسعار الفورية في الخطوط التجارية الكبرى. فقد تراجع متوسط الأسعار بين الشرق الأقصى والساحل الشرقي للولايات المتحدة بنسبة 57% مقارنة بالعام الماضي، فيما انخفضت الأسعار بين الشرق الأقصى وشمال أوروبا بنسبة 53%.

عودة قناة السويس قد تضيف مزيداً من الضغوط، لأنها ستُعيد شحنات كانت تستغرق وقتاً أطول عبر رأس الرجاء الصالح إلى مسار أقصر وأكثر كفاءة، ما يحرر سفناً إضافية يمكن إدخالها في السوق. وإذا انضمت شركات كبرى أخرى إلى الخطوة نفسها، فقد يتكرر سيناريو “الانهيار السعري” الذي شهدته بعض المسارات في 2019–2020.

وتعمل CMA CGM بالفعل على توسيع عبورها تدريجياً. إذ تسجّل أربع سفن أخرى من خدمة APL استعداداً للعبور باتجاه الشرق، إضافة إلى سفن مثل CMA CGM JULES و APL CHANGI و CMA CGM VERNE و GRACE BAY و GALAPAGOS و APL MERLION و CMA CGM KIMBERLEY. ورغم هذا الحراك، تعتبر كثير من هذه العبور “تنفيذات رسمية” أكثر منها مؤشرًا على عودة تشغيلية واسعة.

المعادلة الأمنية: شركات التأمين بين الحذر والاشتراطات الصارمة

المشهد الأمني لا يزال العامل الأكثر تأثيراً في قرارات الملاحة عبر البحر الأحمر. فبحسب تقييمات زينيتا، لا تزال شركات الملاحة تُقدّر بدقة قدرات جماعة الحوثي ونمط الهجمات المحتملة ضد السفن التجارية. ورغم تراجع وتيرة الهجمات، إلا أن الخطر لم يُلغَ، وهو ما يدفع شركات مثل زيم إلى ربط العودة بموافقة قطاع التأمين البحري، الذي يُعد اللاعب الأكثر تحفظاً في المعادلة.

وتستند هذه الشركات إلى دراسات احتمالات تُقيّم قدرة الحوثيين على استهداف السفن من حيث المدى، والمنصات المستخدمة، ونمط توزيع الهجمات السابقة. ورغم أن القدرات الهجومية ما تزال قائمة، إلا أن الشركات تحتاج إلى يقين نسبي بأن مستوى التهديد لن يرتفع مع تزايد عدد السفن.

كما تشير البيانات إلى أن التأثير الأمني لا ينعكس فقط على خيارات المسار، بل أيضاً على أسعار التأمين البحري التي ترتفع إلى مستويات مضاعفة عند المرور عبر مناطق التهديد، ما يزيد التكاليف التشغيلية ويضغط على جدوى العبور من الأساس.

يمثل قرار CMA CGM خطوة مهمة في اتجاه إعادة تقييم جدوى مسار البحر الأحمر وقناة السويس، لكنه لا يشكل بعد نقطة تحول كاملة في مشهد الملاحة العالمية. فالعودة الحالية محكومة بمعادلة ثلاثية: الزمن – التكلفة – المخاطر الأمنية، ومع أن الزمن يضغط لصالح القناة، فإن المخاطر لا تزال تُبقي الشركات في وضعية حذر.

الأسعار الفورية المنخفضة تضيف طبقة أخرى من التعقيد. فمع فائض السفن عالمياً، يمكن لأي عودة واسعة لقناة السويس أن تُغرق السوق بطاقات استيعابية إضافية، فتخلق موجة تراجع جديدة في الأسعار قد لا ترغب الشركات في تحملها في ظل بيئة مالية غير مستقرة.

ويبقى السؤال الأهم: هل الخطوة الحالية بداية عودة تدريجية للسوق إلى المسار التقليدي، أم مجرد استثناء تشغيلي لشركة واحدة تستفيد من ظروف معينة؟ الإجابة ستتضح فقط عندما تعلن شركات مثل ميرسك وهاباج لويد جداول زمنية واضحة—وهو ما لم يحدث بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى