الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

برنامج اقتصادي بـ100 مليار دولار.. زيارة بوتين إلى الهند تتحدى الضغوط الغربية

الاقتصاد العالمي | بقش

رغم الضغوط الأمريكية، تشهد العلاقات بين روسيا والهند قفزة نوعية، إذ اتفق الطرفان -خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند- على برنامج تعاون اقتصادي حتى عام 2030 يهدف إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار سنوياً.

وبحسابات عام 2024‑2025 التي تتبَّعها مرصد “بقش”، بلغت التجارة الثنائية حوالي 68.7 مليار دولار. ولتحقيق هدف 2030، جرى الاتفاق على إزالة الحواجز غير الجمركية، وتبسيط الإجراءات التنظيمية، وتحسين اللوجستيات، وتسهيل أنظمة الدفع، وإجراء التعاملات بالعملات الوطنية بدلاً من الاعتماد على الدولار أو اليورو.

وتأتي الزيارة التي تُعد الأولى لبوتين إلى الهند منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، في وقت حساس دولياً، وتشير إلى إعادة ترسيم أولويات موسكو ونيودلهي في ضوء التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة.

خارطة طريق اقتصادية تجارية

وقّع الجانبان أيضاً عدداً من الاتفاقيات في مجالات متعددة في مجالات الزراعة، الأسمدة (مثل مشروع مشترك لإنتاج اليوريا في روسيا من شركات هندية)، والشحن والنقل البحري، والتدريب البحري للهنود (بما يشمل الإبحار في المياه القطبية)، والصحة والسلامة الغذائية، التعليم، الإعلام والتبادل الثقافي.

كما جرى بحث مشاريع بنى تحتية ونقل لوجستي طويلة الأمد، مثل الربط عبر ممر النقل الشمالي الجنوبي، والرابط البحري بين تشيناي (الهند) وفلاديفوستوك (روسيا).

وأبرز ما أكّده بوتين هو التزام روسيا بتوفير إمدادات الطاقة “النفط، الوقود، والغاز” للهند دون انقطاع، رغم الضغوط الغربية والعقوبات التي تستهدف النفط الروسي.

وبحث الطرفان توسيع التعاون في الطاقة النووية، إذ تطرقا إلى مقترحات لبناء مفاعلات نووية صغيرة (SMRs)، ومشروعات طاقة نووية مشتركة، إضافة إلى متابعة الإنشاء في مشروع محطة كودانكولام النووية، ما قد يعزز أمن الطاقة للهند على المدى الطويل.

وتشتري الهند كميات كبيرة من النفط الروسي، وقد شكّلت هذه المشتريات دعماً أساسياً للاقتصاد الروسي الذي يخضع لعقوبات. وأكد بوتين أن موسكو مستعدة لضمان استمرار إمدادات النفط إلى الهند “دون انقطاع”. ورغم ذلك لم تُكشف تفاصيل، ويبدو أن القرار بات مرهوناً بالهند لتحديد الخطوة التالية.

وخيّم التعاون الدفاعي على أجواء الزيارة، رغم أن الإعلان الرسمي ركّز على الجوانب الاقتصادية والطاقة. وشددت موسكو ونيودلهي على أن سياستهما الخارجية مستقلة، وأن علاقتهما “صامدة” أمام الضغوط الخارجية.

وتُعد موسكو أكبر مورد للأسلحة للهند منذ عقود، وتقول إنها تريد استيراد المزيد من السلع الهندية في محاولة لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 والذي تميل كفته حتى الآن لصالحها بسبب واردات نيودلهي من الطاقة.

ومن المتوقع أن تأتي هذه الشراكة في إطار دعم الهند لكونها دولة ذات سيادة واستقلال في اختياراتها، بينما تسعى روسيا لتأمين سوق مهم للطاقة والتجارة في آسيا بعيداً عن الغرب.

ونقلت شبكة BBC أن استقبال بوتين في الهند كان “مهيباً مع إطلاق وابل من طلقات المدافع، واستقبال في قاعة عرش رخامية”، وذكرت أن ذلك “يُظهر مدى عجز الجهود الغربية عن جعل بوتين معزولاً على خلفية غزوه لأوكرانيا”.

الحوار الروسي الهندي.. وبوتين يهاجم واشنطن

رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قال لبوتين في مستهل محادثاتهما: “الهند ليست محايدة بل لديها موقف وهو دعم السلام. نحن ندعم كل الجهود المبذولة من أجل السلام، ونقف جنباً إلى جنب مع كل مبادرة تتخذ من أجل السلام”.

ورداً على ذلك، شكر بوتين مودي على اهتمامه وجهوده الرامية إلى حل الصراع، وقال بوتين: “مع نمو بلدينا واقتصادينا، تتوسع فرص التعاون. هناك مجالات جديدة آخذة في الظهور، التقنيات العالية والعمل المشترك في مجال الطيران والفضاء والذكاء الاصطناعي. لدينا علاقة قائمة على ثقة كبيرة في مجال التعاون العسكري التقني، ونعتزم المضي قدماً في جميع هذه المجالات”.

وأكد مودي أن روسيا مورّد موثوق به للنفط والغاز والفحم، وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند، مضيفاً: “نحن مستعدون لمواصلة شحنات الوقود من دون انقطاع لدعم الاقتصاد الهندي السريع النمو”.

وتحدى بوتين في مقابلة مع قناة “إنديا توداي” الضغوط الأمريكية على الهند لوقف شراء الوقود الروسي في الوقت الذي يمكن للولايات المتحدة فيه شراء الوقود النووي الروسي، وقال: “إذا كان من حق الولايات المتحدة شراء وقودنا، فلماذا لا تتمتع الهند بنفس الميزة؟ هذا السؤال يستحق دراسة وافية، ونحن مستعدون لمناقشته (معهم) بما في ذلك مع الرئيس ترامب”.

دلالات سياسية وجيوسياسية

تأتي الزيارة في وقت تتعرّض فيه الهند لضغوط غربية، أمريكية بشكل خاص، بسبب مشترياتها من النفط الروسي. لكن الهند أكّدت أنها تتصرف بموجب مصالحها الوطنية، ما يعكس توجه نيودلهي للمحافظة على السياسة المستقلة وعدم الانحياز.

وهذه الزيارة تعبّر عن سعي روسي للهروب من العزلة الأوروبية الأمريكية بعد الحرب، عبر تعزيز الشراكة مع قوى صاعدة مثل الهند. في المقابل، الهند تُبقي خياراتها مفتوحة بين الشرق والغرب، بما يضمن لها مرونة استراتيجية في عالم متعدد الأقطاب.

من جهة أخرى، تمهد الاتفاقات الاقتصادية والمبادرات المشتركة لمرحلة تعاون طويل الأمد ربما تغيّر موازنات القوى الاقتصادية في آسيا.

ورغم ارتفاع التجارة الثنائية، لا تزال الصادرات الهندية إلى روسيا ضعيفة مقارنة بالاستيراد الروسي، ما يعني أن التوازن التجاري غير متكافئ حتى الآن. رغم ذلك يذهب بعض المحللين إلى أن هذه الشراكة قد تثير قلق واشنطن وحلفائها الغربيين، ما قد يزيد من الضغوط على الهند اقتصادياً (عبر عقوبات أو رسوم) أو دبلوماسياً.

كما أن اعتماد الهند على الإمدادات الروسية من الطاقة قد يعرضها لمخاطر إذا تغيرت أسعار النفط أو فرضت عقوبات إضافية على روسيا.

وتشير بي بي سي إلى أن ما تحقق يكفي لتمكين روسيا والهند من التأكيد على شراكتهما “الاستراتيجية الخاصة والمميزة”، وإتاحة الفرصة أمام بوتين كي يُشيد بتعزيز مجالات التعاون بين البلدين.

ويُنظر إلى زيارة بوتين كمحطة روسية استراتيجية تعكس واقعاً دولياً متغيّراً، حيث تُعيد روسيا ترتيب تحالفاتها، وتُترجم الهند سياستها الخارجية المستقلة إلى خطوات عملية، ومن شأن الاتفاق الاقتصادي النوعي أن يعزز شراكة طويلة الأمد تثير القلق الغربي وتفتح أبواباً جديدة للتوترات التي ترسم ملامحها الفترة المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى