الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

بسبب “مهاترات” سياسية في أكبر اقتصاد عالمي.. إغلاق حكومي مرتقب يعصف بأمريكا

الاقتصاد العالمي | بقش

ساعات حاسمة تفصل واشنطن عن إغلاق حكومي تاريخي، إذ يمكن أن يبدأ هذا الإغلاق صباح الأربعاء 01 أكتوبر 2025 بتوقيت شرق الولايات المتحدة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة.

وتقول بلومبيرغ في تقرير اطلع عليه مرصد “بقش” إن إغلاق الحكومة الأمريكية بات أمراً شائعاً في العقود الأخيرة لدرجة أن كل وكالة فيدرالية لديها “خطة عمل” خاصة بها لكيفية التعامل معه، لكن إدارة ترامب تعيد كتابة هذه الخطط قبل نهاية السنة المالية (اليوم الثلاثاء) ومع بداية السنة المالية 2026 (يوم غد 01 أكتوبر)، ما يجعل الإغلاق المحتمل أكثر غموضاً وربما أكثر إرباكاً من أي إغلاق سابق.

وتشترك حالات الإغلاق في سبب واحد، وهو فشل الكونغرس الأمريكي في تمرير قوانين الإنفاق الجديدة حين تنتهي صلاحية قوانين الإنفاق السابقة. لكن التأثير يمكن أن يختلف تبعاً لتوقيت الإغلاق ومدته وتعقيدات عملية الميزانية، ما قد يترك بعض الوكالات ممولة وأخرى متوقفة.

بسبب البرامج الصحية.. خلافات كبيرة دون نتيجة

لم ينجح الاجتماع في المكتب البيضاوي في تقليص احتمالات الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية، إذ غادر الطرفان اللقاء دون التوصل إلى أي اتفاق واعتبرا أن الحل ليس في الأفق القريب.

وقال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ “تشاك شومر” عقب مغادرته المكتب البيضاوي: “لدينا خلافات كبيرة” وفق اطلاع بقش، فيما ذهب نائب الرئيس “جي دي فانس” إلى أبعد من ذلك قائلاً: “أعتقد أننا متجهون إلى إغلاق”، أما زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ “جون ثون” فوصف الموقف الديمقراطي بأنه “ابتزاز صريح”.

والخلاف الآن يتركز بين مطالب ديمقراطية تتعلق بتوسيع أو حماية برامج الرعاية الصحية والإجراءات المرتبطة ببرنامج التأمين الصحي الأمريكي (Medicaid) الذي يوفر تغطية لرعاية طبية بأسعار معقولة للأفراد ذوي الدخل المنخفض. لكن في المقابل، يصر الجمهوريون على تمرير مشروع تمويل “نظيف” أو مرونة توزيع الإنفاق دون هذه المطالب.

وفي هذا الوقت، عمَّقت الأجندة السياسية والاستقطاب الحزبي الانقسامَ الحاصل، بينما يتبادل البيت الأبيض وحلفاؤه الاتهامات حول من “يحمل مسؤولية” الإغلاق.

وتصف إدارة البيت الأبيض مطالب الديمقراطيين بأنها “قائمة مطالب ضخمة” وتحمّلهم مسؤولية السقوط في الإغلاق، بينما يحمّل الديمقراطيون الجمهوريين والبيت الأبيض مسؤولية رفض التفاوض حول حماية البرامج الصحية الحساسة.

ما هي المؤسسات التي ستُغلق؟

قد يكون الإغلاق المقبل أشد من معظم الإغلاقات السابقة، إذ سيكون أول إغلاق يبدأ مع بداية سنة مالية أو رُبع أو شهر مالي منذ إدارة أوباما وفق مراجعة “بقش” للتقارير.

ولم يُقر الكونغرس أياً من مشاريع القوانين الـ12 المخصصة لتمويل الوكالات، بينما يُصعّد ترامب الضغط من خلال التهديد بطرد دائم للموظفين الفيدراليين غير الأساسيين، الذين لا تتوفر تمويلات لوظائفهم، بدلاً من منحهم إجازة مؤقتة.

وما يزيد حالة عدم اليقين، أنّ مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض وجّه الوكالات يوم الأربعاء إلى تعديل خطط الطوارئ الخاصة بالإغلاق لتحديد الموظفين الذين سيتم فصلهم خلال فترة الإغلاق، وتقول الوكالات إنها لا تستطيع نشر تلك الخطط قبل موافقة المكتب عليها، وحتى صباح السبت كانت التفاصيل شحيحة للغاية.

ورصد “بقش” أبرز المؤسسات التي ستتوقف أعمالها في حال إغلاق الحكومة الأمريكية، وهي: مصلحة الضرائب (شبه مغلقة)، وزارة الخزانة الأمريكية (إغلاق جزئي)، الكونغرس (إغلاق جزئي)، وزارة الإسكان (إغلاق جزئي)، المتاحف والمتنزهات (إغلاق جزئي)، أما مجلس الاحتياطي الفيدرالي والمحاكم الفيدرالية فستكون مفتوحة.

كما ستواصل إدارة الطيران الفيدرالية وإدارة أمن النقل في تقديم وظائف السلامة الأساسية ولن تتوقف، لكن قد يواجه المسافرون تأخيرات كبيرة، فمراقبو الحركة الجوية وضباط إدارة أمن النقل سيعملون من دون أجر، وهو ما أدى في الإغلاقات السابقة إلى ارتفاع معدلات الغياب عن العمل.

كما ستتوقف عن العمل “إدارة معلومات الطاقة”، التي تعاني بالفعل من تأخيرات في تقاريرها بسبب تخفيضات في الموظفين.

وستُغلق “لجنة التنظيم النووي” وتتوقف عن أنشطة الترخيص وإصدار الشهادات ومنح التصاريح وأنشطة التفتيش.

ويُفترض بالرئيس الأمريكي أن يواصل أداء مسؤولياته الدستورية، ولذلك يبقى معظم البيت الأبيض، ومكتب محامي العفو، والممثل التجاري للولايات المتحدة مفتوحين. والمسؤولون الفيدراليون رفيعو المستوى الذين صادق عليهم مجلس الشيوخ يُستثنون دائماً من الإجازة القسرية، لكنهم قد يُتركون من دون طاقم عمل. كما يجب دفع رواتب أعضاء الكونغرس بموجب التعديل السابع والعشرين للدستور.

وخلال الإغلاقات السابقة، تم منح إجازة قسرية لنحو 4 من بين كل 10 موظفين فيدراليين وتم منعهم من أداء أي عمل بموجب قانون يحظر على الوكالات قبول العمل التطوعي.

أما الستة الباقون من كل 10 موظفين فيجب أن يواصلوا العمل كموظفين أساسيين، لكن مع ذلك لن يتقاضى الموظفون الفيدراليون رواتبهم، على الأقل خلال فترة الإغلاق، إذ قام “قانون المعاملة العادلة لموظفي الحكومة” لعام 2019 بتقنين الممارسة الطويلة الأمد المتمثلة في دفع رواتب الموظفين الفيدراليين بأثر رجعي بعد انتهاء الإغلاق، سواء كانوا قد عملوا أم لم يعملوا.

وعلى المستوى الدولي، قد يقلل انسداد تمويل الحكومة الأمريكية من قدرة واشنطن على التواصل والدعم الدبلوماسي الفوري، وقد يربك شركاء استراتيجيين في ملفات أمنية واقتصادية إذا استمر الإغلاق.

كارثة توقف البيانات: ضرب العمل الاقتصادي

من الوكالات التابعة لوزارة العمل التي يمكن أن تُغلق بالكامل، هو مكتب إحصاءات العمل، وسيؤدي الإغلاق على الأرجح إلى تأجيل إصدار تقرير الوظائف لشهر سبتمبر، المقرر صدوره يوم الجمعة المقبل، وفي حال استمرار الإغلاق فسيؤخر كذلك تقرير التضخم المقرر في منتصف الشهر.

وستتوقف أيضاً عمليات جمع البيانات، مما سيؤثر على جودة الإحصاءات لشهور مقبلة، وذلك يترك بنك الاحتياطي الفيدرالي من دون بيانات موثوقة تساعده في رسم مسار أسعار الفائدة، وسيضطر صانعو السياسات والمستثمرون المعتمدون على البيانات إلى اللجوء إلى أطراف ثالثة للحصول على مؤشرات عن صحة الاقتصاد.

وبالنسبة لوزارة الخزانة الأمريكية، فهي في الإغلاقات السابقة واصلت عمليات الاقتراض الحكومي وخدمة الدين، وغيرها من المهام، وثمة العديد من وكالات البحث والتنظيم يتم تمويلها من خلال رسوم المستخدمين، وبالتالي يمكنها الاستمرار في العمل، مثل مكتب الأبحاث المالية.

لكن توقف دائرة الإيرادات الداخلية (مصلحة الضرائب) عن أنشطتها وعن الرد على مكالمات العشرات من خطوط خدمة العملاء التي تديرها، يمثل مشكلة كبيرة، رغم أن الإغلاق لا يؤدي إلى تأجيل استقطاع الضرائب أو مواعيد استحقاق أي مدفوعات ضريبية مقدرة.

وهناك تأثيرات اقتصادية محتملة للإغلاق الحكومي بعضها قد يظهر بسرعة بينما قد تتفاقم أخرى مع مرور الوقت. وقد ظهرت بعض الآثار بالفعل في أسواق العملات، غير أن التركيز الأكبر للأسواق حالياً يتمحور حول البيانات الاقتصادية الحكومية، التي ستتوقف عن الصدور والجمع في حال استمرار الإغلاق.

ويأتي ذلك في وقت يحتاج فيه المستثمرون وصنّاع السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات حول تباطؤ سوق العمل واستمرار التضخم، قبيل اجتماع السياسة النقدية المقرر في أكتوبر.

انعكاسات على الأسواق العالمية

كما بدأت التداعيات بالظهور في سلوك الأسواق العالمية، فقد قفز الذهب إلى مستويات قياسية جديدة مع توجه المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، وشهدت عوائد سندات الخزانة تقلبات، بينما لا يزال الدولار الأمريكي عرضة للتأثر بتراجع الثقة إذا ما رأى المستثمرون أن النظام السياسي في الولايات المتحدة عاجز عن إدارة شؤونه المالية.

فعلى الرغم من أن الدولار لا يزال العملة الأولى عالمياً دون منافس، إلا أن تكرار مشاهد أزمات التمويل يدفع المستثمرين الدوليين إلى التشكيك في موثوقيته كملاذ آمن. وكل حلقة إغلاق جديدة تعزز الدعوات إلى تنويع الاستثمارات بعيداً عن الأصول الأمريكية نحو بدائل مثل الذهب، عملات أخرى، وأسهم خارج الولايات المتحدة.

ووفقاً للسجلات التاريخية، فإنه منذ عام 1950، وقعت 21 حالة، استمر معظمها بضعة أيام فقط، لكن المدة عامل حاسم، حيث استمر إغلاق 2018–2019 لمدة 35 يوماً، ما كلف الاقتصاد نحو 3 مليارات دولار من الناتج المفقود بشكل دائم. وخلال تلك الفترة، تراجع مؤشر إس آند بي 500، وانخفضت عوائد سندات الخزانة، كما ضعفت ثقة الأعمال.

وما يجعل الإغلاق المرتقب أكثر إثارة للقلق هو السياق الأوسع: تباطؤ النمو العالمي، وتزايد المخاطر الجيوسياسية، واستمرار تشديد السياسات النقدية. وفي مثل هذا المناخ، يشكل أي مصدر إضافي لعدم اليقين عاملاً مضاعفاً للتقلبات.

وتُعد الأسهم الأكثر عرضة للمخاطر، فرغم أن الأسواق غالباً ما تتجاهل الإغلاقات القصيرة، فإن الإغلاقات الممتدة تقوّض الثقة وتؤدي إلى موجات بيع. والشركات التي تعتمد على العقود الحكومية أو الموافقات التنظيمية قد تتعرض لانخفاض في الإيرادات نتيجة التأجيلات.

كما أن ثقة المستهلك عادة ما تتراجع خلال فترات الاضطراب الطويلة، وهو ما ينعكس مباشرة على أنماط الإنفاق وأرباح الشركات، لينتج عن ذلك ضغط أوسع على أداء السوق.

خلل في قمة السلطة الأمريكية

لا تتوقع التقارير الاقتصادية أن تتحسن الحسابات السياسية في واشنطن بسرعة، فحتى لو نجح المشرّعون في التوصل إلى حل مؤقت، ستظل الاتفاقات طويلة الأمد بعيدة المنال، فقد ترسخ الاستقطاب إلى درجة تجعل تهديد الإغلاقات المستقبلية قائماً باستمرار، مما يضيف طبقة دائمة من عدم اليقين على الأصول الأمريكية.

وبإمكان الأسواق أن تتحمّل الدورات الاقتصادية، وضغوط التضخم، وحتى تحولات السياسة النقدية، لكن ما يقوّض الثقة بشكل أكبر هو الخلل في قمة السلطة، فكل إغلاق مهما كان مؤقتاً يضعف مصداقية أمريكا كوصي موثوق على الاقتصاد العالمي.

بالنتيجة، يخلص تحليل “بقش” إلى أن الإغلاق الحكومي ليس حدثاً اقتصادياً أو إدارياً محضاً، بل مرآة للاختلال السياسي في قدرتين: قدرة الكونغرس على التوافق حول أولويات التمويل، وقدرة الإدارة على إدارة الخلافات دون تحويلها إلى شلل إداري.

والآثار الفعلية تعتمد بشدة على طول الإغلاق وسيناريوهات الحل، وفي كل الحالات يبدو أن المتضرر الأول هم المواطنون والموظفون الفيدراليون والأنشطة البحثية والخدمات غير الطارئة التي لا تُعوَّض بسهولة، ويتطلب الحل العملي فصل القضايا التقنية (التمويل المستمر) عن القضايا السياسية الكبرى (الإصلاحات الصحية أو الميزانية طويلة الأمد)، مع فتح قنوات تفاوضية محايدة تجنب ملايين الأمريكيين تبعات يمكن تجنبها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش