بعد الإبقاء على سعر الفائدة في إسرائيل.. تحذيرات إسرائيلية من “مشكلة وجودية” تهدد بعاصفة اقتصادية

تقارير | بقش
يشهد الاقتصاد الإسرائيلي مرحلة شديدة الحساسية، إذ تتقاطع التحديات النقدية مع الضغوط المالية والجيوسياسية، لتشكل مشهداً اقتصادياً مقلقاً كما تقول الصحف العبرية، فقرار بنك إسرائيل المركزي الأخير، يوم أمس الإثنين، بالإبقاء على سعر الفائدة عند 4.5%، يعكس محاولة واضحة للموازنة بين كبح التضخم وحماية الشرائح الأضعف، وبين المحافظة على بيئة جاذبة للاستثمار وسط ضغوط سياسية متزايدة.
صحيفة معاريف الإسرائيلية نقلت عن محافظ بنك إسرائيل أمير يارون قوله إن التضخم المرتفع يضر أساساً بالطبقات الفقيرة، وأي تخفيف سريع للفائدة قد يؤدي إلى موجة تضخمية جديدة، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الاجتماعي، وقد وضعه هذا الموقف في مواجهة مفتوحة مع القيادة الإسرائيلية، خاصة وزير المالية سموتريتش، الذي يرى في خفض الضرائب مساراً موازياً لتعويض أثر الفائدة المرتفعة، وهو ما اعتبره المحافظ سياسة قصيرة النظر.
ووفق اطلاع مرصد بقش، تُظهر بيانات سوق العمل صورةً مُعقّدة، فهو لا يزال شحيحاً لأسباب سلبية، فقد أدت إطالة فترة توظيف العمالة الاحتياطية ونقص العمالة الأجنبية إلى تقليص العرض، ما أدّى إلى زيادات فورية في الأجور في بعض القطاعات، وهذا الواقع يُصعّب السيطرة على التضخم.
كما لا يزال سوق الإسكان الإسرائيلي يُرسل إشاراتٍ مُتضاربة كما تقول معاريف، فأسعار الشقق نفسها في انخفاض، بينما يواصل قطاع خدمات الإسكان في المؤشر ارتفاعه بمعدل سنوي قدره 4.3%، وفي الوقت نفسه، لا يزال حجم القروض العقارية الجديدة مرتفعاً، حيث بلغ حوالي 9.1 مليار شيكل (2.7 مليار دولار) في أغسطس الماضي.
الصناعة الإسرائيلية تحت الضغط
في المقابل يضغط قطاع الصناعة والتكنولوجيا، الذي يُعد محركاً للنمو الإسرائيلي، بقوة في الاتجاه المعاكس، فالشيكل يواصل ارتفاعه الحاد مقابل الدولار واليورو، ما يهدد تنافسية الصادرات ويضعف ربحية الشركات الإسرائيلية.
وحذرت جمعية الصناعيين الإسرائيليين من “مشكلة وجودية” قد تصيب قطاعي الصناعة المتقدمة والتكنولوجيا إذا لم يُتخذ مسار أكثر مرونة، ودعت بنك إسرائيل إلى التفكير بالانضمام إلى موجة التيسير النقدي العالمية لتخفيف قوة الشيكل، حسب قراءة بقش، لكن هذه الدعوة تصطدم بواقع التضخم، ما يضع صناع القرار أمام معضلة اقتصادية مزدوجة، وهي كبح الأسعار دون خنق النمو.
وأكدت الجمعية أن المصدّرين عانوا بالفعل من عامين صعبين بسبب الأوضاع الجيوسياسية المضطربة وتآكل العلاقات التجارية، والآن يضاف إليهم تآكل الأرباح.
وفي مواجهة المشكلة المتفاقمة، يتعين على بنك إسرائيل إعادة النظر في سياسته والتفكير بحذر في الانضمام إلى اتجاه التيسير النقدي العالمي، وهي خطوة يمكن أن تقلل من فجوات أسعار الفائدة وتنظم قوة الشيكل، وفقاً للجمعية.
كما وجهت الجمعية انتقادات قاسية إلى وزارة المالية التي “تُظهر اللامبالاة”، مشيرةً إلى أنه “بدلاً من تقديم خطة شاملة من شأنها الحد من تراجع الصادرات، فإن وزارة المالية لا تساعد، بل وأحياناً تؤدي إلى تفاقم الوضع، فالتصريحات غير المسؤولة من الداخل تزيد من حالة عدم اليقين لدى المستثمرين الأجانب وتجعل من الصعب على الشركات الإسرائيلية التواجد في الأسواق العالمية”.
وتُظهر الصورة العامة للحالة الاقتصادية في إسرائيل أن أي انحراف عن الاستقرار النقدي والمالي قد يكلّف إسرائيل ثقة المستثمرين الأجانب وعلاقاتها التجارية، وهو ما قد يكون أكثر كلفة من التضخم نفسه.
وقد يؤدي استمرار قوة الشيكل وتراجع تنافسية الصادرات إلى تآكل في النمو، مما يجعل الاقتصاد أمام مفترق طرق، فإما الاستمرار في سياسة نقدية صارمة تحافظ على استقرار الأسعار مع خطر ركود صناعي، أو التوجه نحو تخفيف نقدي محفوف بمخاطر تضخمية جديدة.
تراجع التكنولوجيا العالية
في الإطار نفسه أنهى قطاع التكنولوجيا العالية في إسرائيل الربعَ الثالث من 2025 بنتائج متباينة، فمن جانب شهد تمويل الأسهم الخاصة تباطؤاً حاداً بنسبة 38% مقارنة بالربع السابق ليصل إلى 2.4 مليار دولار فقط، وتراجع عدد الصفقات إلى 141 صفقة بانخفاض 24% عن الربع الماضي و38% عن العام الماضي وفقاً لاطلاع بقش على البيانات التي أوردتها صحيفة معاريف.
وتقلّص عدد المستثمرين النشطين إلى 230 فقط، وهو أدنى مستوى منذ مطلع 2024، لكن المستثمرين الأجانب ظلوا يشكلون 57% من السوق.
إجمالاً، وبناءً على المعطيات السابقة، يبدو أن إسرائيل تعيش لحظة اقتصادية حساسة، حيث لا يكفي ضبط الفائدة أو تخفيض الضرائب منفرداً، بل هناك حاجة إلى تنسيق عميق بين السياسة النقدية والمالية، وإصلاحات استراتيجية تستوعب الضغوط الجيوسياسية وسوق العمل، ما لم فإن “المشكلة الوجودية” التي حذرت منها جمعية الصناعيين قد تتحول إلى واقع يعصف بالاقتصاد الإسرائيلي في السنوات القليلة المقبلة.